مع بدء مرحلة العد العكسي لتسليم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل السلطة في ألمانيا، مع انتهاء المفاوضات بين أطراف الائتلاف الجديد الذي سيكون بقيادة زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز، ويضم "الخضر" و"الليبرالي الحر"، تبدو الآمال بشأن القيادة الألمانية الجديدة مختلطة لدى الأوروبيين، بعد أن شكلت ميركل رافعة لمصالح الاتحاد الأوروبي السياسية والاقتصادية والخارجية، وهي التي كرست حالة فريدة في الحياة السياسية الألمانية والأوروبية مع استمرارها في الحكم على مدى 16 عاماً متتالية دون غيرها من الزعماء الأوروبيين، وكانت المدير الأول للأزمات التي عصفت بدول الاتحاد الأوروبي على مدار تاريخه القريب.
وأشارت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، في تقرير لها، إلى أن مستقبل الاتحاد الأوروبي يعتمد على مدى استعداد الحكومة الألمانية الجديدة للاستثمار في الواقع الأوروبي، وهذا لا يعني في أي حال من الأحوال ضخ المزيد من الأموال فقط، معتبرة أن القلق لدى بروكسل يكمن إزاء المرشح لمنصب وزير المالية، زعيم الحزب الليبرالي الحر، كريستيان ليندنر، والذي ينظر إليه على أنه تجسيد لـ"الغطرسة" و"الجشع" الألماني في التعامل مع الدول الأقل ثراء في أوروبا.
ويبقى الأمل كبيرًا، بحسب الصحيفة ذاتها، ألا يبطئ ائتلاف "إشارات المرور" أداء دول جنوب وشرق أوروبا، وأن يضمن عدم إضعاف معايير الاستقرار أكثر من ذلك، بإطلاق المزيد من برامج الديون المشتركة على حساب المدخرين في غرب وشمال أوروبا، وأن يدفع بالخطوات المتعلقة بالتعاون المشترك، إلى موضوع رفض التبعية للولايات المتحدة والاستقلالية العسكرية والتطوير والرقمنة، والحديث بلغة موحدة في ملف المهاجرين وحماية المناخ، كما وأن تجسد أوروبا قيمها الأساسية أمام العالم، المتمثلة بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وإلا فإن الاتحاد الاوروبي معرض للتقسيم من قبل قوى عظمى كالصين وأميركا وروسيا.
وخلصت إلى أنه لا بد من قيام الألمان بدورهم بعد أن استهلك أسلوب ميركل الذي ارتكز على سياسة "أفضل الممكن" لضمانة تماسك التكتل الأوروبي، ما أبقى على العديد من الملفات الخلافية مفتوحة، وأهمها النزاع مع روسيا وتصاريح ضخ الغاز إلى أوروبا عبر خط "نورد ستريم 2"، إلى العلاقات عبر الأطلسي، فضلاً عن التعامل مع أزمة المهاجرين وتوزيعهم، وأيضا مطالبة 11 دولة أخرى بأموال لتأمين الحدود الشرقية لأوروبا ببناء الجدران والأسوار، حتى إن هناك جدلاً في الاتحاد الأوروبي حول إضفاء الشرعية على عمليات صد اللاجئين، مع غياب سياسة هجرة مشتركة.
كل ذلك يعتبره البعض من الأعباء الموروثة التي خلفتها "المستشارة الأوروبية" ميركل، والآن بات من المطلوب العمل على استقرارالاقتصاد الأوروبي في ظل أزمة كورونا، والمساعدة في تحديثه والتوفيق مع دول أوروبا الشرقية التي عانت في ظل سياسة التقشف الألمانية، والأهم أن لا يشعر مواطنو أوروبا الشرقية بأنهم مواطنو درجة ثانية، وعدم استغلال الشعبويين لهذا الشك، مرددين أن المركزية الأوروبية تدمر القيم الوطنية، مع العلم أن ميركل تعتبر أن المشكلة الحقيقية لا يمكن حلها بمعاقبة كل من بولندا والمجر مع خرقهما لبعض معاهدات الاتحاد الأوروبي، مع تعليق الاتحاد الأوروبي للأموال والمساعدات ومقايضتها مع الحكومات التي لا تلتزم بالقيم الأوروبية: وإنما عبر الاستمرار في عملية التكامل الأوثق في المجالات السياسية.