خلال الأسبوع الماضي، وجّه فريق قاعة عروض في العاصمة التونسية، اسمها سينما الريو، رسالة مفتوحة إلى مديرة معهد "غوته" الألماني في تونس، تقول: "يؤسفني بشدة أن أبلغكم أن مسرح ريو والعاملين فيه لا يمكنهم الاستمرار في التعاون بضمير حي مع معهد غوته في تونس، ولا مع أي مؤسسة ألمانية أخرى تجرّم التضامن مع الفلسطينيين".
كانت الرسالة رداً على طلب من المعهد المذكور لعرض فيلم، وكانت رسالة طويلة تذكر في ما تذكر أن عدداً من الفاعلين الثقافيين في تونس التقوا إدارة المعهد "للتعبير عن قلقنا العميق إزاء تورط الحكومة الألمانية في الهجمات الوحشية التي تشنها إسرائيل ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في غزة. والتي تشمل زملاء في مجال الفنون والثقافة وأسرهم وعملهم، ونشاطهم وعيشهم ورزقهم. كما أعربنا عن فزعنا إزاء القمع المتزايد الذي تمارسه السلطات الألمانية و/أو المؤسسات الثقافية الألمانية ضد الفلسطينيين والأفراد الذين يدعمون علناً الفلسطينيين وحقوقهم الإنسانية أو ينتقدون إفلات إسرائيل من العقاب وقواتها الأمنية ووحشيتها".
كذلك، طالبت حركات طالبية في الولايات المتحدة جامعة جورجتاون في واشنطن بسحب استثماراتها في شركات تعمل على تطوير التكنولوجيا للجيش الإسرائيلي، مؤكدين أنهم سيواصلون الضغط من أجل سحب ووقف الاستثمار في شركات وكيانات متورطة في الإبادة الجماعية والفصل العنصري في فلسطين المحتلة.
قد تبدو هذه المواقف محدودة التأثير في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ومَن وراءها، وفي الحد من عدد الشهداء والجرحى في رأي البعض، ولكنها تنبئ بعمق الأزمة التي سببتها الحرب، وحجم تأثيرها على النخب في العالم، وكذلك على الشارع والرأي العام الدولي الذي أصبح أكثر انتباهاً للحقيقة وأكثر رغبة في تجاوز ما تروجه آلة الحرب الدعائية ومعرفة ما يحدث فعلاً.
والمهم أن فعل المقاطعة بدأ يتوسع وينبّه شركاء إسرائيل الخفيين والعلنيين إلى أن هناك من بدأ يستفيق من الغفوة ويدرك الأيدي التي تحرك الدمية الكبيرة الظاهرة للعيان. لقد أسقطت غزة أقنعة كثيرة عن معاهد وكتاب وفنانين وصحافيين، لطالما صدعوا رؤوس العالم بحديث الحقوق والحريات والمساواة، ولكن الحرب كشفت الوحوش المتخفية التي لا تجد عناء في إعلان عنصريتها عندما يجد الجد، وتتصور أنها من عنصر أسمى من الباقي، ولكن الوقاحة أنها تريد أن تواصل فيلم الكذب، ولكن بعض الناس تفطنوا، ويرفضون المشاركة في عملية القتل، الفعلي، والثقافي والفكري، وهذه هي آثار غزة التي ستبقى ولن يمحوها الكذب الدولي.