شعار شركة ان اس او الإسرائيلية (عمر ماركيس/ Getty)
28 يناير 2022
+ الخط -

سلط تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الضوء على خبايا برنامج التجسس "بيغاسوس" الذي طورته شركة "إن.إس.أو" الإسرائيلية، كاشفا عن تسابق دول عدة على اقتناء البرنامج، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم من دون موافقة الحكومة الإسرائيلية، ما جعل تل أبيب توظف ذلك لتحقيق "مكاسب دبلوماسية" واستمالة دول لصفها على حساب القضية الفلسطينية.

وكشف التحقيق أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اضطر لطلب تدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، شخصيا، من أجل الترخيص لشركة "إن.إس.أو" بالعمل مجدداً بالسعودية.

وأوضح التحقيق أن إسرائيل لها الكلمة الفاصلة بشأن من يستطيع اقتناء معدات التجسس من "إن.إس.أو"، من خلال قوانين التصدير الخاصة بها، مضيفا "سمح ذلك لإسرائيل أن تجعل إن.إس.أو أداة محورية لتنفيذ سياستها المتعلقة بأمنها القومي، من خلال توظيفها وشركات أخرى مماثلة في تحقيق مصالحها في مختلف أرجاء العالم".

وكشفت تحقيق "نيويورك تايمز" أن دولا مثل المكسيك وباناما غيرت من مواقفها اتجاه إسرائيل خلال التصويت بالأمم المتحدة على قضايا مرتبطة بالقضية الفلسطينية، وذلك بعدما استطاعت الحصول على برنامج "بيغاسوس" للتجسس.

وأضافت الصحيفة أن تحقيقها يكشف أيضا كيف أن منح رخص بيع برنامج "بيغاسوس" لعب دوراً خفيا، ولكن جوهريا، في الحصول على دعم دول عربية الحملة الإسرائيلية ضد إيران، وكذلك خلال المفاوضات التي سبقت الإعلان عن التطبيع بين دول عربية والاحتلال الإسرائيلي في العام 2020.

برنامج لشراء النفوذ

ولخص التحقيق الوضع المرتبط بما حققته شركة "إن.إس.أو" للجانب الإسرائيلي بالقول "أصبحت الحكومات تعتبر، وبشكل متصاعد، الأسلحة السيبرانية القوية مثلها مثل المعدات العسكرية الأخرى كالمقاتلات الجوية وأجهزة الطرد المركزي"، قبل أن يضيف "إنها لا تلعب دوراً محورياً على مستوى الدفاع الوطني فحسب، بل هي كذلك عملة يمكن من خلالها شراء النفوذ في مختلف أرجاء العالم".

وأوردت "نيويورك تايمز" في هذا الصدد تصريحا لمساعد عسكري سابق لنتنياهو شرح ذلك بوضوح: "بما أن وزارة الدفاع هي من تتحكم في تحديد الأماكن التي يمكن أن تصل إليها هذه الأنظمة، فإننا نستطيع استغلال ذلك وجني مكاسب دبلوماسية من ورائه".

من جانب آخر، ذكر التحقيق أنه في العام 2017 قررت السلطات الإسرائيلية أن تسمح ببيع برنامج "بيغاسوس" للملكة العربية السعودية، وبالأخص لجهاز استخباراتي يشرف عليه ولي العهد السعودي.

ومنذ ذلك التاريخ، كما جاء في تحقيق "نيويورك تايمز"، تولت مجموعة صغيرة تضم مسؤولين بارزين بوزارة الدفاع الإسرائيلية، وتحت إمرة نتنياهو، لعب دور رئيسي في المحادثات مع السعوديين، التي كانت تتم في ظروف سرية للغاية.

وكشف التحقيق أيضاً أنه بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا في العام 2018 على يد فريق اغتيال سعودي، نظمت شركة "إن.إس.أو" اجتماعاً مستعجلاً لبحث كيفية التطرق إلى الأنباء عن تورطها بعملية الاغتيال.

ومع أن "نيويورك تايمز" ذكرت أن الشركة الإسرائيلية نفت استخدام برنامج "بيغاسوس" في التجسس على خاشقجي قبل اغتياله، إلا أن الشركة قررت وقف عمل نظام "بيغاسوس" بالسعودية. عاماً بعد ذلك، ستعود الشركة عن قراراها وتوافق على إعادة "بيغاسوس" إلى السعودية.

"إبقاء السعوديين سعداء"

وأورد التحقيق أن "إبقاء السعوديين سعداء كان مهما بالنسبة لنتنياهو، الذي كان يقود مبادرة دبلوماسية سرية كان يعتقد أنها ستقوي مشواره السياسي كرجل دولة، من خلال الإعلان عن التطبيع بين إسرائيل وعدة دول عربية".

واستطاع نتنياهو، في سبتمبر/ أيلول 2020، التوقيع في البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وحضور وزيري خارجية الإمارات عبد الله بن زايد والبحرين عبد اللطيف الزياني، على اتفاقات التطبيع. وكشف التحقيق أنه بالإضافة لصفقات الأسلحة التي تم تمريرها بالتزامن مع التطبيع، قامت إسرائيل بمنح تراخيص لبيع برنامج "بيغاسوس" لكافة الدول تقريبا التي وقعت على اتفاقات التطبيع.

لكن الأمور ستأخذ منحى مغايراً بعد انتهاء رخصة التصدير إلى السعودية، حيث امتنعت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن السماح بتجديدها متحججة بسوء استخدام السعودية برنامج "بيغاسوس".

ومن دون ذلك الترخيص، كما يشير تحقيق "نيويورك تايمز"، لم يعد بإمكان "إن.إس.أو" القيام بعمليات الصيانة الدورية لبرنامجها، وكانت أنظمتها هناك تتعرض لأعطاب. وأضاف أن عدة اتصالات بين مساعدي ولي العهد السعودي، والمسؤولين بشركة "إن.إس.أو"، والموساد ووزارة الدفاع الإسرائيلية، لم تتمكن من حل ذلك الأمر. وبالتالي، قام ولي العهد السعودي بإجراء اتصال عاجل بنتنياهو، وفق ما ذكر التحقيق نقلا عن مصادر مطلعة على الاتصال أشارت إلى أنه طلب تجديد ترخيص "بيغاسوس".

وبعد الاتصال، قام نتنياهو بإصدار تعليماته لوزير الدفاع من أجل حل الإشكال، وهو ما تم خلال ليلة الاتصال نفسها، لتعود أنظمة "بيغاسوس" للاشتغال مجدداً بالسعودية.

المساهمون