رفع "مجلس سورية الديمقراطي" (مسد)، الجناح السياسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، سقف هجومه على "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" عقب تصريحات لرئيس الائتلاف نصر الحريري، طالب فيها الجانب التركي بالتدخل العسكري لطرد هذه القوات من مناطق عدة، غربي نهر الفرات. واعتبر "مسد" أن الائتلاف مشترك في مشروع "لا يحمل أي أجندة وطنية لسورية"، مضيفاً في بيان له أول من أمس الجمعة: لا يتخطى دور الائتلاف فيه دور الأجير المجرم المستخدم من قبل المحتلين، وهذا الدور المنوط بثلة من السوريين، وبات يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل سورية. كما اعتبر تصريحات الحريري في إسطنبول التركية، يوم الاثنين الماضي، دليل إفلاس، متهماً الائتلاف بـ"الإساءة لمشروع سورية الديمقراطية عبر العبث بأمن المدنيين، وتشويه بطولات هذه القوات". وذهب "مسد" في هجومه على "الائتلاف" إلى حدّ اتهام فصائل المعارضة السورية المنضوية في "الجيش الوطني" بـ"استهداف مستشفى في عفرين وارتكاب مجزرة بحق المدنيين الأبرياء، لتسارع وسائل إعلامهم الحاقدة بتوجيه الاتهام إلى قسد بالتزامن مع مطالبة ممثلي الائتلاف لمُستخدميهم باحتلال مزيدٍ من الأراضي السورية"، وفق البيان.
طالب الحريري بسحب السلاح من "قسد" وحماية آبار النفط
وكان قد قُتل وأصيب العشرات من الكادر الطبي والمرضى في هجوم بالمدفعية على مستشفى في مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، الخاضعة للجانب التركي في ريف حلب الشمالي الغربي، في 12 يونيو/حزيران الحالي. واتهمت وزارة الدفاع التركية، "قسد" بالمسؤولية عن الهجوم على المستشفى، وقالت إنها ردت عليه بقصف لمواقع القوات الكردية في المنطقة. وإثر هذا الهجوم طالب الحريري تركيا، وكل دول العالم التي تهمها سورية بالتدخل العسكري إلى جانب الشعب السوري و"الجيش الوطني" من أجل إخراج "قسد" من مدينتي تل رفعت ومنبج غربي نهر الفرات، وكافة المناطق السورية. وجدد مطالبته بسحب السلاح الثقيل من "قسد"، و"حماية آبار النفط وثروات وموارد الشعب السوري الموجودة في المنطقة الشرقية وتسخيرها لتأمين المساعدات إلى جميع السوريين".
وعلى مدى السنوات الماضية، تبادل "الائتلاف الوطني" و"مسد" الاتهامات عبر وسائل الإعلام، ما يؤكد عمق الخلافات السياسية بين الطرفين والتي تغذيها التجاذبات الإقليمية، وحالة التنافس المحتدمة بين مختلف الفرقاء الإقليميين والدوليين في الشمال الشرقي من سورية. وكانت رئيسة الهيئة التنفيذية في "مسد"، إلهام أحمد، قالت أواخر العام الماضي إنّ "الائتلاف لا يملك قراره" على هذا الصعيد، مضيفةً: "تركيا تتحكم بقرارات الائتلاف وتمنع الحوار مع مسد والإدارة الذاتية".
من جهته، يعتبر "الائتلاف الوطني" حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الحزب المهيمن على قوات "قسد" من خلال ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية)، نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني"، المصنّف "إرهابياً" لدى العديد من الدول، ومن بينها تركيا. وسبق أن وجّه "مسد" أكثر من مرة دعوة للائتلاف لـ"فتح حوار غير مشروط من أجل وحدة سورية، وبناء دولة جديدة"، إلا أن الائتلاف وضع ما قال إنها "شروط وطنية" قبل الجلوس إلى طاولة الحوار "أولها فكّ الارتباط مع حزب العمال الكردستاني من قبل هذه القوات".
وتعليقاً على بيان "مسد"، يعتبر عضو الهيئة السياسية في "الائتلاف الوطني السوري" عبد المجيد بركات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد خارج السياقات الوطنية السورية"، مضيفاً: "تدرك هذه القوات أنها تعاني من إفلاس سياسي". ويرى أن مشروع هذه القوات "غير منسجم مع تطلعات الشعب السوري وثورته، وبدأت هذه القوات بالعودة إلى جذورها من خلال التنسيق مع مليشيات النظام والإيرانيين تحت غطاء روسي". ويلفت إلى أن "الصواريخ التي أُطلقت على مدينة عفرين منذ أيام أُطلقت من مواقع عسكرية تابعة لقسد بتنسيق مع قوات النظام وبموافقة روسية"، مضيفاً: "يحاول مسد من خلال هذا البيان نزع التهمة عن قسد".
ويشدّد على أن "الائتلاف ممثل شرعي للشعب السوري وكنا شركاء بمحاربة الإرهاب منذ اليوم الأول للثورة. حاربنا الإرهاب الأسود (في إشارة إلى تنظيم داعش)، والإرهاب الأصفر (في إشارة إلى الوحدات الكردية)". ويبدي اعتقاده أن "قوات قسد تدرك أن لا غطاء وطنياً لها وأنها مشروع فُرض على السوريين، وتستغل المناكفات الإقليمية والدولية من أجل الحفاظ على مكتسبات خارج سياق الوطنية السورية. هي قوة عابرة للحدود لا تنسجم مع تطلعات الشعب السوري".
في المقابل، يرى بهزاد عمو، وهو من المكتب الإعلامي في "مسد" أن "الائتلاف لا يملك قراره"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "هو (الائتلاف) مرتهن كلياً لإرادة تركيا التي تملك أجندات مغايرة حتى ضد تطلعات الشعب السوري الذي يسعى لإنهاء الاستبداد ومعه الإرهاب وفكره وإخراج جميع المحتلين".
"قسد": الائتلاف كما كان متوقعاً منه تابع لسياسات مشغليه الأتراك
ويلفت إلى أن "مطالبة الائتلاف الدولة التركية بالتدخل واحتلال وقضم المزيد من الأراضي السورية، خطير للغاية"، متهماً الائتلاف بأنه "يشكّل خطراً على الشعب السوري وثورته الذي خرج من أجلها قبل عقد من الزمن". ويشير إلى أن "مسد دعا أواخر العام الماضي جميع الأطراف السورية، بمن فيهم الائتلاف، للحوار وبناء توافقات شريطة أن يملك الائتلاف قراره، لكن الائتلاف كما كان متوقعاً منه تابع لسياسات مشغليه الأتراك".
وكان "المجلس الوطني الكردي" المنضوي في "الائتلاف الوطني" شرع منذ أكثر من عام في حوار مع أحزاب "الإدارة الذاتية"، وعلى رأسها "الاتحاد الديمقراطي" في منطقة شرقي نهر الفرات، التي تسيطر عليها "قسد" بشكل شبه كامل. إلا أن هذا الحوار الذي يكاد يرقى إلى مستوى المفاوضات يراوح في مكانه بسبب رفض "الاتحاد الديمقراطي" مبدأ فك الارتباط مع "العمال الكردستاني"، إضافة إلى رفضه التشارك في القرار الأمني والعسكري في الشمال الغربي من سورية. وحول هذه التطورات يرى المحلل السياسي السوري الكردي مدين عليان في حديث مع "العربي الجديد"، أن البيان الذي أصدره "مسد"، "تصعيدي وفيه تعميم على كافة القوى المنضوية في الائتلاف وهذا ينافي المنطق السليم". ويعتبر أن البيان يحمل خطاباً مزدوجاً في توصيف الحالة السورية، تارة يصفها بالأزمة وتارة بالثورة.