وضع النظام السوري يده على الأراضي الزراعية العائدة للمهجرين من ريفي إدلب الجنوبي والشرقي بالقوة، ما يؤكد زيف مزاعمه عن تسهيل عودة هؤلاء المهجرين الذين باتوا بنظره "متوارين عن الأنظار" لتبرير الاستيلاء على ممتلكاتهم.
طرح الأراضي الزراعية للاستثمار
وأكد محافظ إدلب المعيّن من قبل النظام ثائر سلهب، أول من أمس الاثنين، أن مجلس المحافظة طرح الأراضي الزراعية العائدة للمهجرين الذين وصفهم بـ "المتوارين عن الأنظار في الشمال" للاستثمار في مناطق: معرة النعمان، وخان شيخون، وسراقب، وأبو الظهور، الواقعة في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي.
ونقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن سلهب قوله إن "هذه الأراضي ستطرح للاستثمار من أجل زراعتها بالقمح فقط"، قائلاً إن هناك "أراضي خالية لا يوجد من يديرها".
وتتناقض هذه الخطوة مع حديث النظام عن تسهيل عودة المهجرين وفق "تسويات" تجريها الأجهزة الأمنية، التي يرفض أغلب المهجرين القبول بها، خوفاً من عمليات انتقامية بحقهم في حال عودتهم، كما حدث في العديد من المناطق التي استعادها النظام من فصائل المعارضة السورية.
قوائم إعلانات الاستثمار تطاول عقارات بلا ذكر لأصحابها
واعتبر سلهب أن "من يعود ويسوي وضعه سيأخذ أرضه في حال كانت ضمن الأراضي التي جرى إعطاؤها للاستثمار". وكان النظام السوري قد فتح مركز تسويات لأهالي محافظة إدلب في مدينة خان شيخون، مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي، إلا أن هذا المركز لم يستقطب سوى عدد محدود من أهالي محافظة إدلب التي يقع ريفاها الشمالي والغربي تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل المعارضة السورية.
ويضم الجزء الخارج عن سيطرة النظام من محافظة إدلب ملايين النازحين من مختلف المناطق السورية، تحديداً من ريف حماة الشمالي وريفي إدلب الجنوبي والشرقي، اللذين طرح النظام ما فيهما من أراضٍ زراعية للاستثمار.
وكشفت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن الأراضي التي طرحها النظام للاستثمار "تُعدّ من أخصب الأراضي في الشمال الغربي من سورية"، موضحاً أن ريف معرة النعمان الشرقي، بدءاً من قرى معرشمشه، ومعرشورين، ومعرشمارين، والغدفة، وصولاً إلى منطقة سنجار شرقاً، يُزرع بالقمح ومحاصيل أخرى مثل الكمّون.
وأشارت المصادر إلى أن ريف معرة النعمان الجنوبي الشرقي مشهور بزراعة الزيتون، موضحة أن ريف مدينة سراقب الشرقي وصولاً إلى منطقة أبو الظهور هي كذلك تُزرع بالقمح.
كما أوضحت أن ريف خان شيخون، خصوصاً بلدات التمانعة والخوين، وصولاً إلى منطقة عطشان في ريف حماة الشرقي، مشهورة بالفستق الحلبي.
ولفتت المصادر إلى أن "نحو 90 في المائة من سكان مناطق معرة النعمان وخان شيخون وسراقب مهجّرون بالقوة من منازلهم إلى الشمال السوري من قبل قوات النظام والمليشيات التابعة لها"، مضيفة: "والآن وضع النظام يده على أراضيهم وممتلكاتهم".
وأشارت إلى أن النظام "يؤجر هذه الأراضي لشبيحته ومتزعمي المليشيات المحلية المرتبطين بضباط النظام"، مضيفاً: "لهؤلاء الضباط يذهب القسم الأكبر من الأموال".
وفي السياق، أوضح المهندس الزراعي علاء الخليل، الموجود في شمال غربي سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام منذ سيطرته على ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي قبل أكثر من عامين، باشر بتضمين المساحات الزراعية في الريفين عن طريق الجمعيات الزراعية المحلية التابعة له".
النظام يستغل الأراضي لصالحه
وأضاف أن "هذه المساحات واسعة وخصبة، بعضها مخصص للمحاصيل الحقلية والبعض الآخر مشجر بالفستق الحلبي والزيتون، خصوصاً في كفرزيتا ومورك في ريف حماة الشمالي، وخان شيخون في ريف إدلب الشرقي". وبيّن أن النظام "يضمّن هذه الأراضي بأسعار بخسة، ولا يستفيد أصحابها شيئاً بل تذهب الأموال إلى النظام عن طريق جمعياته".
بدوره، اعتبر عضو "هيئة القانونيين الأحرار"، عبد الناصر حوشان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المتواري عن الأنظار مصطلح قانوني يشير إلى المتهم أو المطلوب أمنياً الفار من السلطة"، مضيفاً: "يجري التعامل معه من خلال مذكرات القبض، أو التوقيف على الغياب، إذا كان مطلوباً للقضاء، وبموجب إذاعة بحث وتحرٍ إذا كان مطلوباً للجهات الأمنية".
وتابع حوشان: "لكن هذه الإجراءات لا تبرر مصادرة أمواله أو التعدّي على حرمة المساكن". وأشار إلى أن "بمراجعة قوائم إعلانات الاستثمار في محافظة إدلب، يتبيّن لنا أنها قوائم تطاول عقارات من دون ذكر أسماء أصحابها، ولا حتى أرقامها"، مضيفاً أن "هذه عملية استيلاء بالجملة على مناطق عقارية، من دون بيان السبب القانوني لذلك".
النظام يؤجر هذه الأراضي لشبيحته ومتزعمي المليشيات المحلية
وأضاف أن "هذه الإجراءات جريمة نهب وهي من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة التي لا تسقط بالتقادم، إضافة إلى أنها مخالفة لنص المادة 15 من الدستور (وضعه النظام عام 2012)، التي تحظر التعرّض للملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة، ووفق قانون الاستملاك، إضافة لمخالفتها أحكام الملكيّة الواردة في القانون المدني".
وكانت قوات النظام قد بدأت أواخر عام 2019 حملة عسكرية واسعة النطاق بإسناد ناري من الطيران الروسي انتهت في مارس/ آذار 2020، بعد أن سيطرت هذه القوات على مساحات كبيرة من مناطق سيطرة فصائل المعارضة في أرياف حلب وحماة وإدلب، من بينها المدن الثلاث معرة النعمان، وخان شيخون، وسراقب.
ومنذ ذلك الحين تجري عمليات "تعفيش" ونهب واسعة النطاق، وصلت إلى حدود إزالة سقوف المنازل لاستخراج مادة الحديد منها، فضلاً عن تدمير كل المرافق الحيوية بالقصف الجوي من الطيران الروسي ومدفعية النظام خلال الحملة العسكرية. واضطر أكثر من مليون مدني للنزوح نجاة بأرواحهم أثناء تقدم قوات النظام.