"لا" لإسرائيل في الكونغرس: ظاهرة متنامية وإن كانت رمزية

27 سبتمبر 2021
الكتلة "التقدمية" التقطت الفرصة لتسجيل أول خطوة تشريعية ضد إسرائيل (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -

الكتلة "التقدمية" المناوئة لإسرائيل في الكونغرس الأميركي، ظاهرة جديدة ملفتة بنشاطها وتحركها، ولو أن صوتها أكبر من حجمها. ومع أنها ما زالت نواة قوة غير وازنة ولا مؤثرة كفاية في المعادلة، إلا أنها فرضت حضورها، وأسمعت اعتراضها على الانحياز الكامل لإسرائيل.

عادة في الكونغرس، من يخرج عن الإجماع ولا يصوّت لدعم تل أبيب، يسكت. الاحتجاج العلني كان إجمالاً من الممنوعات، لكن هذه القاعدة انكسرت، وتعذر أخيراً إسكات المحتجين من المشرعين. وما أغاظ الجوقة الإسرائيلية، أن التحرك هذه المرة ضد تقديم مساعدة عسكرية لإسرائيل، حصل من خلال المسار التشريعي في المجلس، وليس من خلال الخطاب السياسي فقط، وهذا اختراق غير مسبوق، وإن لم يتكلل سوى بنجاح جزئي مؤقت لم يقوَ على الصمود. والأهم أنه جرى على يد تكتل متبلور ولو صغير، لكنه متماسك وملتزم بخطه، وشارك فيه نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وهذا أيضاً غير معروف، وشكّل سابقة مزعجة لمفاتيح إسرائيل بواشنطن، ممّن لا يتحمّلون أي خروج على سياسة القطيع في الكونغرس تجاه إسرائيل.

أواخر الأسبوع الماضي، طرح الديمقراطيون في مجلس النواب مشروع قرار لتمويل نفقات حكومية عامة، وألحقوا به فقرة لتخصيص مليار دولار لإسرائيل، من أجل إعادة تجهيز شبكة القبة الحديدية بالصواريخ المضادة التي استخدمتها خلال حرب غزة في مايو/أيار الماضي. الكتلة "التقدمية" التقطت الفرصة لتسجيل أول خطوة تشريعية ضد إسرائيل تحمل توقيعها، فاشترطت إزاحة هذا النص كثمن لتأييد المشروع وبالتالي ضمان تمريره، وكان لها ما أرادته، بحكم حاجة الديمقراطيين إلى أصواتها. على الفور، سارع اللوبي الإسرائيلي وأذرعه في الكونغرس إلى القيام بعملية استنفار أدّت إلى طرح مشروع قانون مستقل بالمبلغ، جرى التصويت عليه في أقل من 24 ساعة، بأكثرية 420 ضد 9. حجم التأييد الكاسح كان متوقعاً. الجديد في الموضوع، كان أن يصوّت 9 نواب، ومن بينهم واحد جمهوري، ضد تمويل عسكري لإسرائيل. في الواقع هم 10، لكن النائبة الأخرى ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، المحسوبة على الكتلة، اضطرت كما قالت لاتخاذ موقف محايد، سرعان ما أعربت عن ندمها عليه، واعتذارها عن عدم تصويتها ضد المشروع.

بلغة العدد، الاعتراض على المشروع نسبته هزيلة. حوالي 2 بالمائة من مجلس النواب. ومن المتوقع أن تكون أضعف في مجلس الشيوخ. لكن في الدلالة، كانت المسألة أبعد من الرقم. الكتلة أو "الزمرة اليسارية" كما يسمونها، تكونت في مجلس النواب مع انتخابات 2018، وأطلقت منذ ذلك الحين عملية مطاردة لسياسات إسرائيل، وانحياز الكونغرس الأعمى لها. جرت محاولات لعزلها وإزاحتها، لكن "رموزها" تمكنوا من الاحتفاظ بمقاعدهم في انتخابات 2020. في صفوفها الأمامية نائبتان من أصل عربي فلسطيني وصومالي، وعدد من الأقليات والملونين. التوقيت كان ملائماً، حيث تزامن خطابها الناقد والكاشف لإسرائيل، مع تنامي النفور نسبياً في الساحة الأميركية من تطاول رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو (أيام الرئيس السابق باراك أوباما) وتجاوزاته وتقويضه لحلّ الدولتين. تجلّى ذلك في انتشار حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية المصنّعة في المستوطنات، برغم محاربتها في عدة ولايات. تمددت أكثر في الجامعات الهامة، منها يال وبراون، اللتان تشكلت فيهما مجالس طلابية مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ورافضة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

بنتيجة ذلك، حصل هبوط ملحوظ في تأييد إسرائيل في صفوف الجيل الجديد من الديمقراطيين. واكب ذلك في السنوات الأخيرة دخول بند الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني على أجندات بعض مرشحي الرئاسة، وعلى رأسهم السناتور "الاشتراكي" بيرني ساندرز. كما تبلورت حالة من التعاطف، ولو الخجول، في صفوف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مع خطاب "زمرة اليسار".

ولا يقل أهمية، بل ربما كان الأهم، أن يترافق ذلك مع تزايد اعتراضات بعض النخب الأميركية واليهودية - الأميركية، على واقع العلاقات الأميركية اللامحدودة في تغاضيها عن إسرائيل وفي تجاهلها للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال. على سبيل المثال، صدرت كتابات من نوع "آن الأوان لوقف العلاقة الخاصة مع إسرائيل" - مايو/أيار 2020. وأخرى تدعو إلى تصنيف "معاداة الفلسطينيين" في خانة "التعصب العنصري الأعمى" - الكاتب اليهودي المعروف بيتر باينرت – يوليو/تموز 2021. وحتى الإدارة اضطرت أخيراً بعد المراوغة، للاعتراف الصريح بأن الضفة الغربية "أرض محتلة"، بتعبير الناطق الرسمي في الخارجية نيد برايس.

وسط هذه الأجواء، انتعشت "الزمرة اليسارية" في الكونغرس، رغم التحديات الكاسرة التي تواجهها؛ ومع أنها غير قادرة على تشكيل خصم جدّي قادر على تغيير موازين القوة في المدى المنظور، لكنها خضّت الماكينة الإسرائيلية في واشنطن، التي صار عليها التعامل مع كتلة قد تتطور إلى كتل في الكونغرس، غير راضية عن الاحتضان الأميركي المفتوح لإسرائيل.

في الماضي، كان اللوبي الإسرائيلي يسارع إلى محاربة النواب وأعضاء مجلس الشيوخ المتمردين، عن طريق شن حملات انتخابية ضدهم تؤدي إلى منعهم من تجديد انتخابهم، كما حصل مع النائب بول فندلي، الذي تصدى بقوة لنفوذ إسرائيل في الكونغرس. الآن توسعت الدائرة، وثمة خميرة تساعد على الترويج ضد هذا النفوذ. مرة قال السناتور الجمهوري الليبرالي راند بول، إنه "لا يجوز أن نقترض لنعطي مساعدات لدولة غنية" مثل إسرائيل. كلامه، ولو أنه مرّ بصورة عابرة، يعبّر عن أصوات مكبوتة كثيرة في مجلسي الكونغرس. "الكتلة" تأتي كتعبير عن هذه الأصوات، من دون أن يكون هناك وهم بقدرتها على الدفع نحو التغيير في عضوية العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لكنها نغمة أو بداية مختلفة، وهذا بحدّ ذاته يثير خشية مؤيدي إسرائيل في أميركا، الذين "يرفضون نعتهم بمعاداة الفلسطينيين، بينما لا يجوز للفلسطينيين - الأميركيين أن يعربوا عن نصرتهم للقضية الفلسطينية دون أن يوصموا بمعاداة السامية". معاداة السامية صارت الرديف للاعتراض على سياسات إسرائيل، لكنها ورقة صارت مكشوفة، وإن لم تفقد فعاليتها بعد في الساحة الأميركية.

المساهمون