على الرغم من صدور حكم بسجنه، مع وقف التنفيذ، يواصل ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مشروعَه الدعائي، والذي يعتبره مهمة فكرية - سياسية، لحشد المعسكر الشعبوي الغربي، على ضفتي الأطلسي الأوروبية والأميركية.
ويبث بانون أفكاره اليمينية المناهضة للعولمة عبر "بودكاست" سياسي، تحت اسم "غرفة الحرب" (وور روم)، مبشراً بعودة ترامب للرئاسة، ومكثفاً حملاته الإعلامية أخيراً، على أمل مساعدة الجمهوريين في "اكتساح" الكونغرس في الانتخابات النصفية الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وقضت محكمة أميركية، أول من أمس، بعقوبة السجن أربعة أشهر على بانون، وذلك لرفضه التعاون مع تحقيق لجنة في مجلس النواب في الهجوم على الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021.
يبشّر بانون بعودة ترامب للرئاسة، ويكثف حملاته دعماً للجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية
وأعلن بانون أنه يعتزم الاستئناف، ما يعلّق تنفيذ الحكم. لذلك كان قادراً على مغادرة المحكمة، وأكد أمام الكاميرات "احترام قرار القاضي"، لكنه لم يقف عند ذلك وتطرّق إلى السياسة. وقال: "سيكون 8 نوفمبر يوم الحكم على نظام (جو) بايدن غير الشرعي، ونعرف كيف ستسير الأمور"، في إشارة إلى انتخابات التجديد النصفي التي قد يفقد فيها الديمقراطيون غالبيتهم في الكونغرس.
ويواصل بانون (69 عاماً- مواليد فيرجينيا)، إثارة الغبار حول شرعية فوز الرئيس الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، مؤكداً أن ترامب سيفوز في معركة الرئاسة الأميركية في عام 2024. بل يعتبر بانون، عبر أحاديثه وتعليقاته على منصة "غرفة الحرب"، أن ترامب "في هذه المرحلة من التاريخ، هو الشخص الوحيد الذي يتمتع بالمؤهلات المناسبة لقيادة الأمة".
ومن خلال منصته "الحربية"، والتي تزداد شعبيتها كلّما اقتربت انتخابات التجديد للكونغرس في الثامن من نوفمبر المقبل، يصّر كبير المستشارين السابق لترامب للشؤون الاستراتيجية، على رفض الانتقادات الموجهة إليه في أوروبا والولايات المتحدة، باعتبار منصته أداة بروباغندا وتضليل، وتتحول إلى ملاذ خطير لحركة اليمين المتطرف الغربية، حيث تتمتع نظريات المؤامرة والميول العنصرية عبر المنصة بحرية نسبية في البث.
وفي هذا الإطار، لا يتردد بانون وفريقه في "غرفة الحرب"، في اعتبار أنفسهم جزءاً أساسياً من الجهاز الذي يهدف إلى انتزاع السلطة من "الديمقراطيين الماركسيين الثقافيين". ويقول بانون "سنواصل إنكار شرعية جو بايدن بصوت عال، لأنه غير شرعي. دونالد ترامب هو الذي فاز في انتخابات 2020".
المراهنة على كسب الجمهور الأميركي، في ظلّ أزمة الطاقة وغلاء المعيشة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، تجعل بانون، الحاصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من "هارفارد"، واثقاً من "تحقيق نصر تاريخي على الديمقراطيين"، على الرغم من أن الفارق بين الحزبين طفيفٌ بحسب استطلاعات الرأي.
وبثقة شعبوية، يدعو متابعيه للتأكد من أن معسكر ترامب "سيأخذ مجلس النواب، ومن ثم مجلس الشيوخ، وهذا يعني أن بايدن سينتهي ليلة الانتخابات"، كما يكرّر لمستمعيه. ويشدد بانون، الذي كان خدم في البحرية الأميركية بين 1976 و1983، على "أننا سنسحق الحزب الديمقراطي كمؤسسة". ويضيف في ذلك: "قالت النخبة إنهم يريدون الديمقراطية. الآن ما سيحصلون عليه هو تحميلة".
وقف التدخل الأميركي إلى جانب أوكرانيا
اللعب على المشاعر، كسمة الشعبوية الغربية عموماً، يجعل بانون يحذر الجمهور من أن مواصلة تحكم الديمقراطيين بالسلطة، تعني مزيداً من إرهاق جيوب الأميركيين، مشدداً على أن وصول الجمهوريين إليها يعني إعادة النظر في دور أميركا في الحرب الأوكرانية، وأولها وقف إنفاقها مليارات الدولارات على حروب بعيدة.
وبالنسبة إلى المستشار السابق لترامب، فإن ما يجري في أوكرانيا "صراع حدودي في أوروبا، وعلى الأوروبيين حلّه بأنفسهم، ويجب أن تكون لدينا نظرة كاملة حول كيفية السماح بكل الأموال التي أرسلها بايدن إلى أوكرانيا. وقطع الأموال والأسلحة عن أوكرانيا يمثل أولوية قصوى بالنسبة إلينا".
ومكرّراً كلمة "لو" التي يجيد استخدامها الشعبويون، يؤكد بانون أن ترامب "وحده القادر على مواجهة الأزمة الاقتصادية والجيوسياسية، بل هو المؤهل لقيادة الأمة اليوم". فبالنسبة إليه، "لو كان ترامب هو الرئيس اليوم، لما فكّر (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بعمل عسكري (في أوكرانيا)، خوفاً مما سيُقدم عليه ترامب"، معتبراً أن "هذه الأوقات العصيبة تتطلب قائداً قوياً".
وفي سياق علاقته باليمين المتطرف الأوروبي، والتأليب على نخب دول القارة الحاكمة، يذهب بانون إلى أنه "لو استمع الأوروبيون لما قاله ترامب، لتجنبوا الكثير اليوم".
ويستعيد المستشار السابق لترامب ما قاله الأخير للأوروبيين في عام 2018 (خلال ولايته) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "لا تدعوا روسيا تسيطر على غازكم الطبيعي"، في معارضته لخط الغاز الروسي "نورد ستريم 2" (سيل الشمال 2).
بانون: لو كان ترامب رئيساً، لما فكّر بوتين بغزو أوكرانيا
ولأنهم لم ينصتوا لنصائح ترامب بحسب رأيه، يبشر بانون الأوروبيين بـ"شتاء طويل وقاس، حيث سيجوع الناس ويتجمدون برداً، وأزمات في سوق الأموال والوظائف وسرقة الأموال القليلة التي إدخرها الناس".
ويعد الرجل أنه بعد انتخابات التجديد النصفي، سيَنصب تركيز "وور روم" على الانتخابات الرئاسية في 2024. وبالنسبة إليه، فهناك مرشح واحد واضح، هو دونالد ترامب.
ستيف بانون... نشاط ملحوظ لدعم التطرف الأوروبي
انخرط ستيف بانون مبكراً في نشاط ملحوظ على الساحة الأوروبية للربط بين تياراتها الشعبوية واليمينية المتطرفة وتلك المماثلة الموجودة في الولايات المتحدة. فستيف بانون، مثل كثيرين في القارة العجوز، يؤمن أن التعاون بين الشعبوية على ضفتي الأطلسي ضروري لتعزيز فرص جذب الناخبين، وصولاً للحكم على الضفتين.
وكان بانون، وهو مؤسس مشارك ورئيس مجلس إدارة وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة "بريتبارت"، واجه في مناسبات عدة صدّاً أوروبياً بسبب تدخلاته. إلا أن ذلك لم يمنعه من النجاح في جذب الاهتمام بين عامي 2018 و2019 من خلال تقاربه مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ومرشحة الرئاسة الفرنسية عن اليمين المتطرف مارين لوبان، وتوسيع أنشطته نحو اليمين المتطرف الإسكندنافي والألماني والإسباني والإيطالي.
وقبل الانتخابات الإيطالية التي أجريت في سبتمبر/أيلول الماضي، خرج بانون على جمهوره عبر بودكاست "وور روم في روما"، مستضيفاً شريكه السابق البريطاني بنيامين هارنويل، الذي كان سعى معه إلى تأسيس ما يسمى "الأكاديمية السياسية للغرب المسيحي اليهودي، في دير ترسولتي بالقرب من روما، لتخريج طراز متطرف من الشباب السياسيين الشعبويين في الغرب.
وبشّر بانون في البودكاست، أن "إيطاليا ستكون في طليعة الموجة الشعبوية في أوروبا"، واعداً ببث مشابه في الانتخابات الأوروبية الأخرى.
وليست علاقة بانون بالحركة الفاشية الإيطالية سرّية، بل متجذرة، من خلال صديقته وحليفته زعيمة "إخوة إيطاليا"، جورجيا ميلوني، التي فازت في الانتخابات الأخيرة، وستشكل حكومة إيطالية ستكون شعبوية متطرفة. فبانون هو ضيف دائم على فعاليات حزب ميلوني، فيما تشارك هي بالتجمعات التي ينظمها بانون في الولايات المتحدة. ويعود لبانون اليوم، مع وصول ميلوني للسلطة، حلمه في تأسيس أكاديميته تلك في روما.
هكذا فإن فكرة ترابط التطرف على جانبي المحيط تعتبر محور اهتمام بانون، وهو ما أكده في بثّ يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول الحالي (يبث 6 أيام في الأسبوع) معتبراً أن الموجة الشعبوية والقومية في حالة تصاعد في أوروبا، وذلك يعود برأيه، بفائدة على الجناح الأميركي، والعكس بالعكس.
وبالفعل، فقد شهدت السنوات بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض (2016)، توسعاً في أنشطة اليمين الشعبوي الأوروبي وتصاعدت شعبيته، ما يرفع سقف طموحاته نحو سدة الحكم، كحالة روما وتأثير اليمين المتطرف السويدي في صناعة السياسات في استوكهولم.
واتهم بعض الأوروبيين بانون بالتدخل في انتخابات البرلمان الأوروبي في 2019، لمصلحة اليمين المتشدد. علماً أن موقع "بريتبارت" التابع للأخير، كان نشطاً للغاية خلال حملة "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) في 2016.
الغرب المسيحي حضارة العالم
ينطلق اهتمام بانون بأوروبا من فكرة أن "الغرب المسيحي في أوروبا هو الحضارة في العالم، حيث بذل قصارى جهده لتحرير الإنسان وخلق القيم والفن، وبالتالي يجب إنقاذ القارة، وإنقاذ الناس الموجودين فيها"، وهو ما يكرّره في إطلالاته المثيرة للجدل.
ولأجل "إنقاذ أوروبا"، بناء على نظرية المؤامرة واسعة الانتشار في معسكر التطرف عن "الاستبدال العظيم" وضرب ثقافة الغرب من قبل تيارات ثقافة اليسار والليبرالية، يندفع الرجل مع أقرانه الأوروبيين إلى كراهية كبيرة للمؤسسات فوق الوطنية، بل ويصف بانون منذ عام 2018 بروكسل (مقر مؤسسات الاتحاد الأوروبي) بأنها "مصّاص دماء لا بد من اختراقه بوتد".
ويعتبر الرجل، كحال بقية يمين أوروبا المتشدد، أن "العالم سيكون أفضل، من خلال العودة إلى نظام يكون فيه الناس في دولهم القومية، صانعي القرارات بشأن بلادهم". وللمفارقة، فإن ذات المراهنة على الحركات اليمينية المتشددة على وقع الأزمات، تزدهر في موسكو، ومنذ ما قبل تشكل أزمة الطاقة والمعيشة على وقع الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي.
يندفع بانون تجاه أوروبا من فكرة أن الغرب المسيحي حضارة العالم ويجب إنقاذه
ووفقاً لقراءة تبشيرية لهذا السياسي الأميركي المتطرف، فإن ترابط الغربيين في يمينيتهم المتطرفة، وأي تقدم لهذا المعسكر في أوروبا أو أميركا "سيجعل الناس تستيقظ أكثر على قيمة وجمال ثقافاتهم ومجتمعاتهم".
ويقول الرجل في هذا الإطار عبر بودكاسته، إن المراهنة على استعادة أوروبا لما كانت عليه في ثلاثينيات القرن الماضي وتأزم أحوالها "خصوصاً على المستوى الاقتصادي، ستدفع الناس لإعادة التفكير بأسباب ذلك، وسيطرحون أسئلة عمّا إذا كان للاتحاد الأوروبي قيمة، وهؤلاء سيصلون إلى استنتاج مفاده أنهم بحاجة إلى نظام مختلف، وأعتقد أننا سنرى كراهية خالصة لبروكسل"، بحسب توقعاته.
ويعتقد على نطاق واسع، أنه خلال الحملة الانتخابية لترامب في 2016 وعمل بانون لثمانية أشهر كمستشار له في 2017، كان الأخير العقل المدبر لقرارات منع دخول مواطني دول إسلامية إلى الولايات المتحدة، والانسحاب الأخيرة من اتفاقية باريس للمناخ.
وعلى الرغم من إقالة ترامب له من منصب كبير المستشارين الاستراتيجيين، فإن علاقة بانون والرئيس الأميركي السابق لم تنقطع. وتدور شكوك أيضاً في أن بانون لعب دوراً في رفض نتائج الانتخابات الرئاسية في 2020، من خلال علاقته مع محامي ترامب رودي جولياني.
ويؤكد كتاب "خطر" لمؤلفَيْه بوب وودوارد وروبرت كوستا على اعتبار أن بانون هو أحد مهندسي اقتحام الكونغرس من قبل أنصار ترامب في 6 يناير/كانون الثاني 2021، لمنع المصادقة على فوز بايدن بالرئاسة. ونتيجة ذلك، يواجه بانون ملاحقات قضائية واستدعاءات للإدلاء بشهادته حول عدد من القضايا، لكنه يرى تلك الملاحقات مجرد مؤامرة ومطاردة سياسية.