"عرين الأسود".. مجموعة أعادت إحياء النَّفَس المقاوم في نابلس

01 أكتوبر 2022
مجموعات "عرين الأسـود" في نابلس(ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

بدعوتها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإعلان القتال، رداً على جريمة استشهاد أربعة مقاومين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، في مخيم جنين شماليّ الضفة الغربية المحتلة، تكون مجموعات "عرين الأسـود" التي تتخذ من البلدة القديمة في مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية، مقراً لها، قد خطّت سطراً جديداً في نهجها المقاوم.

ورغم ولادتها الحديثة، إلا أن "عرين الأسود"، استطاعت أن تشق طريقها إلى عقول الفلسطينيين وقلوبهم بسرعة فائقة. أسودها شبان في مقتبل العمر، يرتدون زيّاً موحداً باللون الأسود، وتغطي فوهات بنادقهم قطع من القماش الأحمر لتؤكد أن لا رصاصة ستطلق هدراً. أما العرين، فهو البلدة القديمة في مدينة نابلس، في حين أن الهدف معروف ومحدد ومباشر، وهو الاحتلال الإسرائيلي، بقواته ومستوطنيه. 

الصورة
عرين الأسود
هدف عرين الأسود هو الاحتلال الإسرائيلي(ناصر اشتية/Getty)

حتى فترة قريبة جداً، لا تزيد على ستة أشهر، لم يكن اسم "عرين الأسود" معروفاً، لكن كان هناك حضور فاعل للمقاومين منذ العام الماضي، من خلال مجموعة من الشبان غير المؤطرين، الذين حملوا السلاح في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وقرروا التصدي له، خلال اقتحاماته المتتالية لمدينة نابلس.

وجاءت عملية الاغتيال التي طاولت ثلاثة مقاومين هم (محمد الدخيل وأشرف مبسلط وأدهم مبروكة) في الثامن من فبراير/شباط الماضي، ليكشف عن هذه الخلية ويخرجها للعلن، وتكون الحادثة رغم فظاعتها (إطلاق أكثر من 80 رصاصة على السيارة التي كان يستقلها الشهداء الثلاثة) قد شكلت النواة الفعلية لمجموعات "عرين الأسود"، وفتحت الباب لانضمام عشرات الشبان إليها.

ومع إعلان الاحتلال الإسرائيلي حينها نجاة أحد المستهدفين من الاغتيال، وهو إبراهيم النابلسي، بات الشاب ابن التاسعة عشرة، محط الأنظار والمستهدف الأول. وبالفعل، نجا مرات عدة من محاولات الاحتلال للوصول إليه، حتى محاصرته واغتياله برفقة أحد المقاومين، وهو إسلام صبوح في التاسع من أغسطس/آب المنصرم.

الصورة
إبراهيم النابلسي
الشهيد إبراهيم النابلسي(عطا كناري/فرانس برس)

أثار استشهاد النابلسي غضباً عارماً في صفوف الفلسطينيين، لكنه في المقابل، شكل عهداً جديداً لعرين الأسود، بانضمام المزيد من الشبان، وتوجيهها ضربات موجعة للاحتلال الإسرائيلي، من خلال توسيع رقعة عملياتها. 

وما بين الثامن من فبراير/شباط والتاسع من أغسطس/آب 2022، كان الاحتلال يوجه ضربات موجهة للمجموعة الناشئة، باستهداف الشهيدين محمد العزيزي، وعبد الرحمن صبح، يوم 24 يوليو/تموز الماضي، بعدما حاصرهما في منزل بالبلدة القديمة في نابلس، وقصفه بالصواريخ. 

تلك الضربات، رغم أنها كانت مؤلمة، إلا أنها زادت من شعبية العرين، خاصة من شريحة الشباب الذين كانوا أطفالاً أو ولدوا قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وعايشوا في صغرهم إعادة احتلال الدبابات الإسرائيلية مدن الضفة الغربية وعمليات الاغتيال والاعتقال، بالتزامن مع ضعف الأداء الرسمي للسلطة الفلسطينية، وعدم قدرتها على تحصيل أي من الحقوق الفلسطينية، ما زاد من قناعتهم بفكرة مقاومة الاحتلال والالتفاف حول المقاومين.

وترجح المعلومات أن ظهور الخلية العسكرية في نابلس كان أواسط العام الماضي، بالتزامن مع تشكيل "كتيبة جنين"، واغتيال الاحتلال لمؤسسها الشهيد جميل العموري في العاشر من يونيو/ حزيران 2021، وعرفت تلك المجموعة آنذاك بـ"كتيبة نابلس" أسوة بـ"كتيبة جنين".

ورغم محاولات البعض لاتباع المجموعة لتنظيمات سياسية فلسطينية، كانت "عرين الأسود" تؤكد مرة تلو المرة، سواء من خلال بياناتها أو وصايا شهدائها أنهم يقاتلون موحدين تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وأنهم "جميعاً على قلب رجل واحد".

هذا الأمر لم يكن مجرد كلام، فالمجموعة تضم شباناً محسوبين هم أو أقاربهم من الدرجة الأولى، على معظم القوى والفصائل، حتى تلك التي تحاربها السلطة الفلسطينية، مثل حركة "حماس". فأحد قادة العرين و"المطارد الأخطر" والمطلوب الأول للاحتلال، هو مصعب اشتية المحسوب على كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، وكذلك تضم المجموعة المطارد للاحتلال محمد طبنجة، وهو أسير محرر ومحسوب على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لكن الجميع لا يعملون وفق تأكيداتهم إلا باسم "العرين".

لكن مصعب اعتُقِل قبل نحو أسبوعين، من الأجهزة الأمنية الفلسطينية في نابلس ونقل إلى سجن أريحا، ما أثار موجهة غضب عارمة، تطورت إلى اشتباكات مسلحة مع تلك الأجهزة، نتج منها مقتل شخص وإصابة العشرات. 

وذكرت المجموعة في إحد بياناتها "تأكيدها السير قدماً على نهج المقاومة، وعدم ترك البندقية تحت أي ظرف وتوجيهها نحو الاحتلال ومستوطنيه ومن يساندهم من العملاء فقط، وأن هذه البندقية لن تطلق رصاصة بالهواء، وغير ذلك يعد خروجاً عن الصف ولا يمثلهم كعرين، كما أنهم يرفعون الغطاء ويدينون كل من يستخدم اسمهم لمطالبة التجار بالمال بحجة دعم المقاومة".

ويحسب للعرين أنهم بعيدون كذلك عن أي تصرفات فردية، ولا يظهرون للإعلام، إلا منضبطين وموحدي الشكل والهيئة الخارجية، ويتعمدون تغطية فوهات بنادقهم بقطع من القماش للتأكيد أن لا رصاصة ستطلق هدراً، وفي الهواء، ورسالتهم "أننا مجهولون وأن عملنا هو الشاهد علينا وأن اللثام لا نميطه إلا عند الاستشهاد".

توسيع "العرين" لضرباته، بات ملاحظاً بكثرة في الآونة الأخيرة، فبدلاً من انتظار اقتحام جيش الاحتلال للبلدة القديمة من نابلس، أو دخول حافلات المستوطنين لـ"قبر يوسف" لأداء طقوس تلمودية، والاشتباك معهم، بادر "العرين" باستهداف الاحتلال في مواقعه العسكرية عند الحواجز ونقاط التماس المحيطة بمدينة نابلس، وكذلك المستوطنات المقامة في محيطها.