"زواج المال والسياسة" يشعل الصراع السياسي قبل الانتخابات المغربية

19 فبراير 2021
يزداد الصراع مع اقتراب موعد الانتخابات (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

طفا على سطح المشهد السياسي في المغرب صراع حاد بين حزبي "التجمع الوطني للأحرار"، الطامح لقيادة الحكومة المقبلة، وحزب "الاستقلال"، القوة الثالثة في البلاد، ووقود هذا الصراع "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" (الذي يمثل مصالح رجال الأعمال في المملكة) ومسألة "زواج المال والسياسة".

وعلى نحو مفاجئ، بدا أنّ الصراع السياسي بين الحزبين ينتقل من تحت الرماد، إلى الاشتعال مجدداً قبل أشهر من الانتخابات المنتظر إجراؤها صيف العام الحالي، بعد أن شنّت اللجنة التنفيذية لحزب "الاستقلال" هجوماً غير مسبوق على "الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، محذّرة من "مغبة الزجّ به في خوض حروب سياسية بالوكالة، لصالح حزب معين، وتفصيل قوانينه لخدمة أغراض سياسية وانتخابية".

الراشدي: ينبغي تحصين العمل السياسي من ضغوط أصحاب النفوذ المالي والاقتصادي

وبدأ الأمر حينما قرر "الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، المعروف اختصاراً بـ"الباطرونا"، الأسبوع الماضي، بتعديل مادة في قانونه الأساسي في اتجاه منع المنتمين إلى الهيئات التقريرية في الأحزاب السياسية من الترشح لمنصب رئيس الاتحاد العام ونائبه ورؤساء الاتحادات الجهوية والفيدراليات المنضوية تحت لوائه. كان الأمر سينتهي هنا لولا أنه بعث، من جديد، بنقاش قديم حول الحفاظ على الحياد الذي اتسم به تمثيل رجال الأعمال تجاه الحياة السياسية والصراعات الحزبية، وكذلك حول تحالف المال والسياسة، بعد أن اعتبر حزب "الاستقلال" أن ما أقره الاتحاد "خطير ويحرم أعضاءه الراغبين في الترشح، من حقهم الدستوري في الانتماء السياسي الذي يكفله الدستور وجميع المواثيق الدولية تحت ذريعة الحياد، وهو ما يعتبر خرقاً لمبادئ الدستور وعملاً تمييزياً مخالفاً للقوانين". وأكد الحزب بعد اجتماع للجنته التنفيذية هذا الأسبوع، أنه "سيتصدى لذلك انطلاقاً من حرصه على الحياد التي تميّزت به هذه المنظمة المهنية قبل أن يتم اختراقها من الحزب المعلوم، وإقحامها في حسابات سياسية"، منبهاً إلى "خطورة تحالف المال والسياسة في البرلمان من أجل ممارسة الضغط لتمرير تعديلات على القوانين، لخدمة المصالح الخاصة لبعض الشركات بعينها، وتعزيز هيمنتها واحتكارها للسوق، وهو ما يتنافى مع مبادئ الدستور الذي ينص على المساواة والمنافسة الحرة والشريفة".

وبحسب عضو اللجنة التنفيذية لحزب "الاستقلال"، عبد الجبار الراشدي، فإنها "ليست المرة الأولى التي ينبه فيها الحزب إلى خطورة زواج المال والسياسة، فقد سبق أن أثار الموضوع في مناسبات عدة، كان آخرها بيان المجلس الوطني قبل أكثر من 3 أشهر، حين قال إنّ المال يفسد نبل السياسة، وإنه سيقضي على ما تبقى من رصيد الثقة في السياسة"، وأكد "ضرورة تخليق الحياة السياسية ووضع حد لاستعمال المال في الانتخابات من طرف البعض لإفساد نزاهة الانتخابات". وأضاف الراشدي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نبهنا إلى خطورة أن يكون السياسي في خدمة المصالح المالية والاقتصادية، أو أن يمارس الضغط من أجل استصدار بعض الآليات التشريعية لأغراض اقتصادية معينة. وفي هذا السياق، الجميع يتذكر لجوء بعض مكونات مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) إلى محاولة تمرير تعديل على مشروع قانون المالية من أجل خدمة مصالح شركات بعينها"، معتبراً أنّ "هذا يضرّ بالديمقراطية وبنبل السياسة التي ينبغي أن تكون في خدمة الصالح العام. لذلك ينبغي تحصين العمل السياسي وفي المؤسسات من ضغوط أصحاب النفوذ المالي والاقتصادي".

وفيما يبدو أن مهاجمة نقابة رجال الأعمال المغاربة، مرده شعور "الاستقلاليين" بأنها تخدم أجندة حزب "الأحرار"، وزعيمه وزير الزراعة، رجل الأعمال عزيز أخنوش، على الرغم من تأكيد النقابة حيادها، فإنّ الصراع بين الطرفين بدأ يحتدم منذ أن أقدم عضوان من فريق الاتحاد في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي) على الترحال نحو الفريق الاستقلالي، إذ رأت فيه نقابة رجال الأعمال خطراً يتهددها بفقدان فريقها في المجلس.

القيادة الجديدة للاتحاد تراهن على بقائه بعيداً عن التجاذبات السياسية

وزادت حدة الصراع بعد خروج عضو اللجنة التنفيذية لحزب "الاستقلال"، وأحد الأسماء النافذة فيه، حمدي ولد الرشيد، لانتقاد انتماء الرئيس الجهوي للاتحاد العام لمقاولات المغرب في الأقاليم (المحافظات) الجنوبية، محمد الأمين حرمة الله، لحزب "التجمع الوطني للأحرار"، وتلويحه بالمتابعة القانونية في حق قيادة الاتحاد العام. وفي مؤشر يكشف بعض خبايا الصراع الدائر بين "التجمع الوطني للأحرار" و"الاستقلال"، والذي امتد إلى داخل "الاتحاد العام لمقاولات المغرب"، كان لافتاً الخروج الإعلامي لحرمة الله، الثلاثاء الماضي، للرد على الانتقادات التي طاولته، معتبراً أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب "لن يكون قنطرة يرضي من خلالها ولد الرشيد الأتباع وأبناء وبنات العائلة، الذين قطع لهم وعوداً بالولوج لمجلس المستشارين"، وأن "تدخله باعتباره عضواً في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال بالقانون الداخلي للاتحاد العام، هو تطاول وانتهاك دستوري صارخ... وخطوة بائسة تتجاوز حدود اللباقة والأخلاق في الأدبيات والأعراف السياسية".

وقال مصدر من الاتحاد العام، لـ"العربي الجديد"، إن "القيادة الجديدة للاتحاد تراهن على بقائه بعيداً عن التجاذبات السياسية، وأخذ مسافة واحدة من جميع الأحزاب والاتحادات العمالية، وأن مهمته الأولى والأخيرة هي الدفاع عن المقاولة (الشركة)". ولفت إلى أن "التعديل الذي تم إقراره بمنع تولي رجال الأعمال مسؤوليات في الباطرونا إذا كانت لهم مسؤوليات وطنية أو جهوية في أحزاب سياسية، لم يحمل أي تغيير، بل جاء فقط لينسجم مع أحكام المادة الرابعة من القانون الأساسي، والتي تؤكد استقلالية وحيادية الاتحاد تجاه الأحزاب السياسية".

وأوضح المصدر نفسه أنّ "الغاية من التعديل هي تجاوز وضعية فراغ عاشها الاتحاد في فترة معينة، ووقع فيها التباس خلق شبهة وقوع تداخل أو تضارب في المصالح مع أطراف سياسية، كما أنه إجراء يقطع الطريق على ترحال السياسي من فريق إلى آخر، وينسجم مع مطلب تعديل قوانين الانتخابات بالتنصيص على منع ترحال أعضاء مجلس المستشارين الممثلين للباطرونا إلى الأحزاب السياسية. وهو المطلب الذي ينسجم مع ما أقره المجلس الوزاري المنعقد الخميس، برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس، من خلال التنصيص على "الحفاظ للمنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية، على فريق برلماني خاص بها داخل المجلس، وذلك بهدف تمكينها من التعبير عن انشغالات ومطالب الفاعلين الاقتصاديين والمقاولات الوطنية، الكبرى والمتوسطة والصغرى".

في الظاهر، سبب الصراع على جبهة "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" بين الحزبين الغريمين، يكاد ينحصر في الحفاظ على حياد الهيئة تجاه الحياة السياسية والصراعات الحزبية، لكن في العمق، فإنه يخفي أسباباً انتخابية أولاً وأخيراً.

اقتراب موعد الانتخابات المنتظرة خلال أشهر، يجعل التنافس يشتد بين الأحزاب الكبرى

وبرأي الباحث في العلوم السياسية، محمد شقير، فإنّ "اقتراب موعد الانتخابات المنتظرة خلال أشهر، يجعل التنافس يشتد بين الأحزاب الكبرى، خصوصاً بين حزب الاستقلال الطامح لتحقيق تقدم انتخابي ملحوظ باعتباره القوة الثالثة بعد حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يمني نفسه بترؤس الحكومة المقبلة".

وأوضح شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ هناك تخوفاً في "الاستقلال" من أن يتقوى "الأحرار" بدعم من "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" في أي تموقع سياسي وانتخابي مقبل، وهو ما يفسر حدة اللهجة السياسية التي عبّر بها أحد قياديي الحزب عن ذلك، ووصلت إلى حد التهديد بمقاطعة الانتخابات المقبلة في حال تقديم أي دعم لـ"الأحرار" أو توظيف القوة المالية لـ"الباطرونا" في دعم حزب يترأسه أخنوش.

ورأى المحلل المغربي أن خروج قيادة "الاستقلال" لمهاجمة "الاتحاد العام لمقاولات المغرب" والتحذير من مغبة الزج به في خوض حروب سياسية بالوكالة لفائدة حزب معين، وتفصيل قوانينه لخدمة أغراض سياسية وانتخابية، "هي خطوة استباقية لأي تحرك من غريمه للاستقواء بالاتحاد، وفي الوقت نفسه، إظهار مساندته لرجله القوي في الصحراء، حمدي ولد الرشيد، في المحطة الانتخابية المقبلة".

المساهمون