عبر منصّاتٍ عدة دشّنها على تطبيق "تلغرام"، وجهته المفضّلة خلال الأشهر الأخيرة بعد حملة إيقاف واسعة لحساباته وحسابات أنصاره على "تويتر"، أطلق تنظيم "داعش" أخيراً سلسلة من التهديدات لعشائر غربي وشمالي العراق، التي وصفها بـ"المرتدة"، لوقوفها إلى جانب القوات العراقية في تحرير المدن وطرده منها، متوعداً إياها بـ"القصاص". وعلى الرغم من أن فتاوى التكفير التي يؤسس عليها التنظيم لتنفيذ هجماته، ليست بجديدة، إلا أن مصادر أمنية وأخرى عشائرية في محافظة الأنبار وبادية الموصل ضمن محافظة نينوى الحدودية مع سورية، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن التهديدات الأخيرة اتسمت بالشمولية في مناطق تضم عشائر عدة، وتزيد خطورتها مع عدم توفر السلاح كما في السابق، لدى أغلب هذه العشائر للدفاع عن نفسها. وكان سبق لـ"داعش" إطلاق فتاوى قتل جماعية بحق عددٍ من العشائر في العراق وسورية خلال فترة احتلاله لأجزاء واسعة من هذين البلدين، كما حصل مع عشيرتي البونمر العراقية والشعيطات السورية في 2014 و2015، واللتان قضى منهما مئات الأشخاص على يد التنظيم، بفعل فتاوى تكفيرهم بوصفهم "محاربين للشريعة".
لا يغطي تواجد الحشد العشائري كلّ المناطق، فيما حملات جمع السلاح من أبناء العشائر مستمرة
وحقّقت القوات العراقية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية نجاحات واضحة على مستوى تتبّع قيادات التنظيم وتفكيك خلاياه المسلحة في مناطق عدة غربي وشمالي البلاد، بدعم من "التحالف الدولي"، إلا أن تسجيل الهجمات لا يزال مستمراً في عدد من مناطق البلاد، وسط تأكيد الحكومة مواصلة حربها الاستخبارية على فلول التنظيم.
وقال العقيد محمد الجبوري من قيادة عمليات نينوى في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن عشائر عدة طالبت قوات الجيش بتوفير حماية إضافية لمناطق تواجدها في قضاء البعاج ومدينتي الحضر وربيعة (في محافظة نينوى) من هجمات التنظيم. كما طالبت بالسماح لها بالدفاع عن نفسها من هجمات ليلية ينفذها مسلحون من "داعش"، وأسفرت في الفترة الأخيرة عن سقوط ضحايا، وذلك من خلال منحهم الموافقة على تسليح أنفسهم. وأوضح الجبوري أن قسماً من شيوخ العشائر ورجالاتها، تلقوا تهديدات على هواتفهم أو من خلال بيانات نشرها التنظيم تهددهم بالقتل، وهو أمر طاول مختارين ووجهاء عشائر، ووصل إلى كل من يشارك بالاجتماعات التنسيقية والفعاليات التي تنظمها قوات الأمن العراقية مع العشائر في تلك المناطق القروية والريفية النائية. كما شملت التهديدات ناشطين نظموا في السادس من شهر يناير/كانون الثاني الماضي احتفالاً بمناسبة مئوية تأسيس الجيش العراقي. واعتبر العقيد من قيادة عمليات نينوى، أن هذه التهديدات فرضت تحديات جديدة على تلك المناطق لتأمينها، ولم تعد مقتصرة على مراكز المدن الرئيسية فقط، ما دفع القوات الأمنية إلى أخذ ذلك بعين الاعتبار، ووضع خطط أسهمت في ضرب عدد من خلايا التنظيم وقتل الكثير مهم، خصوصاً في مناطق حمرين وجبال قره جوغ والحضر وجنوب غرب كركوك، التي يتوقع أنهم ينطلقون منها.
ووصف الشيخ جاسم العودة، من بلدة البعاج قرب الحدود مع سورية، غربي الموصل، الوضع، بأنه بمثابة تكفير جماعي. وقال "كفّرونا جميعاً صغاراً وكباراً"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التكفير غير مستغرب كونهم كفروا جماعات مسلحة قريبة منهم، مثل جبهة النصرة والقاعدة وطالبان وغيرهم، لكن التهديدات جديدة"، مطالباً الحكومة "إما بضمان أمننا وقرانا، أو السماح لكل شخص بأن يقتني بندقية أو مسدسا للدفاع عن نفسه". وأكد الشيخ العودة أن التنظيم استباح حتى أموالهم، واعتبرها غنائم، وأحرق قسماً من محاصيلهم الزراعية انتقاماً منهم خلال الفترة الأخيرة عبر هجمات ليلية، لا تكشف وسائل الإعلام عنها لبعد هذه المناطق عن مراكز المدن.
واعتبر العودة أن قرار تسليح العشائر "سياسي أكثر منه أمنيا على ما يبدو"، مضيفاً أن أبناء العشائر لا يملكون السلاح منذ نزوحهم بفعل المعارك واحتلال "داعش"، وبعد عودتهم إلى ديارهم أيضاً، حيث يشمل منع التسليح "حتى بعض أنواع بنادق الصيد". وتحدث الشيخ العشائري عن "حملات تفتيش دورية عن السلاح في مناطقنا المحررة"، لافتاً إلى أن "تواجد الحشد العشائري لا يغطي كلّ المناطق، وهو يكاد يكون مقتصراً على بعض العشائر، مثل فصيل ضياغم شمر وحشد الجبور وحشد العبيد وغيرها". وتحدث عن هجمات تستهدف مناطقهم من قبل مسلحي "داعش"، وعادة ما تكون بطابع انتقامي، إذ يتم أيضاً قتل مواش وحرق معدات زراعية بعد انتهاء الهجوم، فيما القوات الأمنية تصل متأخرة بعد انسحاب المهاجمين، وفق قوله.
من جهته، قال معاون قائد "حشد الأنبار العشائري"، طارق العسل، إن "تنظيم "داعش" أطلق سلسلة فتاوى تكفير لم تستثن أحداً إلا نفسه، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تهديدات "داعش" الجديدة للعشائر "جزء من حملته التي يحاول فيها استعادة تأثيره في الساحة العراقية". وذكّر العسل بأن "الحدود العراقية السورية غير منضبطة، ومسلسل تسلل الإرهابيين سيستمر، حتى وإن وضعت الحكومة العراقية في كل متر من أرض الحدود دبّابة، بسبب غياب التنسيق بين العراق وسورية بهذا الشأن"، متهماً الحكومة في بغداد بأنها "تكذب على العراقيين حين تقول إنها مسيطرة على الوضع".
لم يكتف داعش بتنفيذ هجماته، بل استباح أموال العشائر وقتل مواشيهم وحرق محاصيلهم الزراعية
وبالتزامن مع هجمات التنظيم، شهدت المنطقة الخضراء وسط بغداد اجتماعاً منتصف الشهر الماضي، هو الأول من نوعه منذ سنوات، بين الرئيس العراقي برهم صالح، وعدد من قادة "الصحوات العشائرية" التي أشرف على تشكيلها عام 2006 الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس لمواجهة تنظيم "القاعدة" آنذاك، إلا أن تلك التشكيلات التي أثبتت كفاءتها في مواجهة التنظيم والحدّ من قدراته تمّ تفكيكها بعد الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011 من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وبشكل تدريجي. ونقل بيان للرئاسة العراقية عن صالح قوله إن الاجتماع "بحث في المشاكل والمعوقات التي تواجه الصحوات، وما يتطلبونه من الدعم والمساندة، وضرورة تأمين حقوقهم الكاملة".
لكن مصدراً في مجلس عشائر الأنبار، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع كان لشرح تطورات الأوضاع والوقوف على التحديات الأمنية، إذ إن رئيس الجمهورية لا يملك صلاحيات تنفيذية، ووعد بإيصال مطالب قادة الصحوات العشائرية في ما يتعلق بالجانب الأمني إلى الحكومة"، كاشفاً عن أن "ممثلي الصحوات طالبوا بإعادة الاعتبار لهم، من أجل تأمين مناطقهم التي هم أدرى بها من غيرهم على أقل تقدير".
وتعليقاً على هذه التحديات، رأى الخبير في الشأن الأمني العراقي، العقيد المتقاعد سعد الحديثي، أن الفتاوى الأخيرة التي أطلقها "داعش" جزءٌ من حالة الاستنفار الإعلامي الجديدة للتنظيم التي أطلقها منذ مدة، وهي لم تقتصر على العشائر فقط، بل شملت حتى بعض المهن مثل مختاري المناطق والقرى، والعاملين في مجال الاستعدادات للانتخابات (مفوضية الانتخابات)، وحتى موظفي المنظمات الإنسانية الأجنبية التي تنشط في المناطق المنكوبة. وبرأيه، فإن هذه التهديدات "عادة ما تنطلق من حسابات رديفة أو مساندة للتنظيم، وليس من خلال وكالة "أعماق"، أو منشورات ما تعرف بصحيفة البينة الناطقة باسمه". ولفت الحديثي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مسألة توسيع فتاوى التكفير تهدف للتخويف وإثارة حالة عدم استقرار في تلك المناطق لا أكثر، كون عمليات داعش لا تستثني أحداً متى ما تمّكن من تنفيذها، وأفضل دليل على ذلك التفجيران الانتحاريان وسط باعة ملابس مستعملة معدمين في بغداد" في 21 من الشهر الماضي.