كثّف تنظيم "داعش" من هجماته في الآونة الأخيرة على مواقع قوات النظام في البادية السورية، موقعاً المزيد من القتلى في صفوفها، في تصعيد يرى مراقبون أنه يأتي انعكاساً للقوة المتزايدة التي بات يشعر بها التنظيم، على الرغم من الضربات العديدة التي يتلقاها من أطراف مختلفة، وهو ما ألقى بظلال من الشك حول جدوى هذه الضربات، وجديتها، ومدى رغبة بعض الأطراف في مواصلة الاستثمار بـ"ورقة داعش" لأهداف سياسية تتصل بالمنافسة على الأرض بين هذه الأطراف.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن حصيلة الخسائر البشرية، على خلفية الهجوم الذي شنه التنظيم، أول من أمس الخميس، على منطقة سد أبو فياض شرقي السلمية بريف حماة الشرقي، ارتفعت إلى 21 قتيلاً بين قوات النظام والمليشيات الموالية لها، ممن قضوا في العملية المباغتة للتنظيم على المنطقة، فيما عدد القتلى مرشح للارتفاع بسبب وجود جرحى بعضهم في حالات خطرة.
عمدت قوات النظام والمليشيات الإيرانية إلى تحصين مواقعها ضمن البادية
وذكرت صفحات محلية من ريف حمص أن الهجوم استهدف ثلاث نقاط عسكرية لـ"الدفاع الوطني"، وهي قوات رديفة للنظام، شمال مدينة السخنة شرق حمص. وقالت صحيفة "الوطن" الموالية إن وحدات النظام و"القوات الرديفة" العاملة في ريف سلمية الشرقي، تصدت لهجمات مباغتة للتنظيم، وخاضت معها اشتباكات ضارية استمرت عدة ساعات. وأضافت أن "الاشتباكات أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من الإرهابيين وتدمير عتادهم الحربي". من جهته، أعلن "داعش" عن تنفيذ ثلاث عمليات، استهدفت ثكنات تتمركز فيها قوات النظام شمال بلدة السخنة، أدت إلى مقتل أكثر من 10 عناصر من النظام.
وبحسب المرصد السوري، فقد بلغت حصيلة الخسائر البشرية خلال الفترة الممتدة من 24 مارس/ آذار من العام الماضي حتى الآن 951 قتيلاً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، من بينهم اثنان من الروس على الأقل، إضافة إلى 140 من المليشيات الموالية لإيران، من جنسيات غير سورية. وقد قتلوا جميعاً خلال هجمات وتفجيرات وكمائن للتنظيم في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كذلك قتل 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز و11 من الرعاة، مقابل مقتل أكثر من 500 من عناصر التنظيم خلال هذه الفترة نتيجة الهجمات والقصف والاشتباكات.
وينشط التنظيم في بادية حمص وحماة والرقة ودير الزور ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والمليشيات الإيرانية. ويشن عناصره هجمات سريعة ويعودون للاختفاء في البادية. وكان "داعش" قد أطلق معركة جديدة في تلك المناطق، وذلك بعد كلمة ألقاها المتحدث الرسمي باسمه أبو حمزة القرشي في 18 الشهر الحالي، دعا خلالها مقاتلي التنظيم إلى تكثيف هجماتهم في جميع المناطق التي يوجدون بها.
ولا تقتصر تحركات "داعش" على استهداف قوات النظام في شرقي حماة، بل تشمل أيضاً استهداف المليشيات الكردية في مناطق شرق الفرات. وأقدم عناصر التنظيم، قبل يومين، على قطع رأس رجل أمام الناس وهم يرددون التكبيرات في قرية الطجيكي في ريف دير الزور، ضمن المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، فيما أصيب عناصر من "قسد" جراء انفجار عبوة ناسفة استهدف حافلة تقلهم في مدينة هجين بريف دير الزور الشرقي.
وفي السياق، حذّر مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في "الإدارة الذاتية" لشمال سورية وشرقها التابعة إلى "قسد"، عبد الكريم عمر، من عودة "داعش" إلى استغلال الثغرات الاقتصادية والوضع المعيشي للمنطقة لمعاودة نشاطه. واعتبر أن المشكلة الأخرى هي وجود عائلات التنظيم في مخيم الهول شرق الحسكة، والتي تتطلب جهداً دولياً مثلما جرى في الجانب العسكري، وانتهى بالقضاء على التنظيم عسكرياً، وفق قوله. وفي محاولة منه لتركيز المشكلة داخل المخيم، حيث تسعى "قسد" لإقناع الدول المعنية بسحب مواطنيها منه، أعرب عمر عن قلقه من حالة عائلات التنظيم في المخيم، واصفاً الوضع "بالمشكلة العالمية على أراضي شمال شرقي سورية، مع استمرار خطر داعش، الذي أعاد ترتيب صفوفه داخل المخيم، الذي تحول إلى أخطر بقعة في العالم". وأضاف أنه يوجد في المخيم "نظام الحسبة، ومحاكمات وإعدامات ميدانية من قبل نساء وأفراد يتبعون التنظيم". ودعا الدول التي لها رعايا من التنظيم إلى "تحمّل مسؤولياتها تجاه تلك العائلات والأطفال، الذين باتوا يتشربون الفكر المتطرف في المخيم"، وبات وجودهم في هذه المنطقة أخطر من عودتهم إلى مجتمعاتهم التي ترفض استقبالهم، وفق قوله. واشتكى من تقصير المجتمع الدولي في "تقديم الدعم الاقتصادي والخدمي، وعدم وصول المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى مناطق شمال سورية وشرقها، عقب قرار إغلاق معبر تل كوجر الحدودي، إضافة إلى عدم وصول المساعدات الأممية إلى الإدارة الذاتية، والتي تصل عبر دمشق، ولا بد من وجود بديل لمساعدة المنطقة".
وتشير المعطيات إلى أن عناصر التنظيم الذين ينتشرون في البادية السورية، وفي مناطق متفرقة من شرق الفرات على شكل خلايا منفردة، لم يعودوا قادرين على شن هجمات كبيرة ضد "قسد" أو قوات النظام، لكنهم يشنّون هجمات مباغتة، أو يقومون بزرع ألغام بحرفية، وتنفيذ اغتيالات تستهدف المسؤولين المحليين أو ضباطاً وعناصر من قوات النظام، ممن يقومون بعمليات تمشيط في البادية.
حذّرت "الإدارة الذاتية" من استغلال "داعش" الثغرات الاقتصادية والوضع المعيشي لمعاودة نشاطه
وكان شهر مايو/ أيار الماضي قد شهد عشرات العمليات لـ"داعش"، لم تقتصر على البادية السورية التي تشكل نقطة ارتكاز لنشاطه، بل شملت مناطق حضرية، عبر خلايا نائمة تتبع له، أو من خلال هجمات خاطفة يقوم بها عناصر التنظيم انطلاقاً من مناطق البادية القريبة من التجمعات السكنية، قبل أن ينسحبوا سريعاً باتجاه البادية. كذلك شملت هجمات التنظيم خلال الفترات الماضية المنشآت النفطية والغازية التابعة للنظام، واستهدفت إحداها محطة العطالة النفطية شمال شرق مدينة دير الزور، ما أدى إلى توقفات متكررة في تلك المنشآت، وخروجها عن الخدمة لبعض الوقت. كذلك أدّت الهجمات في بعض الأحيان إلى قطع طريق حمص ــ دير الزور، وتمركز عناصر من "داعش" على الطريق الدولي قرب منطقة كباجب جنوبي دير الزور لبعض الوقت.
وفي محاولة لمواجهة هذه الهجمات، عمدت قوات النظام والمليشيات الإيرانية إلى تحصين مواقعها ضمن البادية السورية، مع وصول تعزيزات عسكرية ولوجستية بشكل دوري إلى المنطقة. وتركزت عمليات التحصين على طول البادية، الممتدة من البوكمال قرب الحدود العراقية-السورية حتى جنوب مدينة دير الزور، ولا سيما في المحطة الثانية، ومعيزيلة وحقل الورد والمزارع ببادية الميادين، وعين علي في بادية محكان، والمجابل ببادية القورية وقاعدة الإمام علي والمحطة الثالثة، ومواقع أخرى في بادية الوعر.
وقال الصحافي عبد الله التدمري المتابع لشؤون تلك المناطق، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المنطقة الواقعة حول جبل البشري جنوب دير الزور، تعتبر أحد الجيوب التي ينشط فيها التنظيم، على الرغم من أنها تقع نظرياً تحت سيطرة قوات النظام، لكن "داعش" شن انطلاقاً منها عدداً كبيراً من الهجمات في الآونة الأخيرة. وأشار إلى أن منطقة ريف دير الزور الشرقي تشهد نوعاً من التخلخل الأمني والعسكري، بعد انسحاب بعض الميلشيات الإيرانية من المنطقة، وحلول ميلشيات موالية لروسيا مكانها، في البلدات والقرى الممتدة من مدينة دير الزور إلى مدينة البوكمال، وهو ما استغله التنظيم لتكثيف عملياته.