"داعش" بعد القرشي: انكفاء مؤقت واستراتيجية جديدة

05 فبراير 2022
قتل القرشي بعملية أميركية استهدفت منزلاً كان يسكنه في ريف إدلب (الأناضول)
+ الخط -

يطرح الإعلان الأميركي عن تصفية زعيم تنظيم "داعش" عبد الله قرداش، المعروف بـ"أبو إبراهيم الهاشمي القرشي"، أول من أمس الخميس، بغارة أميركية استهدفت منزلاً كان يقطن فيه في منطقة أطمة بريف إدلب في شمال غربي سورية، أكثر من تساؤل عن مصير التنظيم وتأثير هذا التطور على نشاطه، خصوصاً بعدما كان "داعش" يعود بقوة إلى الساحة عبر عمليات إرهابية كبيرة ينفذها، أكان في سورية أو العراق أو غيرهما من المناطق.

ويستبعد معظم الخبراء، أن يشكل مقتل زعيم "داعش" ضربة قاصمة للتنظيم، إذ من المعروف أن التنظيمات المتطرفة، كـ"القاعدة"، تنجح في الاستمرار في كل مرة يتم فيها تصفية زعيمها، خصوصاً أنها تعتمد على القواعد وتستطيع فرز قيادات جديدة.

تصفية القرشي تربك "داعش"

لكن هذا الحدث من المتوقع أن يُربك "داعش"، ولو مؤقتاً، وأن يؤدي إلى تراجع الاستراتيجية التي بدا أن القرشي يسعى إلى تكريسها عبر شنّ حرب عصابات، كما يحصل في العراق وسورية تحديداً.

كذلك فإن التنظيم سيكون عليه تغيير مواقع وجود قياداته، وتبديل طرق التواصل، لأنها كما يبدو، باتت مخترقة من جانب التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، والتي هدّدت باستمرار ملاحقة "الإرهابيين وإيجادهم".

عمل القرشي على الجانب التنظيمي والتنسيق بين الفروع

ومن المتوقع أن يتأخر التنظيم في الاعتراف بمقتل زعيمه، ريثما تتم المشاورات لاختيار زعيم جديد، وإعادة ترتيب بيته الداخلي، على غرار ما حصل بعد تصفية "أمير دولة العراق الإسلامية" أبو عمر البغدادي في عام 2010، ومن ثم زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي في 2019.

ومنذ أن تسلّم زعامة التنظيم خلفاً للبغدادي، أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2019، اعتمد القرشي استراتيجية شنّ حرب العصابات ضد القوات العراقية و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) والنظام السوري في البادية السورية، بينما واجه فصائل "الجيش الوطني" السوري المعارض شمالي سورية داخل المدن والقرى من خلال زرع العبوات الناسفة والسيارات المفخخة.

القرشي وإعادة هيكلة "داعش"

وحاول القرشي إعادة هيكلة التنظيم وكسب الغنائم من خلال سياسة اللامركزية، من دون إغفال سياسة القرار المركزي، أي ربط الفروع والخلايا بشكل أقوى بالقرار المركزي، على النحو الذي تجلّى في الهجوم على سجن غويران في مدينة الحسكة السورية أخيراً، وهي عملية تحتاج إلى قرار مركزي، وتنسيق بين الخلايا المختلفة.

وعن تداعيات تصفية القرشي على "داعش"، رأى الباحث المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه سيكون لغياب القرشي بعض الأثر في نشاط التنظيم، لكن الأخير قادر على تجاوز تصفية زعيمه، واستئناف نشاطه مجدداً.

وأضاف شريفة أن تصفية القرشي تشكل خسارة كبيرة لـ"داعش"، لافتاً إلى أن الأخير كان يحاول بثّ الحياة ويعمل على الجانب التنظيمي لجهة التنسيق بين الفروع، بعدما ظلّ التنظيم يعمل بطريقة لا مركزية خلال الفترات الماضية. وتوقع الباحث أن يمر "داعش" بحالة من الانكفاء، قبل أن يعاود نشاطه مجدداً.

وشرح شريفة أن "هذه التنظيمات لا تتأثر جذرياً بمقتل قادتها، وإن كان يمكن لهكذا أحداث أن تربكها لبعض الوقت، فهي تتغذى من القواعد وقادرة على ترميم نفسها، وفرز قيادات جديدة ضمن فترات محدودة".

وحول الأسماء المرّشحة لخلافة القرشي على رأس التنظيم، قال شريفة، إنه لا يمكن التكهن بأسماء واضحة للزعيم الجديد، لكن على الأغلب سيظلّ الفرع العراقي هو المتحكم بالتنظيم، وسيكون قائده الجديد من العراق أيضاً، كما في المرّات السابقة.

ولفت إلى أن القرشي كان مغيّباً عن الإعلام بشكلٍ نهائي، وفي عهده انخفضت الرسائل والإصدارات الإعلامية للتنظيم، على عكس البغدادي الذي كان أكثر حرصاً على توجيه رسائل إعلامية.

ولاحظ الباحث أن التنظيم لم يحاول خلال الفترة الماضية التمسك بالأرض بسبب القوة الجوية للتحالف الدولي وروسيا، لذلك اتّبع أسلوب الكرّ والفر عبر ما يسمى "جهاد النكاية (الإنهاك للأعداء)، وهدم الأسوار وإرباك العقلية الذهنية، وبناء التنظيم وإعادة الترميم والتجديد وإعادة الثقة"، لكن ذلك لا يعني أن هدفه بالسيطرة على الأرض مستبعد أو خارج حساباته تماماً، في حال تهيأت الظروف المناسبة لذلك.

وتحدث المسؤولون الأميركيون عن أن تصفية القرشي وجهت "ضربة قاسية لتنظيم داعش"، وفق إعلان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في تصريحات له أول من أمس الخميس. بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، إن القرشي كان يحاول إعادة "داعش" إلى سالف نشاطه، معتبراً أن مقتله يمثل ضربة قوية للتنظيم.

ستُفرض على التنظيم مهمة تبديل المواقع وطرق التواصل

واستبعد الباحث السوري رشيد حوراني، أن يكون لاغتيال القرشي أثر كبير على نشاط "داعش" في المرحلة المقبلة، متوقعاً أن يكون التنظيم قد جهّز نفسه لمثل هذا اليوم بعد مقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي.

وتوقع حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يتم في وقت قصير اختيار زعيم جديد للتنظيم الذي سيواصل جهود إحياء نشاطه، مشيراً إلى أن مصير "داعش" متعلق بالتطورات العامة في المنطقة، وهو يتّبع أسلوباً في الإدارة الداخلية والخارجية يمكّنه من "فرض وجوده في المنطقة والتسليم بأنه طرف أساسي فاعل".

لكن الخبير السابق في الأمم المتحدة، والذي يدير حالياً مركز "سي إي بي"، هانز - جاكوب شيندلر، أكد أن مقتل القرشي "يشكّل بوضوح نكسة كبيرة" للتنظيم.

وأضاف في تصريح لوكالة "فرانس برس": "بالطبع سيتعيّن عليهم العثور على زعيم جديد، وطرح اسم اليوم سيكون مجرّد تكهّنات... لكن الخطأ سيكون الاعتقاد بأن كل شيء انتهى، أو بأن الأمور أفضل بعد هذه التصفية، مع الأخذ في الاعتبار العدد المنخفض للهجمات في أوروبا والولايات المتحدة" أخيراً.

في السياق نفسه، توقع الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون لمقتل القرشي أثر كبير على التنظيم من ناحيتين، الأولى هي قدرة التحالف الدولي على تتبع قادة التنظيم واستهدافهم، ما سيقوض بشكل كبير قدرة التنظيم على استعادة عافيته، والثانية هي إفشال التحالف لسياسة المركزية التي حاول التنظيم استعادتها كما حصل من خلال عملية اقتحام سجن غويران (سجن الصناعة في الحسكة)، والتي تحتاج إلى قرارات مركزية، وهذا ما يسعى "داعش" إلى تقويته.

واعتبر علوان أن اغتيال القرشي سوف يقوّض جهود التنظيم في هذا الإطار، ويفرض عليه مهاماً جديدة تتمثل في تغيير المواقع وتبديل طرق التواصل لأنها صارت مخترقة من جانب التحالف.

ولفت علوان إلى نقطة أخرى، تتعلق بمكان العثور على زعيم التنظيم، وهي محافظة إدلب في شمالي سورية التي ليست محل نشاط للتنظيم، بمقدار ما هي "ملاذ آمن لزعماء التنظيم"، معرباً عن اعتقاده بأنه ستكون هناك في المرحلة المقبلة مراقبة أمنية أكثر لأنشطة تلك التنظيمات في إدلب.

تداعيات تتخطى العراق وسورية

ولن تقتصر تأثيرات اغتيال القرشي على نشاط "داعش" في العراق وسورية، خصوصاً بعد صعود "ولاية خراسان في تنظيم الدولة الإسلامية" (فرع التنظيم في أفغانستان) في الفترة الأخيرة وتنفيذها عمليات متعددة، لا سيما مع الهجوم على مطار كابول أثناء الانسحاب الأميركي في أغسطس/آب الماضي.

كذلك فإن التنظيم في عهد القرشي شهد صعوداً لافتاً في منطقة بحيرة تشاد، لا سيما بعدما بايعه قسم من مقاتلي جماعة "بوكو حرام" (الناشطة في نيجيريا) وكذلك في وسط أفريقيا.

وشرح داميان فيريه، الذي يدير شركة "جهاد أناليتيكس" المتخصصة في تحليل المعلومات المرتبطة بالجهاد الدولي والسيبراني، أن القرشي عمل خلال تزعمه التنظيم "على أن تكون ولاية خراسان في موقع الصدارة قبل وقت طويل من وصول حركة طالبان إلى السلطة".

ولفت فيريه، في تصريح لـ"فرانس برس"، إلى أن "التنظيم استعاد وهجه في عام 2020 قبل أن تتراجع عملياته كمّاً ونوعاً خلال العام الماضي".

المساهمون