أكدت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في تونس، اليوم الثلاثاء، أن نتائج الاستفتاء الذي جرى أمس بيّنت "فشل وعزلة الرئيس قيس سعيّد"، مطالبة إياه بالرحيل، ومعلنة في الآن نفسه أنها ستجري "حواراً اقتصادياً واجتماعياً، وتقود مزيداً من التحركات الميدانية".
وقال رئيس "جبهة الخلاص الوطني"، أحمد نجيب الشابي، في ندوة صحافية، إن "دستور سعيّد فشل وعليه الرحيل، ولكنه لن يستقيل، ولذلك ستكثف المعارضة تحركاتها، وهي وبشهادة الجميع أصبحت رقماً فاعلاً"، داعياً الرئيس إلى أن يفسح المجال لـ"إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية كي يعود الاستقرار إلى تونس".
وتضم "جبهة الخلاص الوطني" أحزاباً ومبادرات متعددة، من بينها "حركة النهضة"، و"قلب تونس"، و"ائتلاف الكرامة"، ومبادرة "مواطنون ضد الانقلاب".
وأوضح الشابي أن الأرقام المعلنة بشأن الاستفتاء حتى الآن "تم تضخيمها ولا تتفق مع ما لاحظه المراقبون في مراكز الاقتراع"، وأن المرجع الوحيد للشرعية الدستورية في البلاد يظل دستور 27 يناير/ كانون الثاني 2014 "الذي يمثل إرادة الشعب التونسي"، على حد تعبيره.
وأسدل أمس الستار على عملية الاستفتاء للتصويت على مشروع الدستور الذي قدّمه الرئيس التونسي قيس سعيّد، ويحاول من خلاله تدعيم سلطاته وصلاحياته، وانتهت بنتيجة ضعيفة، في ظل حركة مقاطعة واسعة من الطيف السياسي.
وفي نتائج أولية غير نهائية، أعلن رئيس هيئة الانتخابات التونسية، فاروق بوعسكر، أن نسبة التصويت وصلت إلى 27.54 بالمائة، وهو ما يعني أن 72.5 بالمائة من الناخبين قاطعوا الانتخابات والتصويت على مشروع الدستور الجديد.
وأكد الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، في أعقاب مؤتمره الصحافي، أن "تونس أمام سياسة الأمر الواقع المفروض من سعيّد منذ سنة، وليس الآن فقط"، مبيناً بقوله: "الجديد أن هذه السياسة فشلت في نيل الثقة الشعبية وضعفت". وتابع أنهم معنوياً تعزز جانبهم وسيستمرون في المقاومة، مؤكداً أن "عقد حوار اقتصادي واجتماعي يتطلب توافق القوى المعنية بهذا الحوار".
من جهته، قال عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، جوهر بن مبارك: "مرت سنة من الانقلاب وتونس تعيش بلا مؤسسات رقابية وتنفيذية، فقد خلق سعيّد حالة من الفراغ"، مؤكداً، في تصريح له خلال المؤتمر الصحفي، أن "المراحل القادمة بالنسبة إلى جبهة الخلاص هي البناء لعملية المقاومة القائمة على عقد حوار وطني وحكومة إنقاذ ووضع حد للانقلاب".
ولفت إلى أن "قيس سعيّد لا يتمتع بالمشروعية الكافية، فبعد استفتاء أمس أصبح من البارز أنه دون أي مشروعية مفتوحة كما يدعي، والشعب أكد ذلك"، مشيراً إلى أن "الانقلاب أصبح أقلياً، واستحوذ على الإرادة الشعبية، ولكنه وصل إلى مأزق".
وتابع: "جبهة الخلاص ستستوعب الدرس وتنوع تحركاتها الميدانية وخطابها لتبحث الانتظارات الاقتصادية والاجتماعية بعيداً عن الشعبوية، بخطاب جديد يعيد حلم الحرية، والجبهة ستطور عملها من أجل إنجاح منتدى الحوار الاقتصادي والاجتماعي".
وشدد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" على أنهم يتشبثون بدستور 2014، مضيفاً أنهم "سيركزون على هذا الدستور المَرْجع".
حزب "العمال": ثلاثة أرباع الناخبين لم يشاركوا "في مهزلة الاستفتاء"
بدوره، قال حزب "العمال" اليساري، في بيان له الثلاثاء: "أسدل الستار ليلة أمس على مهزلة الاستفتاء الدستوري التي نظّمها قيس سعيّد لتشريع انقلابه والعودة بالبلاد إلى مربع الحكم الفردي المطلق بصلاحيات فرعونية تنسف المكتسبات الديمقراطية التي حققها الشعب التونسي بدمه وتضحياته".
وأضاف "العمال": "ورغم الإمكانات المادية والدعائية والإدارية، التي سُخّرت لتنفيذ هذه الحلقة المحورية في مسار انقلاب 25 جويلية (يوليو/ تموز) 2021، ورغم التمديد في وقت الاقتراع من السادسة صباحاً إلى العاشرة ليلاً، ورغم كل التجاوزات الخطيرة التي ارتكبت أثناء الاستفتاء المزعوم، وعلى رأسها الانتهاك الخطير لرئيس الدولة للصمت الانتخابي يوم الاقتراع، ورغم تحويل وسائل الإعلام العمومية، وعلى رأسها القناة الوطنية الأولى، إلى وسيلة دعائية فجّة لصالح مشروع سعيّد، ورغم كل الشكوك في نزاهة الأرقام التي تقدمها هيئة الانتخابات المنصّبة، رغم كل ذلك، فإنّ ما لا يقلّ عن ثلاثة أرباع التونسيات والتونسيين المرسمين في السجل الانتخابي لم يشاركوا في مهزلة الاستفتاء التي عجز سعيّد عن الحصول فيها حتى على عدد الأصوات التي حصل عليها في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية لسنة 2019".
وشدد الحزب على أن "الدساتير، بالنظر إلى أهميتها، لا تمرّر بنسبة مشاركة تقل عن 50% من الناخبات والناخبين، إن لم نقل بنسبة مشاركة لا تقلّ عن 75% منهم"، مشدداً بالقول: "وهذا أمر معلوم في كافة أصقاع الدنيا إلّا عند قيس سعيّد "الأستاذ المساعد في القانون الدستوري"، الذي هلّل بنتائج الاستفتاء، واعتبره ناجحاً تماماً، مثلما كان هلّل في السابق بنتائج استشارة وطنية لم يشارك فيها سوى 4 أو 5 (بالمائة) من التونسيات والتونسيين. وهو ما يؤكد عقلية الاستبداد التي تقود سعيّد، والتي يريد فرضها على الشعب التونسي".
وقال البيان: "لقد قرّر سعيّد الاستفتاء بمفرده. كما عرض دستورا للاستفتاء كتبه بمفرده ولم يناقشه معه أحد، وهو من أوّله إلى آخره يمنح الرئيس سلطات فرعونية وينسف مكتسبات الثورة التونسية في الحريات والحقوق والمساواة. وغيّر تركيبة هيئة الانتخابات لينصّب فيها عناصر موالية له. كما قام بتسميات عديدة في الإدارة (ولاة، معتمدون...)، وسخّر كل أجهزة الدولة لصالح مشروعه، وصرف الأموال الطائلة لينتهي إلى فشل ذريع حتى إن رفض الاعتراف به".
وذكّر بيان حزب "العمال" بأن "سعيّد كسب شرعيته كرئيس للجمهورية من انتخابات 2019 التي تمّت على أساس دستور 2014. ولكنه انقلب على هذا الدستور ثم ألغاه وحاول كسب شرعية جديدة بناء على دستور جديد كتبه على مقاسه، ظانّاً أنّ الشعب سيسير وراءه ويهلّل له. ولكنه فشل في هذه العملية المهزلة".
وتابع: "وهو بذلك يفقد اليوم شرعيّته كما يفقد مشروعيته، ولم يبق لديه سوى قوّة الأجهزة ليفرض بها حكمه كما يفرض بها اختياراته الاقتصادية والاجتماعية التي ستسلخ الطبقات والفئات الكادحة والشعبية والمفقّرة وتذبحها. إنّ قيس سعيّد عوض الاعتراف بهزيمته وتقديم استقالته، مثلما فعل قبله ساسة كثيرون يحترمون أنفسهم كما يحترمون شعوبهم، واصل في تعنّته، معلناً أنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة إصدار قانون الانتخابات الجديد، الذي سيكتبه كالعادة بمفرده ويصدره في مرسوم غير قابل للطعن".
وأكد حزب "العمال" أنه "عارض منذ اللحظة الأولى انقلاب 25 يوليو 2021، ونبّه إلى خطورة مشروع قيس سعيّد الاستبدادي الذي استغل الأزمة التي تردّت فيها بلادنا نتيجة عشرية حكم الفشل والفساد بقيادة حركة النهضة وحلفائها، وما ولّدته من نقمة في صفوف الشعب التونسي".
وأضاف: "فشل الاستفتاء المهزلة وبطلان الدستور الذي تمّ الاستفتاء عليه، كما يؤكد أنّ هذا الفشل المدوّي يفقد قيس سعيّد كل شرعية ومشروعية ولا يترك أمامه سوى باب وحيد وهو باب الاستقالة وترك الشعب التونسي، الذي قاطع ثلاثة أرباعه الاستفتاء المزعوم، يحدد مصيره بنفسه".
وعبّر عن "يقينه بأنّ قيس سعيّد لن يتراجع إلى الوراء بمحض إرادته، وبأنه سيواصل تنفيذ مشروعه الانقلابي، معتمدا على أجهزة الدولة، وعلى القمع السافر لمعارضيه، بهدف تركيز حكم الفرد المطلق الذي جاء في دستوره الفاشل".
ودعا الحزب كل القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية "أحزاباً وجمعيات ومنظمات وشخصيات، التي ترفض نهج الاستبداد والتفرد بالحكم، إلى توحيد الجهود والجلوس سويّا لبلورة مشروع الإنقاذ وسبل لفّ غالبية الشعب حوله بهدف إسقاط منظومة الاستبداد والفساد والعمالة، ووضع أسس لتونسنا الجديدة".
"العمل والإنجاز": السلطة القائمة فشلت
بدوره، اعتبر حزب العمل والإنجاز، الذي يتزعمه وزير الصحة الأسبق عبد اللّطيف المكّي، أن "السلطة القائمة فشلت فشلاً ذريعاً في الحصول على تفويض شعبيّ لإدارة المرحلة المقبلة، وهو ما يدعوها إلى الذّهاب بالبلاد لتجديد الشّرعية عبر انتخابات رئاسيّة وتشريعيّة سابقة لأوانها، مثلما ورد في المبادرة السياسية، التي أطلقها حزب العمل والإنجاز، والتي ضمّن فيها رؤيته للخروج من هذا النّفق".
ودعا الحزب، في بيانه، "كل المنتظم الحزبيّ والمدنيّ والإعلاميّ إلى التّفاعل معها وتنزيلها على أرض الواقع، وجدّد دعوته القوى الدّيمقراطية إلى توحيد الجهود والمواقف، وإلى التّنسيق المستمر في المرحلة المقبلة، حتى تعبر بلادُنا هذه الأزمة الخانقة سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً".
وندّد الحزب بـ"مواصلة سلطة الانقلاب فرضها لأجندتها الأحاديّة على الشّعب التّونسي عن طريق ما يسمّى بالاستفتاء"، ويعتبر أن "مقدّرات الشّعب وإمكانيّات الدّولة التي وُظّفت لفرض الاستفتاء ليست من حق السّيد قيس سعيد كي يتصرف فيها وفق رغبته الشّخصيّة".
وقال بيان الحزب إن "سلطة الأمر الواقع تواصل منذ الانقلاب تجاهُلها المتعمّد لعيد الجمهورية بتعلّات واهية، هدفُها طمس كلّ مشترك وطنيّ تعاقد عليه التّونسيّون منذ الاستقلال، بينما سُخرت كلّ إمكانات الدّولة في هذا اليوم لفرض إرادة شخص واحد على الشّعب عن طريق ما يسمى بالاستفتاء".