عادت قضية المعتقلين والمختفين قسراً والقتلى تحت التعذيب في سجون النظام السوري للظهور مرة أخرى، لتوثق المزيد من الجرائم التي ارتكبها، والممارسات الوحشية التي مارسها، لكن هذه المرة من سجن حلب المركزي، الذي يُسلّط الضوء على ممارسات النظام فيه للمرة الأولى من خلال فيلم وثائقي ومادة صحافية، علهما يساهمان في تحريك هذا الملف.
وبث "تلفزيون سوريا" المعارض فيلما وثائقيا عن ارتكاب قوات النظام السوري مجزرة بحق سجناء ومعتقلين في سجن حلب المركزي إبان حصاره قبل سنوات، حيث يعرض الفيلم شهادات ضباط سابقين وسجناء ومعتقلين نجوا من المجزرة.
كما نشرت صحيفة "زمان الوصل" صورا تحمل مشاهد قاسية، قالت إنها لضحايا من المجزرة ذاتها، مشبهة ذلك بحادثة "قيصر".
ويعرض فيلم "القضاء.. مقبرة سجن حلب" رواية مخيفة على لسان شهود عيان من السجناء، عاشوا أحداث الاستعصاء وما تبعها من قتل وتجويع تزامنا مع محاولة فصائل المعارضة اقتحام السجن للإفراج عن القابعين تحت نيران النظام، كما ينقل التلفزيون الرواية عن ضباط منشقين شهدوا المجزرة.
وكان السجن قد تعرض للحصار من قبل فصائل المعارضة عام 2013، وشهد عدة محاولات اقتحام بهدف إطلاق المعتقلين والسجناء والسيطرة على السجن، وزعم النظام لاحقا أن هجمات المعارضة أدت إلى مقتل وجرح العشرات من قواته ومن المحتجزين في السجن.
وجاء حصار السجن من المعارضة بعد تنفيذ السجناء والمعتقلين في داخله استعصاء، وحاولوا الفرار من السجن إلا أنهم لم يتمكنوا بسبب استخدام النظام السلاح في قمع الاستعصاء، وفق الشهادات التي وردت في الفيلم.
وتنفي الشهادات التي وردت في الفيلم مزاعم النظام السوري، وتؤكد أن من قتل السجناء الذين استعصوا في السجن هم ضباط النظام، وهو ما أكدته أيضا الشهادات التي أوردتها صحيفة "زمان الوصل".
جرائم ضد الإنسانية
وقال المحامي السوري هشام المسالمة إن عملية التوثيق مهمة في الجانب القانوني والحقوقي، ويمكن أن تثمر في الجانب القانوني بشكل جيد، خاصة إذا تم التأكد من صحتها، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن أثر هذه التسريبات والتوثيقات القانوني ضد النظام سيكون بالغا، وهذه الجرائم الموثقة بالدلائل والشهود يصنفها الحقوقيون والقانون جرائمَ ضد الإنسانية.
وأوضح المسالمة أن "مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية تمارس جرائم خطيرة ضد الإنسانية، وهي جرائم ارتكبت عمدا ضمن سلسلة وعمل ممنهج ضد المواطنين عموما، وهي جرائم يعاقب عليها في القانون الجنائي الدولي".
وأضاف أن من "سرب المعلومات والصور هم شاهدون على عملية القتل والدفن والتعذيب أو ناجون منها، وهم جزء من الأدلة التي تفضي في النهاية إلى إمكانية رفع الدعوى القضائية ضد ضباط النظام ومؤسساته".
وقال المحامي إنه في حال توفر الشروط الدولية في الأدلة، يمكن أن يرفع على النظام دعوى في محكمة جنائية دولية خاصة ويُلاحَق ضباطه ضمن الولاية القضائية الدولية، كما يمكن رفع دعاوى لدى محاكم الاختصاص في بعض الدول الأوروبية.
بدوره، قال المحامي الباحث في الشأن الدستوري خالد إسماعيل إن عمل الصحافيين في إظهار جرائم النظام أهم من عمل المحامي في قاعة المحكمة، كون الصحافيين "يحاولون استصدار حكم اجتماعي على مستوى واسع بالإدانة، ما ينعكس سلبا على المجرم من ناحية قانونية وقضائية".
وأكد إسماعيل لـ"العربي الجديد" أن "نشر الصور والشهادات التي تدل على الإجرام الأسدي له تأثير كبير من الناحية القضائية، وهي بنفس الوقت لا تؤثر بشكل مباشر على التسلسل الإجرائي والسببي في المحاكمة لأنها تعتمد على أسس ونظم مختلفة، ولكنها تؤثر من ناحيتين هامتين جدا".
وأضاف أن "كون القاضي إنسان قبل أن يكون قاضيا، فلها تأثير في نفسيته وإعطائه فكرة مسبقة قبل أن ينطق بالحكم، وطبعا هذا شيء إيجابي لأهالي الضحايا وللشعب السوري بشكل عام، ولها تأثير مهم جدا على قراره إذا ما تولد رأي عام ضخم ببشاعة الجريمة ونكرانها مجتمعيا، ما يضطره للبحث الجاد لتجريمها والقضاء بأقصى عقوبة يسمح بها النص القانوني".
وتابع قائلا إن تشكيل رأي عام واسع بفعل الصحافة لدى المجتمع يدفع القاضي إلى "استخدام التشديد الذي منحه القانون له".
وجرى مؤخرا تحريك العديد من الدعاوى ضد ضباط سابقين في قوات النظام متهمين بممارسة انتهاكات ضد المتظاهرين، من بينها محاكمة ضابط الاستخبارات أنور رسلان من قبل محكمة ألمانية، ومحاكمة طبيب سوري متهم بممارسة انتهاكات بحق المتظاهرين خلال عمله في مستشفى عسكري بمدينة حمص.