حذفت هيئة الانتخابات التونسية، اليوم الأربعاء، النتائج الأولوية للاستفتاء من صفحتها الرسمية في فيسبوك، إثر حملة تشكيك واسعة وانتقادات واتهامات بالتزوير والتدليس، من قبل أحزاب ونشطاء ومنظمات رقابية، طاولت تلك النتائج.
وأفادت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، في بلاغها اليوم الأربعاء، أنه "طبقاً للإجراءات المعمول بها تم نشر قرار النتائج الأولية وملحقاته، غير أنه تسرب خطأ مادي بإلحاق جدول غير محيّن ضمن ملحقات قرار النتائج بإحدى صفحاته".
وأكدت الهيئة أن "النتائج التي أعلنتها صحيحة، ولا تشوبها أية أخطاء، وأنها نشرت جميع التفاصيل التي تم عرضها بالمركز الإعلامي مباشرة بعد الانتهاء من الإعلان عن النتائج الأولية".
وأضافت أنه "تم تلافي هذا الإشكال بسحب الصفحة المشار إليها من الملحق الرسمي المعتمد"، وأن "النتائج المصرح بها هي نتائج أولية وقابلة للطعن أمام الجهة القضائية المختصة، التي لها وحدها حق البت في صحتها".
تشكيك في الأرقام
ورغم تبريرات الهيئة، شكك القيادي في حزب التيار الديمقراطي نبيل حجي في صحة الأرقام المعلنة، وتلك المتعلقة بعدد المقترعين في الاستفتاء على مشروع الدستور يوم 25 يوليو/ تموز 2022.
وقال حجي، في تدوينة على صفحته في فيسبوك ساخراً: "حسب قرار الهيئة، صوت في توزر 105 ألاف مواطن. بربكم تثبتوا في عدد المرسمين في سجل الناخبين في توزر (85 ألف ناخب). وبالمناسبة تثبتوا مع معهد الإحصاء في عدد سكان محافظة توزر، لأنه على ما يبدو فإن النخيل قد صوت في توزر".
ودونت القيادية في حزب النهضة، يمينة الزغلامي، على صفحتها في فيسبوك: "يعني اعترفت بالخطأ المادي أما النتيجة هي هي، يا خسارة، أنا كنت من النواب الذين صوتوا على بوعسكر ولم أتوقع للحظة أن تنحاز لسلطة الفرد الواحد".
وقالت منظمة "أنا يقظ" (منظمة رقابية) إنها "لاحظت عدم تطابق في الأرقام في النتائج الأوليّة للاستفتاء بين البلاغ الصادر يوم أمس 26 يوليو 2022 والأرقام المنشورة على صفحة الهيئة بتاريخ اليوم 27 يوليو".
واعتبرت في بيان أن "التضارب في الأرقام بهذا الشكل الصارخ، ولأول مرة منذ أكثر من 10 سنوات، ليس في كل الأحوال من قبيل تسرّب الأخطاء، ذلك أنّ عدم التطابق في الأرقام يرصد في 25 من أصل 33 دائرة انتخابية، بشكل ينم عن نقص كبير في الخبرة والكفاءة، ويجعل نتائج الاستفتاء موضعاً للشك".
وطالبت المنظمة بتشكيل "لجنة تتحلى بالاستقلالية الحقيقيّة للقيام بعملية الفرز والعد من جديد، تضم منظمات المجتمع المدني المتحصلة على الاعتماد، والتي قامت بملاحظة عمليّة الاقتراع على غرار منظمة "عتيد" و"مراقبون" و"شباب بلا حدود" ومرصد "شاهد"، بالإضافة إلى جامعيين مختصين في الإحصاء وقضاة من محكمة المحاسبات ممن لهم الخبرة في مراقبة العمليات الانتخابيّة، وذلك حتى يتم التثبت من حقيقة نتائج الاستفتاء بشكل يضمن عدم "تزييف إرادة الناخب"، ويؤكّد "شفافية ونزاهة استفتاء الرئيس، مع التأكيد على عدم مشاركة هيئة الانتخابات في عملية التثبت والتدقيق".
من جانب آخر، أكد مرصد "رقابة" (منظمة رقابية) أنه قام بمعاينة النتائج الأولية للاستفتاء عن طريق عدل منفذ، وأنه قام في مرحلة أولى بعملية مقارنة بين الأرقام الواردة في الجدول العام للنتائج في جميع الهيئات الفرعية، والجداول التفصيلية الصادرة عن مراكز جمع الهيئات الفرعية، ليتبين له "وجود فوارق في أرقام 25 دائرة انتخابية من بين الـ33 دائرة في الداخل والخارج بمجموع عام متطابق، فضلاً عن الخلط بين نتائج الدوائر في الجدول العام"، معلناً توثيق تلك الفوارق بالتفصيل.
وأكد رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد"، بسام معطر، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "التضارب والاختلاف الكبير في الأرقام المسجل في الوثيقة المنشورة فيه خطورةٌ كبيرة، وهو يدل على عدم مسؤولية المشرفين على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
وبين معطر: "قمنا بمقارنة ما تم الإعلان عنه في الندوة الصحافية من نتائج من قبل رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، وما نشر من نتائج، ونلاحظ عديد الاختلافات والتضارب، ولكن الغريب في الأمر أنه في كلا الحالتين نتوصل إلى نفس النتيجة حتى بالأخطاء المسجلة والمختلفة عن المعلنة في الندوة الصحافية تبقى نفس النتيجة"، مستدركاً بالقول: "كأن النتيجة النهائية أعدت قبل الأرقام، وقبل فرز الأصوات".
وبين معطّر أن "هذا يبعث على الريبة، خصوصاً أن الهيئة تقول بعد ذلك أنه تسربت أخطاء، ولكن بإعادة الاحتساب لا يطرأ أي تغيير على النتيجة النهائية".
وأشار رئيس منظمة "عتيد" إلى أنه "تم رصد أخطاء بالجملة في غالبية الدوائر الانتخابية وفي عديد مراكز الاقتراع، كتونس وتوزر وزغوان ونابل وقفصة"، وبيّن أن "العدد المعلن في الندوة الصحافية بالنسبة لدائرة توزر مثلاً كان 29345 صوتاً، بينما نشرت الهيئة نتيجة 105515 صوتاً في الملف المنشور على صفحتها، أي بفارق كبير جداً".
واعتبر مرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، اليوم، أن "العملية الانتخابية اتسمت بوجود خروقات خطيرة من شأنها المساس بسلامة العملية الانتخابية ونزاهتها والتأثير على نتائجها".
وقالت رئيسة المرصد، علا بن نجمة، خلال ندوة صحافية بالعاصمة اليوم، إن "الملاحظين رصدوا يوم الاستفتاء العديد من الإخلالات والأخطاء الناشئة عن نقص التكوين لدى أعضاء مكاتب الاقتراع، والتي أثرت على سير العملية"، مبينة أن "عدم التثبت من قائمات الناخبين ورصد حالات لاقتراع مواطنين في غير مراكزهم أو باستعمال نسخ من بطاقات الهوية هي إخلالات من شأنها أن تؤدي إلى إغراق الصناديق بأصوات وهمية أو مكررة أو غير محددة".
أحزاب: استفتاء مزوّر
إلى ذلك، أكدت أحزاب الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء في تونس (الجمهوري، والتيار الديمقراطي والتكتل والعمال والقطب)، اليوم الأربعاء، أن "الانتخابات مزورة"، وأنه لا يمكن للاستفتاء أن "يمر وثلاثة أرباع التونسيين لم يصوتوا"، مؤكدة عزمها مقاضاة هيئة الانتخابات.
وقال الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، خلال مؤتمر صحافي عقدته الحملة اليوم الأربعاء، إن: "تونس عاشت فضيحة كبرى بهذا الدستور، وإن الرئيس قيس سعيد حرص بعد الانتقادات الكثيرة للنسخة الأولى على نشر نسخة ثانية قبل تمرير مشروع الدستور عبر الاستفتاء".
وأكد أن مناخ الاستفتاء "غير ديمقراطي وأنه لا يمكن الاطمئنان لهيئة الانتخابات"، إضافة إلى ما حصل من اعتداءات على أحزاب الحملة ومواجهة التحركات بالقمع والقوة، مثلما حدث يوم 22 يوليو/ تموز من اعتداء على الشباب المحتج في شارع بورقيبة.
وأشار الشواشي إلى أنه لاحظ وجود إخلالات خلال فترة الحملة الانتخابية على غرار "الدعاية والإشهار السياسي وخروج هيئة الانتخابات عن حيادها وترويج أخبار زائفة، عدا عن التشجيع على التنكيل والاعتداء"، واصفاً حملة الاستفتاء بأنها "لا ديمقراطية ولا شرعية".
وأكد تقديم شكاية جزائية ضد كل أعضاء هيئة الانتخابات بتهمة تزييف الانتخابات، مبيناً أن هناك رموزاً "أجرمت"، وأن مجموعات عبر "فيسبوك" ممولة من الخارج قد دعمت قيس سعيد.
ودعا الشواشي، خلال حديث مع "العربي الجديد"، قيس سعيد إلى تقديم استقالته، مشددًا على ضرورة إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وذلك "في إطار تنقيح النظام الانتخابي التشاركي والتوافقي، وبما يضمن الديمقراطية".
وقال إن "القانون الانتخابي الذي تحدث عنه سعيد سيكون مُسقطاً، لأنه بأمر رئاسي، كما سيكرس البناء القاعدي ويقصي الأحزاب السياسية".
من جهته، أكد الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي أن مناخ الاستفتاء غير ديمقراطي، وأن دستور قيس سعيد لم يحدد أي سقف للاستفتاء"، مضيفاً أن "القناة الوطنية الرسمية متورطة كذلك في الدعاية غير الديمقراطية لمشروع سعيد، إضافة إلى تورط هيئة الانتخابات في تزييف هذا المسار".
ولفت إلى أن "يوم الاستفتاء انتهى بالاحتفال وبخروج الرئيس إلى شارع الحبيب بورقيبة، مقابل تعرض المحتجين إلى القمع والضرب في عديد من المناسبات". وأضاف: "كان أداء الرئيس قيس سعيد كارثياً".
وأشار إلى أن هيئة الانتخابات قامت بتعديلات على نسبة المشاركين، وأن "كل الخروقات تؤكد فرض دستور غير ديمقراطي".
بدوره، قال عضو حزب "القطب" رياض بن فضل إن هيئة الانتخابات التي وصفها بـ"اللامستقلة" زوّرت الانتخابات، كما أن التلفزة الوطنية كانت حليفاً مباشراً للحملة". وتابع: "برز غياب واضح للملاحظين في مكاتب الاقتراع؛ وبالتالي تم تزييف الانتخابات وسيتم الطعن في نتائج هيئة الانتخابات".
وبحسب بن فضل، فإن الحملة الانتخابية كانت باهتة، كما كانت هناك لامبالاة من المجتمع التونسي.
ثلاثة أرباع التونسيين لم يصوتوا على الدستور
وأكد الأمين العام لـ"حزب العمال" حمة الهمامي أن "كل مسار الاستفتاء تزوير، وأن الرئيس قيس سعيد يحيل على الفصل 80 في هذه المهزلة التي تعتبر مضيعة للوقت"، مضيفاً: "كانت حملة الاستفتاء كذباً وتدجيلاً".
ووصف الهمامي مشروع الدستور بـ"الخطير الذي يكرس الاستبداد"، منتقداً وجود "الفصل 5 في الدستور، والذي يدعو لافتكاك السلطة الروحية في ظل الكارثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد".
ينص الفصل الخامس في نسخته المعدلة على أن "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظل نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية".
وقال الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يجب استغفال التونسيين، لأنه لا يمكن تمرير دستور وثلاثة أرباع التونسيين لم يصوتوا لأسباب سياسية أو شخصية، لكن النتيجة أنهم لم يشاركوا"، مؤكداً أن الدستور في هذه الحالة "لا يمر"، وأن عدة بلدان تفترض التصويت بما يفوق الخمسين بالمائة كي يمر.
وبين رئيس حزب "التكتل" خليل الزاوية أن "الاستفتاء مشبوه ومشكوك في نزاهته". وأضاف: "صورة تونس مهتزة في الخارج والبلاد مقسمة، حيث إن الرئيس يقوم بالتفرقة بين التونسيين، وهو ما سيساعد على إسقاطه والتصدي له.. القضية اليوم هي قضية الدفاع عن المبادئ".