"برشلونة" و"بن أند جيري" يعيدان مقاطعة إسرائيل إلى الواجهة

25 يوليو 2021
حركات المقاطعة تضعط على المؤسسات الغربية لوقف دعمها لإسرائيل (فيكتور زيكوفيكش/الأناضول)
+ الخط -

أثار قرار نادي برشلونة الرياضي لكرة القدم بعدم إجراء مبارة ودية في مدينة القدس المحتلة مع الفريق الإسرائيلي "بيتار يوروشلايم"، وقرار شركة "بن أند جيري Ben & Jerry's" العالميّة للبوظة بعدم بيع منتجاتها في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، تفاعلات سياسيّة في إسرائيل وتغطية إعلاميّة عالميّة، أعادت فيها إلى الواجهة قضية مقاطعة إسرائيل دوليًا بسبب جرائم الاحتلال وسياسته العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني.

جاء قرار نادي برشلونة في الخامس عشر من يوليو/ تموز بإعلانه عدم إجراء المبارة التي كان من المزمع أن تُجرى في استاد "تيدي" في القدس المحتلة يوم 4 أغسطس/ آب المقبل، بعد توجّهات فلسطينيّة عديدة طالبت الفريق بإلغاء المبارة "لما يمثله هذا الفريق من مظاهر عنصريّة وما يحمله جمهوره من أفكار عدائية تجاه كل ما هو عربي وفلسطيني في البلاد"، بحسب رسالة النائب سامي أبو شحادة، عن التجمع الوطني الديمقراطي، لإدارة الفريق، والتي أرسلت باسمه واسم رابطة مشجعي فريق برشلونة في فلسطين (عرب بلوغرانا). وأشار أبو شحادة في رسالته إلى أن المباراة ستقام في استاد "تيدي" المقام على أراضي قرية المالحة الفلسطينية المهجرة، وأن "هناك لاجئين من هذه القريّة يعيشون بعيدًا عن الملعب بضعة كيلومترات فقط ويمنعون من الوصول إلى الملعب وليس فقط من العودة إلى قريتهم وفقًا لقرار الأمم المتحدة".

أمّا شركة "بن أند جيري" للبوظة، فأعلنت، مساء يوم الإثنين، التاسع عشر من يوليو/ تموز، عن إيقاف بيع منتوجاتها في ما سمّته عبر بيان رسمي من الشركة: "الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة"، تقصد بها المستوطنات الإسرئيليّة المقامة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967، كون ذلك "يتعارض مع قيمنا. لدينا شراكة طويلة الأمد مع صاحب الامتياز الذي ينتج الآيس كريم الخاص بنا في إسرائيل ويوزعها في المنطقة. أبلغناه بأننا لن نجدد الاتفاقية عندما تنتهي صلاحيتها في نهاية العام المقبل". ويأتي قرار الوقف، بحسب صاحب حق الامتياز للشركة للبيع في إسرائيل، في أعقاب رفضه عدم البيع في ما سماه جميع الأراضي الإسرائيليّة، محتسبًا الأراضي المحتلّة عام 67، وذلك بعدما طلبت منه الشركة الأم ذلك، الأمر الذي سيوقف التعامل مع صاحب حق الامتياز في غضون عام ونصف، وستقوم الشركة بترتيبات جديدة.

أثارت قرارات المقاطعة هذه ردود فعل إسرائيليّة عديدة، إذ قال رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت تعليقاً على قرار "بن أند جيري" إنه "سيكلّفها غاليًا، وأسوأ قرار كان يمكن لها اتخاذه من الناحية التجارية"، "وستكون له عواقب قانونيّة"، أمّا وزير الخارجيّة الإسرائيلي يائير لبيد، فاعتبر أن القرار "استسلام مخجل لمعاداة السامية، ولحركة (BDS)، ولكل ما هو خطأ في الخطاب المعادي لإسرائيل واليهود". بدوره، بعث السفير الإسرائيلي في واشنطن والأمم المتحدة غلعاد إردان برسالة إلى 35 حاكمًا أميركيًا للولايات التي لديها تشريعات ضد حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، وطالبهم باتخاذ إجراءات قانونية ضد شركة "Ben & Jerry's". أمّا التصريح الأكثر شدّة، فصدر عن الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ، الذي اعتبر القرار "إرهابًا اقتصاديًا يحاول الإضرار بمواطني إسرائيل واقتصادها".

وفي هذا السياق، قدّم جندي إسرائيلي يخدم في المناطق المحتلّة عام 67، شكوى للمحكمة الإسرائيليّة ضد الشركة العالميّة (وليس ضد الموزع الإسرائيلي لها)، يطالب فيها الشركة بتعويضات تصل إلى 14 مليون شيكل، بسبب "الأذى النفسي" الذي سببه قرار الشركة بحقّه، القائم على تمييز في توريد منتج على أساس مكان الإقامة.

في موازاة ذلك، قامت إدارة فريق "بيتار يوروشلايم"، قبل أسبوع، بتوجيه شكوى للمحكمة الإسرائيليّة ضد النائب سامي أبو شحادة ومستشاره البرلماني يوسف طه، تطالبهما فيها بدفع مبلغ يقارب نصف مليون شيكل، كتعويضات عمّا سمته "التشهير بحق الفريق في وسائل الإعلام"، كون أبو شحادة وصف الفريق بالعنصري في رسالته وعبر وسائل الإعلام المختلفة.

تعكس ردود الفعل الإسرائيليّة هذه استراتيجية حكومة الاحتلال في مواجهة حملة المقاطعة الدوليّة ضدها وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها، التي تقوم على المبادرة والهجوم لا الدفاع والتبرير، إذ شهدت السنوات الأخيرة محاولات عديدة لتشريع قوانين في أكثر من برلمان حول العالم لتجريم مقاطعة إسرائيل بضغط من إسرائيل ولوبيّاتها المناصرة حول العالم، جزء منها لاقى نجاحًا، مثلما حصل في ألمانيا وبعض الولايات الأميركيّة، وجزءً آخر لاقى الفشل.

وتتخوف المؤسسة الإسرائيليّة، خصوصًا في أعقاب العدوان الأخير على غزة ومدينة القدس، من إقدام شركات ومؤسسات عالميّة على مقاطعة إسرائيل والتجاوب مع حملات الـBDS العالميّة، وتتعامل مع هذه القضية بأعلى المستويات وترصد لها ميزانيات ضخمة. وشهدت السنوات الماضية حوادث شبيهة، وكانت مدينة القدس مركزها، مثل عدم إجراء مسابقة اليوروفيجن في مدينة القدس المحتلّة ونقلها إلى تل أبيب، وعدم مشاركة الفريق الوطني الأرجنتيني في مبارة وديّة في إسرائيل بعد نقلها من حيفا إلى القدس.

مع ذلك، يبقى صدى المقاطعة محدودًا في ظل تنفيذ شراكات وإجراء مناسبات رياضيّة وفنيّة داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 كونها مناطق "غير محتلّة" بحسب القانون الدولي، مثلما حصل خلال الأسبوع الماضي، حيث جرت مباراة وديّة جمعت نجوم ريال مدريد وبرشلونة في مدينة تل أبيب، وتنظيم مسابقة ملكة جمال الكون في مدينة إيلات، ورافق ذلك قبول إسرائيل عضوًا بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، في الوقت الذي تذهب فيه دول عربيّة عديدة إلى تطبيعٍ شامل مع دولة الاحتلال وما يفتحه ذلك من تنفيذ مشاريع اقتصاديّة وثقافيّة مشتركة.

ورغم التضييق الذي بدأت تشهده حركة المقاطعة عالميًا منذ سنوات بمحاصرتها عبر قوانين محليّة، إلا أن نشاط المجتمع المدني والناشطين السياسيين حول العالم لا يزال مستمرًا ويأخذ زخمًا بعد الهبّة الشعبيّة الأخيرة في فلسطين.

المساهمون