تعتبر روسيا التي تعهّدت بفتح "ممرات إنسانية" لخروج آلاف السكان من مدن أوكرانية رئيسية تحت مرمى نيرانها "مهندسة" أبرز اتفاقات إخلاء المدنيين من مناطق محاصرة خلال سنوات الحرب السورية.
وبموجب استراتيجية اختبرتها منذ بدء تدخلها العسكري عام 2015 دعماً لقوات النظام السوري في مواجهة مجموعات المعارضة المسلحة، تمّ إجلاء أكثر من مئتي ألف شخص بعد هجمات شنّتها قوات النظام بدعم سياسي وعسكري روسي على أبرز معاقل المعارضة. وبادرت روسيا إثرها إلى نسج اتفاقات تضمنت إجلاء مدنيين ومقاتلين، ما فتح الطريق أمام دمشق لاستعادة مناطق عدة.
وسادت فوضى بعض عمليات الإجلاء التي تمّ تعليقها لأكثر من مرة بسبب استهداف الحافلات وانعدام الثقة بين الأطراف المعنية وغياب رقابة دولية عن معظمها.
وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط إيما بيلز، لوكالة فرانس برس: "في أوكرانيا، نشهد بعض المخاطر التي رأيناها في سورية".
وتضيف "في بعض الأحيان، تقود طرق الإجلاء إلى أراضٍ يسيطر عليها أحد أطراف النزاع (...) وتكون لديهم مخاوف تتعلق بالأمن والحماية".
وتضيف "في بعض الحالات، تتم مهاجمة الطرق خلال عمليات الإجلاء، ما يتسبب بإصابة أو مقتل مدنيين".
وتحاول روسيا اليوم اتباع استراتيجية تفعيل "الممرات" التي ترى فيها أوكرانيا حيلة إعلامية، إذ تؤدي أربعة من ستة ممرات اقترحتها موسكو إلى روسيا أو جارتها وحليفتها بيلاروسيا.
فما هي أبرز عمليات الإجلاء التي نسجتها روسيا وأشرفت على تنفيذها في سورية؟
حلب
شكّل هجوم قوات النظام السوري على الأحياء الشرقية، معقل الفصائل المعارضة في مدينة حلب (شمالاً)، بعد حصار خانق ومحكم، أول مثال على التدخل العسكري الروسي الذي سرعان ما رجّح كفة الميدان لصالح حكومة دمشق.
بدءاً من منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، شنّت قوات النظام بدعم روسي هجوماً واسعاً على الأحياء الشرقية خوّلها في 22 ديسمبر/ كانون الأول بسط سيطرتها على كامل المدينة.
وبموجب اتفاق أبرمته روسيا وإيران، الداعمتان الرئيسيتان لدمشق، مع تركيا الداعمة لفصائل المعارضة، بدأت أولى عمليات الإجلاء في 15 ديسمبر وانتهت في 22 منه.
وحينها تمّ إخراج 35 ألف شخص بين مقاتلين ومدنيين، وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر. غادر هؤلاء تباعاً على متن حافلات وسيارات خاصة، إضافة الى سيارات إسعاف نقلت مئات المرضى والجرحى، نحو ريف حلب الغربي الذي كان تحت سيطرة المعارضة. وانتقل عدد كبير منهم لاحقاً إلى محافظة إدلب (شمال غرب).
وفي ذلك الوقت أفاد سكان لـ"فرانس برس" بأنهم تعرضوا لمضايقات أثناء توقفهم لساعات على نقاط أمنية تابعة لقوات النظام وأخرى لمقاتلين موالين لإيران، من أجل التفتيش في ظل طقس بارد. كما مرت الحافلات عبر نقطة روسية في المدينة.
وتعرضت سيارة إسعاف، على الأقل أقلت جرحى في اليوم الثاني من عمليات الإجلاء، لإطلاق رصاص.
الغوطة الشرقية
عانت الغوطة الشرقية التي شكلت أبرز معقل للمعارضة قرب دمشق منذ عام 2012 من حصار محكم لسنوات فاقم مأساة نحو 400 ألف من سكانها.
بعد هجوم واسع بدأته قوات النظام السوري، في 18 فبراير/ شباط 2018 لاستعادة المنطقة، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 من الشهر ذاته بـ"هدنة إنسانية يومية". لكن في اليوم الأول منها، قصفت طائرات النظام ومدفعيته المنطقة مجدداً ما أوقع سبعة قتلى. ولم يتجرأ أي من السكان المحاصرين والمنهكين على الخروج في الأيام اللاحقة.
إلا أنّه على وقع التقدّم العسكري وازدياد القصف الذي شاركت فيه روسيا، وحال في 5 مارس/ آذار دون استكمال توزيع أول قافلة مساعدات أدخلتها الأمم المتحدة، فرّ أكثر من مئة ألف شخص إلى مناطق سيطرة النظام، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في حينه.
في 13 مارس/ آذار، أجليت أول دفعة من السكان ضمت 150 مريضاً وجريحاً، رغم القصف.
إثر اتفاقات أبرمتها روسيا مع الفصائل الكبرى، بدأ في 22 مارس إجلاء مقاتلي المعارضة وعائلاتهم على مراحل حتى 11 إبريل/ نيسان. وتم إجلاء أكثر من 67 ألف مقاتل مع أفراد عائلاتهم إلى الشمال السوري، غالبيتهم إلى إدلب، بحسب المرصد.
وأشرفت الشرطة العسكرية الروسية بشكل مباشر على عمليات الإجلاء. فانتشر عناصرها على مداخل الغوطة الشرقية، وتفقدوا قوائم أسماء جميع من صعد إلى الحافلات.
ورافقت آليات روسية الحافلات حتى خروجها من مناطق سيطرة الحكومة السورية.
درعا
شنّت قوات النظام بدعم روسي، بدءاً من 19 يونيو/ حزيران 2018، عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة درعا التي كانت تعدّ مهد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري، تسبّبت بنزوح أكثر من 320 ألف مدني، وفق الأمم المتحدة.
في 6 تموز/ يوليو، أبرمت روسيا وفصائل معارضة اتفاقاً لوقف اطلاق النار سمح ببقاء مقاتلين مع أسلحتهم الخفيفة في المنطقة، في "استثناء" لم تحظ به أي محافظة أخرى. وتمّ بموجبه إجلاء مئات المقاتلين والمدنيين الرافضين للاتفاق إلى شمال سورية.
بعد هدوء نسبي لنحو ثلاث سنوات، شهدت مدينة درعا في نهاية يوليو/ تموز 2021 تصعيداً عسكرياً دفع أكثر من 38 ألف شخص إلى النزوح خلال شهر تقريباً، وفق الأمم المتحدة.
وقادت روسيا مرة جديدة مفاوضات بين الطرفين أثمرت اتفاقاً قاد إلى إجلاء عشرات المقاتلين المعارضين إلى شمال البلاد. وأعلنت حكومة النظام بعدها دخول وحدات من الجيش الى أحياء في المدينة.
انطلاقاً من "التجربة السورية"، تشكّك الباحثة السورية لدى منظمة هيومن رايتس ووتش سارة كيالي في نجاح استراتيجية الممرات الإنسانية.
وتقول لفرانس برس "هاجم تحالف القوات السورية-الروسية ومجموعات المعارضة الممرات. في بعض الحالات وجد، من استخدمها من مدنيين، أنفسهم قيد التوقيف أو الإخفاء عوضاً عن (بلوغ برّ) الأمان".
(فرانس برس)