نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع تونس، مساء اليوم الجمعة، ندوة حول "المحكمة الدستورية واستكمال البناء الدستوري وترسيخ الانتقال الديمقرطي في تونس"، بحضور مختصين في القانون الدستوري والقانون العام.
وأكد مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" فرع تونس، مهدي مبروك، أن "المحكمة الدستورية شغلت الرأي العام باعتبارها ركنا حصينا في الانتقال الديمقراطي، حيث عرفت البلاد عدة تجاذبات سياسية وقانونية لمسألة انتخاب أعضائها، ورغم مرور ستة أعوام على وضع الدستور، لا تزال تطرح عدة أسئلة مهمة حول دور المحكمة الدستورية ومنزلتها في الانتقال الديمقراطي، وهل غذى غيابها منسوب الصراع السياسي، وماذا عن تضخيم دورها، لأن الأزمة الحاصلة قد تكون أعمق؟".
وشدد مبروك على أنه "لا بد من فهم ما عطل المحكمة الدستورية وحال دون إرسائها".
وقال أستاذ القانون الدستوري، العضو السابق في لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري بالمجلس الوطني التأسيسي رابح الخرايفي، إن "أغلب الأسئلة التي تطرح اليوم حول المحكمة الدستورية وجيهة، ومنها أسباب تعطل تركيزها، والقلق من عدم إرسائها رغم وجود إطاريها القانوني والدستوري، ولكن انتخاب أعضائها تحول إلى مسألة خلافية".
وبين أنه "من الناحية التشريعية، وبالعودة إلى فصول فلسفة إرساء هذه المؤسسة، فإن جل الأسباب تشير إلى أنها قد تكون من أهم الهيئات الدستورية التي نص عليها الدستور التونسي، وقد تم اختيار إدراجها بباب الأجهزة القضائية، رغم أنه لا علاقة لها بالقضاء، بل لتمييزها عن الرقابة السياسية، ولكن رغم ذلك، فإن هناك علاقة هيكلية وحيدة، وهي انتخاب4 قضاة ضمن تركيبة المحكمة، ولكن إفرادها بذلك لم يمنع من تحول تركيز المحكمة إلى نقطة خلافية".
وتابع الخرايفي أن "بعض أسباب التأخير سياسية، وهو ما يدل على مشكل جذري، لأن هناك عداء وخوفا من قبل النخب السياسية من عملية إرساء المحكمة"، مبينا أن "هناك من يرجع الأسباب إلى غياب الإرادة وإلى تغليب المصالح الحزبية الضيقة وإلى القيود الموضوعة من قبل المشرع... كل حزب ينظر إلى الأعضاء على أساس الولاء بدل الكفاءة، وهو ما يكشف غياب الإرادة السياسية برغم أن هذه النخب ترجع الفشل إلى القانون الأساسي".
ويرى أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار أن "تجربة الانتقال الديمقراطي بينت الحاجة إلى أدوات لفهم النصوص وتشخيص العلل التي تتراكم نتيجة عدة مسائل، بعضها قانونية وأخرى تنظيمية، إذ لا بد من شراكات علمية بين الجامعات التونسية ومراكز الأبحاث لفهم الظاهرة الانتقالية والنظر في كيفية تجاوز أسباب تعطيل هذه المؤسسة".
وأكد أن "المحكمة الدستورية هي الشجرة التي لا تخفي الغابة، بمعنى أن المحكمة الدستورية شاهدة على عدة أزمات منذ وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وعدة تجاذبات وصراعات، وهو ما يؤشر إلى أن الانتقال الديمقراطي لم يتحقق بعد، وأن هناك عجزا عن هضم الديمقراطية، ونزوعًا نحو البقاء في ديمقراطية الشكل، وهو ما أنتج خطابا مخيفا أساسه المغالبة العددية".
وتابع أن "هناك هوسا في المجلس التشريعي بأن يكون هو اليد المهيمنة على الترشحات، في ظل لعبة التنقيحات والتعطيلات، وموسم البحث عن الخبراء".
وأوضح المختار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "من الصعوبات ما يتعلق بالنص الدستوري الذي وضع حدودا عالية، من شروط وأغلبية مطلوبة للحصول على توافق واسع ولكي لا تبقى رهينة طرف معين، وهناك أسباب سياسيةً"، مؤكدا أن "النخب السياسية والمحكمة الدستورية وقعا ضحية هذا الخطأ في المرحلة الانتقالية".
وتابع أن "المحكمة بدل ترشيد الحياة السياسية تحولت إلى جزء من الإشكال"، مضيفا أن "على النواب الحاليين التحلي بالحكمة بعيدا عن المغالبة والغلبة".
وبيّن أستاذ القانون العام عبد العزيز الجزيري أنه "كان من المفروض إرساء المحكمة الدستورية في أجل لا يتعدى العام 2015، ولكن رغم ذلك تأجل الأمر، ولذلك كلفة سياسية وقانونية".
وبيّن أن "الآثار تكمن في رقابة دستورية القوانين، لأنه في غياب هذه المؤسسة بقيت عدة مجالات خارج رقابة المحكمة"، مبينا أن "رئيس الجمهورية لم يتمكن من ممارسة حقه في الطعن في مشروعية اتفاقيات دولية، إذ تمت المصادقة على 340 مشروع قانون، نصفها معاهدات دولية"، مؤكدا أن "النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب لم يتم التثبت من مطابقته لعدة شروط لغياب المحكمة الدستورية".
وبالنسبة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في ظل غياب المحكمة، أكد أن الهيئة الوقتية لا تتمتع بالقدرة على مراقبة دستورية القوانين الشرعية اللازمة، ما أضعف القرارات الصادرة عنها، ومنها القانون المتعلق بالسجل الوطني للمؤسسات. وعلى المستوى السياسي، لفت إلى أمثلة من قبيل التنازع على الصلاحيات ومسألة إعفاء الرئيس، وهو ما قد يؤدي إلى عرقلة المؤسسات.
وأكد الأستاذ في القانون الدستوري شاكر الحوكي أنه لو كانت المحكمة الدستورية موجودة لأمكن تعزيز الانتقال الديمقراطي، والنظر في النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، والبت في الحالة الاستثنائية بعد إعلان الطوارئ، والنظر في الشغور بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، مؤكدا أن هناك مجهودا من قبل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي نجحت في دورها.
ولاحظ أن "هذا الغياب لم يؤثر في دواليب الدولة التي تواصل عملها"، مبينا أن "الحاجة إلى هذه المؤسسة تطرح في فرضيات معينة، مثل بروز نزاع في الاختصاص بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة".
وبيّن أنه "في حالة تعديل الدستور يمكن اللجوء إلى المحكمة الدستورية، ولكن الوضع الحالي يعفينا من ذلك، وقد تطرح المسألة في صورة المصادقة على اتفاقيات دولية تثير حساسيات معينة".
رغم ذلك، يرى الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "قد يكون حصل تهويل لغياب إرساء المحكمة الدستورية وتضخيم لدورها"، مبينا أن "عديد المسائل التي تثار ليست من دور المحكمة، وهي ليست الحل لفض كل المشاكل، ولن يكون بوسعها إلغاء القوانين إلا في حالات معينة، كما أن وجودها وتركيبتها قد يطرح عدة تناقضات"، وأكد أن "العبرة ليست بالهيئات، فعدة دول متقدمة لا توجد فيها محكمة دستورية، وإنما في الثقة والعقليات".