"المال السياسي" يختبر وعود تبون في الانتخابات الجزائرية المبكرة

12 مارس 2021
ستجري الانتخابات المبكرة في الجزائر يوم 12 يونيو المقبل (Getty)
+ الخط -

لا شك بأن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وضع منذ أول خطاب لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2019، محاربة المال المتنفذ في الشأن السياسي أهم ركيزة في سياسته، واتخذ ذلك أبعاداً تنظيمية في سلسلة قرارات وقوانين، كان آخرها القانون الانتخابي الجديد الذي صدر ليل أمس، الخميس، لكن السؤال الذي يطرح هنا هل توجهات تبون قابلة للتطبيق في واقع سياسي ومحلي بالغ التعقيد، نتيجة عقود من الممارسات السلبية في المشهدين السياسي والانتخابي في الجزائر؟

منذ تعيينه رئيساً للحكومة في يونيو/حزيران 2017، اتخذ تبون من محاربة المال السياسي وكارتيلات رجال الأعمال المتنفذين في المؤسسات السياسية والبرلمان هدفاً رئيساً لسياساته، لكن هذه السياسات كلفته حينها الإطاحة به من رئاسة الحكومة في ظرف شهرين، نتيجة تحالف الكارتيل المالي مع محيط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لتلعب الأقدار دورها في تحويل هذه القصة السياسية نفسها إلى رأس مال ورصيد لصالح تبون، خدمته بشكل كبير في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 2019، خاصة أنها ترافقت مع سلسلة من الفضائح وقضايا الفساد الصادمة.

وبمناسبة الانتخابات البرلمانية المسبقة، يجد الرئيس تبون الفرصة كاملة ومناسبة للقضاء على رأس المال السياسي، الذي وإضافة إلى تعفينه للساحة السياسية، فإنه أضر بشكل بالغ بمصداقية الاستحقاقات الانتخابية السابقة والمؤسسات المنتخبة، ووضعها بين فكي الكاتل المالي المركزي والمحلي، وبدا حرص الرئيس تبون على وضع أقصى التدابير والمواد في القانون الانتخابي الجديد، لسد كل المنافذ على المال السياسي، وسن بنود ردعية قاسية ضد كل ممارسة ذات صلة.

وعند استعراض القانون الانتخابي الجديد، الذي أعلن عنه أمس الخميس، يتضح ذلك، إذ يقصي القانون من الترشح كل شخص تعرف عنه صلته سابقاً برؤوس أموال مشبوهة، أو تورطه في تمويلات مشبوهة للحملات الانتخابية، ويقتضي حرفياً أن "لا يكون المرشح معروفاً لدى العامة بصلته مع أوساط المال والأعمال المشبوهة وتأثيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الاختيار الحر للناخبين وحسن سير العملية الانتخابية".

كما يشدد القانون على العقوبات التي تصل إلى حدود السجن ثلاث سنوات لـ"كل من قام بتمويل أو استفاد من تمويل مخالف للقانون"، أو "استعمل أملاك ووسائل الإدارة أو الأملاك العمومية لفائدة حزب أو مترشح أو قائمة مترشحين".

كذلك نص القانون على منع شراء الأصوات أو بيعها خلال الانتخابات، ومعاقبة من يثبت تورطه بالسجن مدة تصل إلى عامين لـ"كل من قدم هبات، نقداً أو عيناً، أو وعد بتقديمها، وكذلك كل من وعد بوظائف عمومية أو خاصة، أو مزايا أخرى خاصة، قـصد التأثير على الناخبين عند قيامهم بالتصويت، وكل من حصل أو حاول الحصول على أصواتهم، سواء مباشرة أو بواسطة الغير، وكل من حمل أو حاول أن يحمل ناخباً أو عدة ناخبين على الامتناع عن التصويت". 

ويحدد القانون الانتخابي المصادر الرئيسة لتمويل الحملة الانتخابية من مساهمة الأحزاب السياسية والمساهمة الشخصية للمترشح، والمساعدات المحتملة من الدولة للمترشحين الشباب في القوائم المستقلة، والهبات التي يقدمها جزائريون مقيمون في الخارج.
ويحظر القانون على كل مترشح تلقي أي مساعدات مادية أو عينية من أي دولة أجنبية أو أي شخص طبيعي أو معنوي من جنسية أجنبية، ما عد الهبات.

وحدد القانون المبلغ الأقصى الممكن صرفه في الحملة الانتخابية بما يعادل ألفي يورو لكل مترشح، وحدا أقصى بـ20 ألف يورو للقائمة المرشحة للانتخابات البرلمانية.

 كما يفرض على القوائم المرشحة إبلاغ السلطة العليا للانتخابات وجوباً بقائمة الهبات التي تلقتها لدعم حملتها الانتخابية وقائمة الواهبين، على ألا تتجاوز قيمة الهبات ألفي يورو، وتحصل القوائم التي تحوز على 20 في المائة من الأصوات على تعويض من الدولة بقيمة 20 بالمائة من نفقات الحملة.

ونص القانون على وجود لجنة مراقبة تمويل حسابات الحملة الانتخابية وصرف نفقاتها، ويجبر المترشحون على فتح حسابات مصرفية أكثر شفافية في حركة الأموال المقدمة في إطار الحملة الانتخابية.

وتجبر القوائم المرشحة سواء كانت مستقلة أو حزبية على تعيين أمين مالي للحملة الانتخابية، على أن تقدم الحسابات لاحقاً إلى مـحافظ ومدقق الحسابات. 

وفي السياق، يرى النائب السابق في البرلمان أحمد إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مجموع البنود المشددة التي تحارب المال السياسي، وتسد منافذ الفساد في الانتخابات، بالغة الأهمية، ويمكن أن تعبر عن نوايا سياسية صادقة بالنسبة للرئيس تبون والسلطة، لتعزيز ضمان نزاهة الانتخابات.

 لكن المتحدث أشار، في المقابل، إلى أن "المشكلة في الجزائر لم تكن في النصوص القانونية على الإطلاق، بل بالعقبات التي كانت تعترض القوانين السابقة منذ انتخابات عام 1997. كذلك السلطة والرؤساء كانوا يعدون بالنزاهة دائماً لكن الواقع والنتائج والممارسات كانت تؤكد عكس ذلك".

وأوضح أن "جميع الأحزاب السياسية لديها الرغبة في أن تكون الانتخابات نزيهة، لكن ذلك غير كاف، لأن السلطة في السابق طورت أيضاً أدوات التزوير".

وأمل بأن تكون انتخابات 12 يونيو/حزيران المقبل بداية حقيقية لمرحلة انتخابية تعبر بصدق عن المنافسة النزيهة وإرادة الشعب.

المساهمون