استأنفت "الإدارة الذاتية" ذات الطابع الكردي في شمال شرقي سورية، جهدها في كتابة "عقد اجتماعي"، تشدد على أنه مخصص لتنظيم العلاقة بينها وبين سكّان منطقة شرقي الفرات في سورية، في وقت يخشى النظام والمعارضة على حدّ سواء من أن تؤدي الخطوة إلى ترسيخ الواقع السياسي في هذه المنطقة التي يشكل العرب غالبية سكانها.
اجتماعات متواصلة للإدارة الذاتية في الحسكة
ومنذ أيام، تعقد لجنة شكلتها "الإدارة الذاتية" في منتصف العام الماضي، اجتماعات في مدينة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، لإعداد مسودة تنظم عمل الإدارة في المنطقة من جميع النواحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبحسب مصادر محلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن اللجنة علّقت اجتماعاتها أمس الأول الأربعاء، لسوء الأحوال الجوية، موضحة أن غالبية أعضاء اللجنة لم يتمكنوا من الوصول إلى الحسكة بسبب تساقط الثلوج.
وتضم اللجنة الموسّعة 158 عضواً، وانبثقت عنها لجنة مصغرة مؤلفة من 30 عضواً منوط بهم كتابة مواد هذا العقد الذي يعد بمثابة دستور للمناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
ويشكل العرب غالبية سكّان منطقة شرقي الفرات التي تضم مكونات سورية أخرى، مثل الأكراد والتركمان والسريان الآشوريين.
وتسيطر "قسد" على جلّ منطقة شرقي نهر الفرات، وعلى منبج ومناطق في ريف حلب الشمالي غربي الفرات، بالإضافة إلى أحياء داخل مدينة حلب، كبرى مدن شمالي سورية، وشريط من القرى جنوبي نهر الفرات في ريف الرقة الغربي.
وكانت "الإدارة الذاتية" الكردية قد وضعت عقداً اجتماعياً في عام 2013 لإدارة المنطقة، ولكن "قسد" فرضت سيطرتها بعد ذلك العام على مناطق كثيرة، وباتت سلطة أمر واقع، ما يستدعى عقداً جديداً.
إبراهيم مسلم: العقد الجديد سيعيد تكوين مؤسسات الإدارة، ليصار بعدها إلى تشكيل مفوضية للانتخابات
وأوضح أكرم المحشوش، عضو اللجنة المصغرة ممثلاً لحزب المحافظين الذي يقوده الشيخ حميدي دهام الجربا، شيخ مشايخ قبيلة شمّر، أن "كل المكونات العرقية ممثلة في اللجنة، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، حاجة المنطقة "إلى قوانين تنظمها".
وأعاد المحشوش التذكير بأن اللجنة "تعمل على هذا العقد منذ العام الماضي"، لافتاً إلى أن "المسودة ستعرض على المجالس المحلية في منطقة شرقي الفرات، وإذا طُبّق العقد، فسيكون له مفعول إيجابي على كل مكونات المنطقة".
وأشار عضو اللجنة إلى أنه "من الممكن تعديل هذا العقد في حال جرى تفاهم مع الدولة السورية"، كما لفت إلى "الخصوصية التي تتمتع بها بعض مكونات المنطقة، مثل السريان والأيزيديين، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة "ستشهد انتخابات، ستكون فيها حصّة لهذه المكونات".
والانتخابات تشمل انتخاب مجلس تشريعي لمناطق الإدارة، ومجلس تنفيذي يتضمن مجالس كانتونات (أقاليم) ومقاطعات (محافظات) وكومينات (بلدات).
تعديلات على العقد الاجتماعي السابق
وحول طبيعة عمل اللجنة حالياً، أوضح الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" إبراهيم مسلم، أنه "يجري حذف مواد وإضافة أخرى إلى العقد الاجتماعي المعمول به منذ عام 2013".
ولفت في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن العقد الجديد "سيحدد شكل الإدارة الذاتية بعد إعادة هيكلة مؤسساتها، بما يتوافق مع المستجدات في المنطقة التي تسيطر عليها".
وأوضح مسلم أن العقد الجديد "سيعيد تكوين مؤسسات الإدارة، ليصار بعدها إلى تشكيل مفوضية للانتخابات"، لافتاً إلى أن اللجنة المكلفة بصياغة العقد الاجتماعي ولجان المتابعة "كلّها انبثقت عن مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات الذي عقد في عام 2020".
وأوضح أن العقد "سيطبق في شرق الفرات ومنبج والشهباء (شمال حلب)، وفي أحياء من مدينة حلب".
ولم ينخرط المجلس الوطني الكردي، وهو أحد الكيانات السياسية الفاعلة في المشهد السوري الكردي، وجزء من "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، في عملية كتابة العقد الاجتماعي في شمال شرقي سورية، بسبب خلافات مع أحزاب "الإدارة الذاتية"، وأبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يُنظر اليه باعتباره النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني، المصنف تنظيماً إرهابياً لدى عدد من الدول.
وقال عضو المجلس الوطني الكردي، محمد إسماعيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المجلس "لن يعترف بأي عمل منفرد لا جدوى منه بالنسبة للمنطقة"، مشيراً إلى أن العقد الاجتماعي السابق "لم تعمل به الإدارة الذاتية".
وحول مطالب ورؤية المجلس، أضاف إسماعيل: "نحن نريد تعديل هذا العقد الاجتماعي وفق رؤية مشتركة تشاركية، على أن يكون لصالح المنطقة والجميع، ولا يتعارض مع الدستور العام في سورية".
تعمل اللجنة على إجراء تعديلات على العقد الاجتماعي المعمول به منذ 2013
وفي رده على سؤال حول تحضيرات "الإدارة الذاتية" لانتخابات عامة وتأثير ذلك على الحوار الكردي - الكردي المتوقف حالياً، أشار إسماعيل إلى أن "هناك بنداً تم الاتفاق عليه في الحوار ينص على تشكيل مفوضية عليا لانتخابات مشتركة، مناصفة بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية المنضوية في الإدارة الكردية، أما انتخابات من طرف واحد وبإيديولوجية حزب واحد، فهذا شأنهم".
وشدّد على أنه "لا تثبيت لأخطاء لا تخدم المنطقة ولا تخدم وحدة الموقف الكردي ولا تخدم ظروف المنطقة ككل".
وفيما لم يصدر بعد أي موقف له من "العقد الاجتماعي"، فإن النظام السوري يرفض جميع الخطوات التي تتخذها الإدارة الذاتية في المنطقة، لأنها تكرس الواقع السياسي الموجود في منطقة شرقي نهر الفرات، وترسخ سلطة الأمر الواقع المتمثلة بـ"قسد" والمؤسسات والكيانات المرتبطة بها.
ولم يجتمع النظام السوري والمعارضة على أمر مثلما اتفقا على مناهضة الإجراءات الأحادية التي تقوم بها "الإدارة الذاتية" منذ سيطرتها على نحو ثلث سورية على مدى أعوام عدة، وهو الثلث الذي يضم معظم ثروات البلاد، ويُنظر إليه على أنه "سورية المفيدة".
ويريد النظام استرجاع هذه المنطقة بلا شروط أو تنازلات ما خلا منح بعض الحقوق الثقافية للأكراد السوريين، بينما تطالب "الإدارة الذاتية" بالاعتراف بها بشكل قانوني واعتبار "قسد" جزءاً من الجيش السوري، وهو ما رفضه النظام في جلسات حوار عقدت بإشراف روسي.
من جهتها، تنظر المعارضة السورية الممثلة بـ"الائتلاف الوطني" إلى "قسد" على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، وتتهمها بالتأسيس لإقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية.
ورفض الائتلاف أكثر من مرة الاستجابة لدعوات من مجلس سورية الديمقراطي (مسد - الذراع السياسية لقسد) إلى الجلوس حول طاولة حوار للبحث في مستقبل شمال شرقي سورية، قبل إعلان قوات "قسد" فك الارتباط بـ"الكردستاني" وطرد كوادره من سورية.
من جهتها، أكدت قوات "قسد" في الكثير من المناسبات أنها "مع وحدة سورية"، لكنها تريد دولة ديمقراطية لا مركزية، وإقراراً دستورياً بحقوق كل المكونات القومية والدينية والاجتماعية في البلاد.