تتجه أنظار الليبيين إلى العاصمة التونسية، التي انطلقت فيها لقاءات ملتقى الحوار السياسي لمدة ستة أيام، وتضم 75 شخصية ليبية، أكدت البعثة الأممية التي تشرف على أعمال الملتقى أنهم "يمثلون كافة التوجهات السياسية والاجتماعية"، محددة مهام الملتقى في "تشكيل سلطة موحدة"، والعمل على التوافق على قاعدة دستورية للتمهيد لانتخابات في أقرب وقت ممكن.
ورغم عديد الاعتراضات، من جانب أطراف ليبية، على قائمة الأسماء التي أعلنتها البعثة الأممية للمشاركين في الملتقى، كونهم "لا يملكون ثقلا سياسيا ولا عسكريا"، بحسب تعبير بيان لقوى مسلحة بطرابلس، إلا أن آراء قطاع من الليبيين تبدو مختلفة بشأن الآمال المعقودة على الملتقى.
ويبدي رمضان حلوم، وهو مواطن من تاجوراء، شرق طرابلس، تفاؤله الكبير بقدرة المشاركين في الملتقى على تجاوز خلافاتهم السياسية، خصوصا بعد تعهدهم بعدم الترشح لأي منصب كبير، وقال متحدثا لـ"العربي الجديد"، إن "قبولهم بعدم الترشح لأي منصب يعني انعدام المصالح الخاصة ووجودهم في الملتقى دافعه الحقيقي الوصول إلى حل قد يخرجنا من أزمة طالت".
وعبر حلوم عن ارتياحه لتقليص دور كل الأجسام السياسية الحالية في صناعة قرار المشهد المقبل.
وهو ما يتفق معه مروان ذويب، المحلل السياسي الليبي، بقوله إن "ممثلي مجلسي النواب والدولة هم فقط 23 من أصل 75، ما يعني ثلث المشاركين، وبالتالي لن يكون بمقدورهم التأثير على قرارات الملتقى"، مشددا على أن الليبيين باتوا على قناعة بأن المجلسين والطبقة السياسية الحالية سبب في استمرار الأزمة.
ويلفت ذويب في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن أعضاء المجلسين أدركا قناعة المجتمع الدولي بدورهم في استمرار الأزمة، ولذا ذهبوا للقاء في بوزنيقة قبل ملتقى تونس بأيام والتأكيد على دورهم في تجسيد الملكية الليبية الكاملة للعملية السياسية لاستعادة دورهم.
ويقر المحلل الليبي بوجود الكثير من العراقيل التي تجاوزتها البعثة في مسارات بحثها عن حل ليبي، منها تجاهل مسودة الدستور التي توافق المشاركون في محاور الحوار الدستوري، في القاهرة، على الكثير من نقاط الخلاف فيها، وذهاب البعثة إلى اقتراح مرحلة انتقالية، لكنه يرى أن "البعثة يبدو أنها وجدت صيغة مناسبة وملزمة عندما وصفت المرحلة المقبلة بالتمهيدية، وهو ما يلزم قادة المشهد الجديد بضرورة العمل على إيجاد قاعدة دستورية متوافق عليها للخروج إلى انتخابات ومرحلة دائمة".
لكن في المقابل يرى المواطن أحمد المهدي، من سبها، جنوب البلاد، أن الملتقى تكرار لملتقيات سابقة، متسائلا "ما الذي استجد والواقع ذاته؟ فلماذا الاتفاقات الجديدة بعد الصخيرات إن لم تكن تلبية لمصالح الأطراف الخارجية؟"، مشيرا إلى أن أي توافق يجب أن يستند إلى تفاهم المسلحين على الأرض.
ضرورة نزع السلاح
واتفق طرفا الصراع في ليبيا على وقف دائم لإطلاق النار، وقع بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة في جنيف يوم 23 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وكذلك تشكيل لجنة لمتابعة حل وسحب سلاح طرفي القتال، في غدامس، الأسبوع الماضي، لكن المهدي لا يراه في حديثه لـ"العربي الجديد" كافيا، فــ"طلقة رصاص واحدة كفيلة بتقويض كل شيء. يجب تطبيق الاتفاق على الأرض وليس على الورق في غدامس وجنيف برعاية الأجانب"، بحسب المهدي.
ويذكر المهدي أن انهيار الثقة بين المتصارعين سيجعل أي مدينة ليبية تحتضن الحكومة الجديدة مصنفة على طرف، ويلفت إلى أن تمثيل الأقاليم الجغرافية في السلطة الجديدة لن يكون ضامنا، فقد كان معيارا في اتفاق الصخيرات لتشكيل سلطة التوافق الحالية، مؤكدا أنه "دون نزع السلاح أو على الأقل ابتعاد الطرفين بمسافات كافية فلن يكون لاتفاق تونس أي أثر على الواقع".
وتبدو أسباب المهدي مقنعة للمتابع، بحسب ذويب، لكنه يرى أن اختلاف المعطيات في ميدان القتال تغيرت بشكل كبير "وعلاوة على انكسار شوكة حفتر ومليشياته فكلا الطرفين أنهكتهما الحرب ولم يعودا يرغبان في الاستمرار بالقتال".
وبحسب قراءة حلوم المتفائلة، فإن "الاتفاق الجديد لن يخلق طبقة سياسية جديدة ولكنه على الأغلب سيفرز شخصيات من الطبقة الحالية ثبت أنها قادرة على فرض قراراتها داخليا والموازنة بين مصالح المتدخلين الخارجيين".
ويضيف في هذا السياق: "أعتقد أن الملتقى إذا استطاع التوافق حول خطة لإدارة ثروات النفط سيتجاوز الكثير من الخلافات الداخلية المتصلة بمصالح الدول الخارجية، لأن هذا هو الملف الذي يقف منذ البداية وراء كل الصراعات".
ولا تلقي كريمة الجازوي، وهي مواطنة من بنغازي، بالاً لما قد ينتجه ملتقى الحوار، وتقول متحدثة لـ"العربي الجديد"، إن الحوار "لا يتصل بمتطلبات حياتي كمواطنة، لا أطمح لأكثر من معاشي اليومي".
وإن أقرت الجازوي بأهمية وقف الحرب، لكنها تتساءل "هل ستعوض الحكومات الجديدة من فقد منزله أو ابنه في الحروب؟ وهل ستستطيع خفض جنون الأسعار وحسابي في البنك مليء بالأرقام دون أموال؟"، مؤكدة أن كلامها لسان حال ليبيين كثر.
ولا يوافقها ناصر العطوشي، وهو مواطن من زوارة، غرب البلاد، الذي يرى أن التصريحات بشأن الملتقى "حتى الآن مطمئنة جدا، والقوتان اقتنعتا بأن الحل العسكري مستحيل".
ويضيف "قد يكون هذا الملتقى لا يختلف كثيرا عن اللقاءات السابقة التي حدثت في غرف مقفلة وبعيدة، ولن يختلف كثيرا بشأن مصالح القادة والدول التي تدعمهم، وحتى وإن اتفقوا حول الانتخابات فمن سيفوز غير الأقوياء والقادة الحاليين؟"، لكنه يؤكد أن ما يعنيه قناعة الجميع بضرورة وقف الحرب وبدء الإصلاحات.