تتفاوت نظرة الليبيين لمسارات حل أزمة البلاد التي تقودها الأمم المتحدة، وينتظر أن تُتوجها بملتقى شامل للحوار السياسي بتونس في الأسابيع المقبلة، بين مرحب متفائل ومشكك في جدواها ويعتبرها مشاهد تتكرر دون الوصول إلى حل يمس عمق مشاكل المواطن.
حق يراد به باطل
ولا تزال جهود البعثة الأممية في ليبيا تواجه انتقادات مسؤولين ليبيين، بعد إعلانها تحديد الأسماء المشاركة في ملتقى الحوار الوطني الشامل، المرتقب عقده في تونس في التاسع من الشهر المقبل، يطالبها بعضهم بتوضيح آليات اختيار الأسماء والتي تتضمنها قائمة أسماء المشاركين في الملتقى، ويتهم البعض الآخر البعثة بالسعي لإطالة أمد الفترات الانتقالية، لكن سليمان الفاندي، مواطن من طرابلس، يصف تلك الانتقادات بـ"الحق الذي أريد به الباطل؛ فالمنتقدون وجوه سياسية ساهمت في استمرار الأزمة، وانتقاداتهم جاءت فقط لعرقلة الملتقى الذي سينهي وجودهم".
وعلى الرغم من عدم إعلانها عن إشرافها على الملتقيات الليبية التي التأمت في بوزنيقة المغربية ومونترو السويسرية، إلا أن البعثة اقتصرت على الترحيب بها واعتبرتها داعماً لجهودها، فيما تبنت توصيات لقاء أمني ليبي انعقد نهاية الشهر الماضي في الغردقة المصرية، وهي توصيات لا تبدو في مجملها تختلف عن نتائج اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 في جنيف السويسرية، التي انتهت الجمعة الماضية.
خفض سقف المطالب
ورافق غالبية مسارات الحل، جدل ليبي واسع بشأن غموض أسماء من شارك فيها أو حول نتائجها التي لم تعلن بشكل كامل، ورغم ذلك تبدو نظرة الفاندي متفائلة بشكل كبير، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنها "أفضل الممكن. ولو لم تحقق تلك الاجتماعات إلا وقف الرصاص والدماء فهذا يكفي بالنسبة للمواطن". ويوضح أنه "بسبب استمرار الأزمة والمعارك خفّضت من سقف مطالبي وكذلك بالنسبة للمواطن ولم يعد يعنينا سوى حكومة موحدة توفّر الخدمات وتوقف الحرب".
وهي مطالب قطاع كبير من الليبيين، بحسب محمود الدايمي، رئيس مركز البديل للبحوث والتنمية السياسية (أهلي)، فخلق أزمات تتصل بالمواطن مباشرة كغياب الكهرباء والماء والسيولة أبعد المواطن عن مواكبة أي شيء وانشغل فقط في السعي وراء تأمين ضرورياته، مؤكداً أن "مشهد الحرب المؤلم ونتائجها الكارثية التي عاشها المواطن طيلة أكثر من 9 أعوام منذ الثورة ودخولها منعطف خطير منذ إقدام اللواء الليبي المتقاعد على الهجوم على طرابلس العام الماضي، كل ذلك خلق له شعوراً كارهاً للطبقة الحاكمة وتعلقت آماله بأي بديل".
الاهتمام بالاتفاق العسكري
ولم يهتم الفاندي بمحتوى تفاهمات بوزنيقة المتعلقة بالمناصب السياسية ولا بالمسار الدستوري الذي انعقدت جلساته في القاهرة منتصف الشهر الجاري، بل أكد أنه تابع باهتمام تفاصيل الاتفاق العسكري ويتابع عن كثب جديد إعلانات الأمم المتحدة عن الإعداد لملتقى الحوار الجامع المقبل، وفيما يشير الفاندي إلى ازدحام المقاهي وكثرة المتحلقين حول شاشات النقل المباشر في الساحات العامة لمعرفة ما تفاهم عليه قادة الحرب، يقول: "لم يكن يعنيني سوى وقف القتال وكان مبهجاً الاتفاق على فتح الطرقات البرية وفتح المطارات وعودة النفط لعل عجلة الاقتصاد تدور"، لكنها "مجرد فقاعات إعلامية وحبر سال على أوراق سابقة لم تلق طريقها للتطبيق بل لم تر النور أصلاً"، بحسب المهدي الحطماني، المواطن من سبها جنوبي البلاد.
اتفاق جنيف
وتضمن اتفاق جنيف العسكري بين وفدي اللجنة العسكرية المشتركة 12 بنداً، نص بعضها على إخلاء خطوط التماس من الوحدات العسكرية ومغادرة المرتزقة في غضون ثلاثة أشهر، إضافة إلى تشكيل قوة عسكرية مشتركة تشرف على تأمين مناطق التوتر، وسط البلاد، وفتح مسارات الطرق البرية والجوية، بالإضافة لتبادل الأسرى والمحتجزين وجثامين قتلى الحرب.
ولا يرى الحطماني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أي أفق قريب لتطبيق اتفاق جنيف، مشيراً إلى أن تبادل الأسرى والجثامين "لن يرقّع خرق النسيج الاجتماعي الذي ساهمت فيه الحروب"، مؤكداً أنه "شاهد العشرات من المرتزقة الأفارقة يسيرون حواجز التفتيش داخل الجفرة وفي محيطها ويجرون التحقيقات مع المارة حتى ولو كانوا من سكان المنطقة".
ويتساءل الحطماني "أي توافق يمكن أن ينتجه سياسيون لا مقدرة لديهم على فرض نتائجهم على الأرض وإذا كان الاتفاق تحدث عن تأمين سرت فماذا عن مناطق الجنوب التي ينتشر فيها مئات المرتزقة الأفارقة والأجانب؟".
ويتابع: "الحوار السياسي المقبل أعلنت الأمم المتحدة نتائجه مسبقاً، وهو الاتفاق على حكومة موحدة لكن سيطرتها لن تتجاوز سرت كما لم تتجاوز حكومة الوفاق سيطرتها طرابلس وبعض المدن"، معتبراً أن "أساس الحل هو جمع السلاح وانتزاع السلطة من المليشيات".
رفض نهج البعثة
ولم تعلن اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 حتى الآن عن تشكيل فروعها التي ستنفذ بنود الاتفاق، لكن مصلحة الطيران المدني أعلنت عن استئناف الرحلات الجوية بين طرابلس وبنغازي منذ الأسبوع الماضي، فيما لا تزال الطرقات الرابطة بين الشرق والغرب مغلقة، لا سيما الطريق الساحلي المار بمدينة سرت.
وأعلنت اللجنة السياسية المنبثقة عن غرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة التابعة لقوات حكومة الوفاق، الإثنين الماضي، عن رفضها لــ"نهج البعثة الأممية حول الملتقى السياسي الشامل".
وبينما اعتبرت اللجنة، في بيان لها، أن نهج البعثة يسعى لـ"إطالة الفترة الانتقالية ويبعد فرضية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية"، طالبت بتوسيع دائرة المشاركين في الملتقى.
انعدام الثقة
وفي إطار تجاوبها مع مطالب المنتقدين لطريقة إدارتها لمباحثات مسارات الحل، أعلنت البعثة الأممية، أمس الأربعاء، عن إطلاقها منصة إلكترونية لـ"الحوار الليبي"، بهدف التواصل والتفاعل مع أكبر عدد ممكن من الليبيات والليبيين من مختلف مناطق ليبيا وخارجها، بشكل مباشر، طيلة فترة انعقاد ملتقى الحوار السياسي الليبي.
لكن الدايمي يؤكد، لـ"العربي الجديد" أن نسبة المتفائلين بنتائج الاجتماعات الماضية والمرتقبة في أوسط الليبيين متدنية، ويقول إن "الراصد لتفاعل مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات النشطاء الليبيين سيلاحظ انعدام ثقة المتفاعلين بقائمة أسماء المشاركين في الحوار السياسي المرتقب، فبعضهم دعم صراحة الحرب وعُرف عن بعضهم رفض لأي تسوية سلمية".
وفي البيضاء شرق البلاد تساءل يوسف غيظان، أستاذ جامعي، عن تجاوز البعثة للمسار الدستوري "والقفز مباشرة للمسار السياسي"، ما يؤكد برأيه أن الأمم المتحدة لا تريد إنهاء الفترات الانتقالية التي لا مبرر لاستمرارها إذا اتفق المشاركون على دستور.
ويرى غيظان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "كل جهود الأمم المتحدة مفخخة ولا تقول الصدق"، متسائلاً عن عدم "تسمية اتفاق جنيف روسيا وتركيا عندما طالب بمغادرة المقاتلين الأجانب؟، ولماذا كل هذه السرعة في عقد الاجتماعات والخروج بنتائج بعضها؟، مجيباً بأنه "لا يعرف حتى الآن". وأبدى استغرابه لأن رغم ذلك تعلق الأمم المتحدة آمالاً على جدية المشاركين في ملتقى الحوار السياسي المقبل.