ساد هدوء مشوب بالحذر، اليوم السبت، المنطقة العازلة بالكركرات، بعد 24 ساعة من طرد الجيش المغربي لعناصر محسوبة على جبهة "البوليساريو" من المنطقة، وذلك إثر نحو ثلاثة أسابيع من التوتر الشديد جراء إغلاق المعبر الحدودي الفاصل بين المغرب وموريتانيا.
ويأتي هذا بالرغم من تهديدات جبهة "البوليساريو" وإعلانها رسمياً "نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار" السائد منذ 6 سبتمبر/ أيلول 1991، وتوجيهها باتخاذ الإجراءات والتدابير المتعلقة بتنفيذ مقتضيات حالة الحرب، وفيما عبر الاتحاد الأفريقي عن قلقه إزاء هذه التطورات، دعت روسيا إلى ضبط النفس ووقف التصعيد بين الجانبين.
وذكر شهود عيان لـ"العربي الجديد" أنّ الأوضاع في معبر الكركرات، صباح السبت، عادت إلى طبيعتها، في ظل وجود عناصر القوات المسلحة الملكية التي أشرفت وحدات تقنية وهندسية تابعة لها على تعبيد الطريق بين المعبر المغربي والمعبر الموريتاني، بعد أن كانت عناصر "البوليساريو" قد عمدت إلى تخريبه، بعد إغلاقه.
في موازاة ذلك، تمكن الجيش المغربي من تأمين الطريق لقوات بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "مينورسو"، ما جعلها قادرة على تسيير دوريات تفقدية بالمنطقة العازلة.
في هذه الأثناء، لا يستبعد مراقبون مغاربة أن تلجأ قوات "البوليساريو" إلى تنفيذ أعمال استفزازية و"مناوشات" على طول الجدار الأمني المغربي من أجل دفع الجيش المغربي إلى الرد، ولا سيما في ظل أجواء الحشد التي تقوم بها في المخيمات وإعلانها النفير للحرب.
وبرأي المراقبين، فإنّ التدخل العسكري الناجح لإعادة فتح معبر الكركرات الحدودي وصد الهجوم الذي شنته "البوليساريو" في منطقة المحبس، كان عنواناً بارزاً للاستراتيجية المغربية الجديدة في التعامل مع تحركات واستفزازات الجبهة المستمرة في منطقة الكركرات منذ 2016، وهي الاستراتيجية القائمة على الحزم وعدم التساهل مع أي استفزاز أو محاولة لفرض واقع جديد في المنطقة.
وفيما تتجه الأنظار إلى التحرك الأممي لتلافي صدام عسكري في الصحراء، يبدو أنّ الرباط سائرة في طريق ربح المعركة الدبلوماسية في صراعها مع "البوليساريو"، بفضل المنهجية التي اعتمدتها خلال تدخلها العسكري لفتح معبر الكركرات، من خلال الالتزام بضبط النفس والحرص على عدم وقوع قتلى أو جرحى خلال تدخل قواتها العسكرية لتأمين معبر الكركرات.
وفي هذا السياق، تواصل إعلان العديد من الدول، خاصة العربية، عن دعمها للموقف المغربي في قضية الكركرات، فبعد قطر والإمارات والبحرين، أعلنت كل من الأردن والسعودية وسلطنة عمان، اليوم السبت، عن تأييدها للإجراءات التي اتخذها المغرب في المنطقة، مع تجديد لموقفها الثابت والمبدئي في دعم سيادة المغرب ووحدة ترابه.
في الوقت نفسه، رحّب المفوض الأوروبي للجوار والتوسع أوليفر فاريلي، اليوم السبت، بتشبث المغرب بوقف إطلاق النار.
وقال فاريلي في تغريدة على حسابه في "تويتر" "أنوه بتشبث المغرب بوقف إطلاق النار. إن ضمان حرية تنقل الأشخاص والبضائع أمر أساسي". وأكد أن "التوترات يجب أن تفسح المجال أمام العملية السياسية"، مشدداً على أنه "من الضروري الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي للجوار".
#Sahara_Occidental Les tensions doivent laisser place au processus politique. Je salue l’attachement par le Maroc au cessez-le-feu. Garantir la libre circulation des personnes&des biens est fondamentale. Préserver la stabilité politique et économique du voisinage est primordiale.
— Oliver Varhelyi (@OliverVarhelyi) November 14, 2020
قلق أفريقي من إعلان "البوليساريو"
في المقابل، يبدو أن قيادة "البوليساريو" تراهن على المزيد من التصعيد من أجل تحقيق ما تراه مكاسب سياسية، من خلال إثارة انتباه المجتمع الدولي إلى الجمود الذي يعرفه ملف الصحراء منذ استقالة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، هورسلت كوهلر، في عام 2019.
وفي السياق، أصدرت قيادة الجبهة، اليوم السبت، مرسوماً تعلن من خلاله نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار الموقع بين جبهة "البوليساريو" والمملكة المغربية سنة 1991. وأوكل المرسوم لقيادة أركان "جيش التحرير الشعبي الصحراوي" اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير المتعلقة بتنفيذ مقتضيات هذا المرسوم ضمن الاختصاص المسند إليها، كما كلف الهيئة الوطنية للأمن باتخاذ الإجراءات والتدابير المتعلقة بتنفيذ مقتضيات حالة الحرب في ما يخص تسيير وإدارة المؤسسات والهيئات الوطنية وضمان انتظام الخدمات.
وبعد هذا الإعلان، عبر الاتحاد الأفريقي، السبت، عن قلقه إزاء إعلان نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار السائد منذ 1991 بين المغرب وجبهة "البوليساريو".
وعبر رئيس المفوضية موسى فقي، في بيان، عن "قلقه العميق في أعقاب تدهور الوضع في الصحراء، وخصوصا في المنطقة العازلة في الكركرات، والتهديدات الخطيرة المتمثلة بخرق وقف إطلاق النار الساري منذ 1991".
وأشاد فقي أيضاً بجهود الأمين العام للأمم المتحدة وقوى إقليمية لحض "الأطراف على الامتناع عن أي تغيير للوضع القائم والعودة إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت".
من جانبها، أعربت الخارجية الروسية، اليوم السبت، عن قلقها إزاء جولة التصعيد الأخيرة بين الجانبين.
ودعت الوزارة في بيان نقلته "الأناضول"، "طرفي التسوية في إقليم الصحراء، وهما المغرب وجبهة البوليساريو، إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد الوضع، بالإضافة إلى الالتزام الصارم بوقف إطلاق النار".
وأضافت أن موقف روسيا المبدئي والثابت من الأزمة يقضي بأنه "لا يمكن التوصل إلى سلام عادل ومستدام في المنطقة إلا بالوسائل السياسية، وفق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة".
وأكدت الوزارة دعم روسيا لاستئناف المفاوضات بين المغرب والبوليساريو في أسرع وقت ممكن وتفعيل الجهود الرامية لإنجاز تسوية.
وأضافت أنها ستستمر بالتواصل مع جميع الأطراف المعنية من أجل إيجاد حل مرض لجميع الأطراف لهذه القضية القديمة.
"إجهاض" 3 أهداف سياسية
في ظل هذا الوضع، يرى الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية محمد شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ العملية من الناحية العسكرية والأمنية التي قادها الجيش المغربي أمس، أجهضت 3 أهداف سياسية كانت " البوليساريو" تراهن على تحقيقها.
ويتمثل أول تلك الأهداف، في رأي شقير، بعرقلة العمل في معبر الكركرات التجاري، الذي يعتبر منفذاً رئيسياً لكل البضائع والمنتجات المغربية إلى موريتانيا وباقي الدول الأفريقية، ما كان سيعتبر من الناحية العسكرية حصاراً اقتصادياً وعملاً عدوانياً صريحاً.
أما الهدف الثاني، فكان هو قيام الجبهة بنقل بعض سكان مخيمات تندوف لتوطينهم بهذه المنطقة التي تعتبر في نظرها من المناطق المحررة، في الوقت التي تعتبر ضمن المنطقة العازلة طبقا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار، والتي كلفت بعثة الأمم المتحدة بالإشراف عليها.
وأشار شقير إلى أن الهدف الثالث الذي كانت تخطط له "البوليساريو" هو تدمير المخطط الأممي الذي بدا لقيادتها أنه أصبح لا يخدم سياستها.
ويرى الباحث المغربي أنّ "العملية العسكرية، التي قامت بها القوات المسلحة تحت أنظار وتوثيق البعثة الأممية، في جوهرها إعادة الوضع إلى مجراه السابق وتفويت الفرصة على جبهة البوليساريو وحاضنتها الجزائر من تغيير هذ الوضع القائم الذي حدده اتفاق وقف إطلاق النار في 1991".