تعيش أوروبا، وبعد فترة من الهدوء النسبي، سلسلة جديدة من الهجمات الإرهابية المتطرفة بدءاً من دريسدن الألمانية ونيس الفرنسية، وأخيراً فيينا عاصمة النمسا.
وتتعامل التحليلات مع الوضع المستجد من منطلقات ومعايير مختلفة عما كان سابقاً. ودق المراقبون ناقوس الخطر مع ظهور جيل جديد من الإرهابيين، كما يتعاملون بذهنية مغايرة، فيما يتعلق بدعم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لمواجهة الفكر الإسلاموي الارهابي المتطرف، بعد أن عاد تنظيم "داعش" الإرهابي لتنفيذ إجرامه على الأراضي الأوروبية بواسطة مناصرين له.
وأبرزت صحيفة "بيلد" مؤخراً أنه، وخلال الخمس سنوات الأخيرة، انضم الآلاف من الأوروبيين إلى "داعش" في العراق وسورية، إلا أن المفارقة حالياً أن من يقوم بتنفيذ الهجمات جيل جديد من الجهاديين، وهم ممن كانوا في مرحلة المراهقة، ولم يغادروا إلى أراضي تنظيم"داعش" الإرهابي بفعل صغر سنهم، لكن يبدو أن فكرهم وارتباطهم ما زالا ثابتين بالخلافة"، والدليل أن هذا الجيل يبث الرعب في القارة العجوز.
فمثلاً، ارتكب شاب إسلامي يوم 4 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حادثة الطعن بحق سائحين في مدينة دريسدن، وأدت إلى موت أحدهما، وفي منتصف الشهر نفسه، ذبح شيشاني (18 عاماً) الأستاذ الفرنسي بالقرب من باريس، وفي فيينا نفذ ألباني يحمل الجنسية النمساوية ( 20 عاماً) عملاً إرهابياً أودى بحياة خمسة أشخاص وإصابة أكثر من 20 شخصاً بجروح خطرة.
إلى ذلك، كشفت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، أنه بات بالكاد من الممكن التعرف إلى الأنماط الواضحة لعملهم الإجرامي، ما يصعب لاحقاً مهمة المخبرين والمحققين باكتشافهم، بعدما كان الأمر أسهل، لأن الجناة كانوا يتواصلون مع مشغليهم من مليشيا "داعش" الإرهابي في سورية والعراق وأفغانستان وليبيا، هذا عدا عن أن الجرائم، أصبحت أكثر تنوعاً وانتشاراً.
وأصبح المهاجمون المحتملون أكثر استقلالية بعدما بات من الصعب تنفيذ هجمات كبيرة ومنسقة، وتشجعهم أيديولوجياتها ببساطة على تنفيذ الضربات وبوسائل بسيطة وسكين المطبخ مثلاً، فكيف السبيل إلى كشف هكذا مخطط، من دون إغفال القناعة بأنه ما زال لديهم ارتباطات بشبكات من الأشخاص المتشابهين بالتفكير يحرضون ويدعمون بعضهم البعض، علماً أن تقارير الاستخبارات الألمانية مثلاً تصنف 2060 شخصاً بالخطرين.
وعلاوة على ذلك، بات واضحاً أن هناك تقييمات غير صحيحة من قبل الأجهزة والقضاء عن نبذ هؤلاء للإسلاموية، فمنفذ عملية الطعن،دريسدن، تم تصنيف منفذ العملية من قبل الشرطة بأنه مصدر تهديد، وأطلق سراحه من السجن نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، كما أن منفذ جريمة فيينا معروف بتطرفه وسجله الإجرامي ومتعاطف من تنظيم "داعش" الإرهابي، وحُكم عليه بالسجن لمدة 22 شهراً، إلا أنه أُطلق سراحه بعد أن أمضى ثلثي مدة العقوبة، والأسوأ من ذلك أنه تمكن من الاستحواذ على سلاح حربي، والهدف طبعاً قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص في المدينة.
وتبرز التعليقات أن الإرهاب لم يغادر أوروبا، وبلدانها لم تكن على مستوى هذا التحدي المستمر لمكافحته، وعادت وارتفعت وتيرته بسرعة ونفذت أربع هجمات في شهر واحد.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "تاغس شبيغل" إلى أنه يتعين على الديمقراطيات الليبرالية ألا تستسلم، وتتصدى لخلايا التنظيمات الإرهابية التي تخطط لهجمات إرهابية متطرفة، وتعزيز قدرات وأساليب عمل أجهزتها، بما في ذلك فرض الأمن بالقوة، إذا لزم الأمر، إلى الرقابة اللصيقة للإسلاموي المصنف خطراً، بينها الاتصالات وعمليات البحث التي يقوم بها عبر الانترنت.
أما الكاتب السياسي راينر هارما، فرأى، عبر صحيفة "فرانكفورتر الغماينه"، أنه يجب أخذ ثلاثة أمور في الاعتبار في محاربة الإرهاب الجهادي: عودة "داعش" في الشرق الأوسط، مستفيداً من الفراغ في سورية وضعف مؤسسات الدولة العراقية والانسحاب الجزئي لوحدات مكافحة الإرهاب الأميركية من البلدين، وأيديولوجية الإرهاب الجهادي، وشبكاته في هذا البلد.
وحذر من خطر أكبر، إذا ما تمكن مقاتلو "داعش" من الهروب من سجن الهول الواقع في المناطق الكردية من سورية، والبالغ عددهم 10 آلاف سجين، بينهم 2000 من الأجانب، ما يهدد باستئناف نشاطهم في بلدانهم الأصلية باسم الأيديولوجية السلفية الجهادية.