عاد الحديث عن جهاز الأمن الوطني المصري، "أمن الدولة" سابقاً، سيئ السمعة في مصر، إلى الواجهة مجدداً في محافظة شمال سيناء، بسبب انتشار كوادره في عدد من الكمائن التي استحدثت أخيراً لمتابعة المواطنين، وحديث الأهالي عن اختطاف بعض أبنائهم، ومنهم نساء، وكذلك بحث عناصر الجهاز عن نشاطات تجارية للمشاركة فيها، لا سيما قضايا التهريب والممنوعات، كما كان الحال قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
انتشرت كمائن للجهاز في مدينتي العريش وبئر العبد
وبحسب روايات متعددة للأهالي، سُجل عدد من حالات الاختطاف لنساء وشيوخ في سيناء خلال الأيام الماضية، اتهموا جهاز الأمن الوطني بتنفيذها، فيما لم يُعرف مصير أي من المخطوفين. ويأتي ذلك في ظلّ عدم القدرة على إجراء وساطات لدى الجهاز بسهولة، كما يحصل مع بقية أجهزة الدولة بسبب العلاقات التي تربط الكثيرين في سيناء بقوات الجيش والشرطة والاستخبارات، وسط تخوف من تصاعد أعمال العنف ضد المواطنين والتعدي على حرياتهم ومصادر أرزاقهم.
وأوضح أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، أنه لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار كمائن لجهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقاً)، في مدينتي العريش وبئر العبد على وجه الخصوص، والطريق الرابط بينهما، وترافق ذلك مع التضييق على حركة المواطنين والتدقيق في كل تفاصيل حياتهم. كما سجّل بحسب المصدر نفسه، اختطاف 10 مواطنين في غضون أقلّ من أسبوع، منهم أربع نساء. وقال المصدر: "هنا نتحدث عن سابقة خطيرة بالتعدي على النساء، من قبل أمن الدولة على وجه التحديد، حيث التعامل اللإإنساني مع المواطنين، فكيف سيكون الحال مع نساء سيناء؟". وأضاف أن "ذلك أحدث حالة من الغضب في أوساط المواطنين، خصوصاً البدو، فالنساء المختطفات هنّ من قبيلة السواركة، إلا أن المواطنين لا يملكون قدرة على مواجهة الجهاز الأمني، خوفاً من ملاقاة المصير ذاته من الاختطاف والتغييب القسري، بلا عودة، كما جرت العادة مع آلاف المصريين، جزء منهم في شمال سيناء، منذ عام 2013".
واعتبر أن ما يجري "يمثل تعدياً صارخاً على البدو في سيناء، مع الأخذ في الاعتبار أن النساء خط أحمر لا يمكن القبول بالمساس بهن، مع العلم أن هذه المعركة يشهد الجميع ببراءة المواطنين في سيناء منها، ودفعهم لفاتورتها ظلماً وعدواناً (المعركة مع "ولاية سيناء")". وأشار إلى أنه في حالة عدم تحرك المواطنين في اتجاه رفض هذه الاعتداءات من قبل أجهزة الأمن، فإنها ستتضاعف خلال الفترة المقبلة، وسيتم كسر مزيد من الخطوط الحمراء، مستغرباً اختفاء أصوات قبيلة السواركة وعدم إعلان أفرادها رفض هذه الأفعال التي ترتكبها أجهزة أمنية معروفة، بتعريض أبنائنا ونسائنا، إلى مصير مجهول، لا يمكن معرفته أو الاستعلام عنه. وشدّد على أن كلّ ما يجري "خارج عن القانون، وبلا أسباب ولا دلائل على ارتكابهم (المخطوفين) أي خطأ يستوجب الاختطاف من وسط الشارع في وضح النهار، ونقلهم إلى جهات غير معلومة".
يضغط الأمن الوطني على المواطنين، للحصول على شراكات معهم، في ظلّ نشاط عمليات تهريب الممنوعات
ورصدت "العربي الجديد" حواجز أمنية غير ثابتة لجهاز الأمن الوطني، على الطريق الرابط بين مدينتي العريش وبئر العبد، من خلال وجود مدرعات عدة تابعة للقوات الخاصة في الشرطة المصرية، بالإضافة إلى سيارات الجهاز نفسه. ويتعمد ضباط الأمن الوطني، إيقاف السيارات الحديثة التي يملكها بعض البدو في شمال سيناء، والتدقيق في أوراقهم، فيما تمّ تسجيل أخيراً اختطاف عدد منهم. وأكدت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، أن الأمن الوطني يحاول الضغط على المواطنين أصحاب المصالح التجارية في سيناء، للحصول على شراكات معهم، في ظلّ نشاط عمليات تهريب الممنوعات والأفراد، وأوجه أخرى للعمل خارج القانون، من قبل بعض سكان الصحراء، فيما يعيد رسم صورته القديمة في أذهان المواطنين، من خلال اختطاف النساء والشيوخ، والتنكيل بهم على الحواجز، لإحداث الرهبة مجدداً في نفوسهم من الجهاز الذي أذاقهم الويل على مدار سنوات حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك قبل ثورة يناير.
وكشفت مصادر حكومية وقبلية متطابقة لـ"العربي الجديد"، عن شكاوى عدة من أن ضباط الجهاز في شمال سيناء يسعون للاستفادة من فترة عملهم في المحافظة، لجني الأموال من خلال الضغط على أصحاب المصالح، ومن لديهم أرزاق يسعون لها، ومن المجبرين على دفع المال لضباط الجهاز في مقابل تسيير أعمالهم، وعدم التضييق عليهم. وتجري عمليات التضييق بتأخير صدور الأوراق اللازمة لأعمال المواطنين، أو الحصول على تنسيقات دخول البضائع عبر الكمائن المنتشرة على الطريق الدولي، وكذلك التصاريح اللازمة من شتى المؤسسات الحكومية في المحافظة، استغلالاً للعلاقات التي تربط الجهاز ببقية أذرع الدولة ومؤسساتها. وأشارت المصادر إلى أن هذا كلّه يحدث بعيداً عن مكافحة الإرهاب الذي تعد معركة الأمن في شمال سيناء منذ سبع سنوات، إذ لم يسجل للجهاز الأمني إنجازات استراتيجية في ملاحقة تنظيم "ولاية سيناء" (الموالي لـ"داعش")، في ظلّ انشغاله بملاحقة المواطنين والتجار والنساء واختطافهم، في مقابل عدم قدرة المواطنين على الشكوى، وعدم وجود آذان صاغية لهم، حتى من الجيش نفسه الذي يعد المسؤول الأول عن كل ما يحصل في المحافظة بصفتها منطقة عسكرية.
يشار إلى أن الأمن المصري، اتُهم على مدار السنوات السبع الماضية، باختطاف آلاف المصريين في محافظة شمال سيناء، تحت بند الاشتباه والتحري، فيما لا يزال المئات منهم رهن الاعتقال بلا تهمة أو محاكمة. هذا الوضع أكدته مؤسسات حقوقية محلية ودولية، على مدار السنوات الماضية، فيما لم تسعَ الدولة لحل هذه الأزمة التي تعتبر أحد أهم أسباب استمرار العنف في المحافظة، من خلال ظلم آلاف المواطنين بالاعتقال والتنكيل والتغييب القسري. ويترك للمواطنين مخرجاً واحداً للهروب من مصير كهذا، يتمثل في التعاون مع قوات الأمن ضد "ولاية سيناء"، بما يجعلهم فريسة سهلة للتنظيم الإرهابي الذي يصطاد المتعاونين مع الأمن المصري بشكل دائم، وينكل بهم، ويشّهر بهم في إصدارات مرئية بعد تخلي الأمن عنهم، وعدم توفير الحماية اللازمة لهم.
ورفضت عوائل المختطفين من قبل جهاز الأمن الوطني، الردّ على استفسارات لـ"العربي الجديد"، بشكل قاطع، خوفاً على مصير أبنائهم ونسائهم، وكذلك الحال بالنسبة إلى بعض مشايخ سيناء المعروفين الذين رفضوا التعليق على ما يجري بحجة أن ذلك من شأنه التأثير السلبي على المختطفين. كما لم تصدر أي جهة حقوقية أو محلية تعقيبات على هذه التعديات الحقوقية، في ظلّ حالة التكتم التامة التي يفرضها الأمن المصري على المحافظة منذ سنوات، بحجة مكافحة الإرهاب.