بدأت فرنسا محاكمة ثلاثة جهاديين، مطلع شهر فبراير/ شباط الحالي، في إطار عملية وصفتها وسائل إعلام فرنسية بأنها "واحد من أعظم نجاحات مكافحة الإرهاب"، وكشفت صحيفة "لوموند" تفاصيل للمرة الأولى عنها، اليوم السبت، بعد شهادة أدلى بها أحد وكلاء المخابرات الفرنسية.
هذه العملية، التي أُطلق عليها اسم "أوديسيوس"، تيمّناً بالأسطورة اليونانية عن صاحب فكرة حصان طروادة، أحبطت خطتين لشن هجمات في فرنسا، وأدت إلى اعتقال ثلاثة جهاديين: المغربي هشام الحنفي، والفرنسيان من ستراسبورغ، ياسين بصيرية وهشام مكران، وشكّلت من أجلهم محكمة خاصة تنظر في تهمة "تشكيل جماعة إرهابية إجرامية" وتسعى لعقوبة سجن لثلاثين عاماً بحقهم.
المحاكمة التي لم تُكشف حيثياتها الكاملة بعد لوسائل الإعلام، تخللها للمرة الأولى، يوم أمس الجمعة، تقديم وكيل مخابرات فرنسي قاد عملية تسلل إلكتروني في صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي، شهادة كاملة عن العملية التي استمرت لمدة 4 أشهر ونصف شهر من 3 مارس/ آذار إلى 18 يوليو/ تموز 2016.
اختراق مجموعة التنظيم على "تليغرام"
واخترق عميل للمخابرات الفرنسية من وحدة التسلل السيبراني مجموعة للعمليات الخارجية أسسها تنظيم "داعش" الإرهابي على تطبيق "تليغرام" للرسائل المشفرة، حيث كان يُخطَّط لتنفيذ هجمات في العالم، وأوروبا بشكل خاص.
وفي تلك الفترة، كان نشاط تنظيم "داعش" يأخذ بالأفول، خصوصاً في مدينة الرقة شرقي سورية، لكن هذا الأمر، وفق شهادة وكيل المخابرات، لم يكن كذلك في أوروبا، إذ عمل التنظيم على "إعادة إنتاج القتل"، وبدأ بالفعل بتنفيذ عمليات في الخارج، نالت فرنسا النصيب الأكبر منها.
وبدأت القصة بعد إرسال نيل شويل، وهو جهادي فرنسي كان قد غادر إلى سورية للالتحاق بالتنظيم، رسالة على مجموعة "تليغرام"، قال فيها: "لدي خبر سار، يوجد فريق في باريس من 5 أخوة لنا هناك يبحثون عن أسلحة وهم جاهزون" لتنفيذ هجمات. وفي ذلك الوقت، وصل بلاغ من مجهول إلى الاستخبارات الفرنسية عن وجود خلية في فرنسا، لكن الاستخبارات لم تكن قد وصلت إلى تلك المجموعة بعد، وهي لم تكن معروفة إلى عامة الناس على غرار المجموعات التي يمكن أي شخص الانضمام إليها ورؤية ما ينشره التنظيم من فيديوهات وأخبار عن عملياته.
وكانت فرنسا لا تزال تعيش تحت صدمة هجمات "شارلي إيبدو"، ما دفع المديرية العامة للأمن الداخلي والنيابة العامة لمكافحة الإرهاب، إلى اتخاذ القرار بالانضمام إلى تطبيق "تليغرام" ومحاولة التسلل إلى مجموعات التنظيم السرية بحثاً عمّا يفيد في إلقاء القبض على هذه الخلية.
مهرب الأسلحة "أوديسيوس" كان عميل مخابرات
وفي مارس/ آذار 2016، أدخلت المخابرات الفرنسية شخصاً تحت اسم "أوديسيوس" إلى مجموعة "تليغرام" التي أرسل شويل رسالته عليها، وقدّم نفسه على أنه مهرّب أسلحة يعرف باريس جيداً، ليتواصل معه شخص تحت اسم مستعار "الصفاف"، والأخير كان شاباً فرنسياً يعمل في توصيل طلبات البيتزا قبل أن يسافر إلى سورية ليلتحق بـتنظيم"داعش".
وبعد فترة طويلة من التواصل، تقدّمت العملية كثيراً بين عميل الاستخبارات والجهادي الفرنسي، ليطلب منه التوجه إلى مقبرة في منطقة مونبرناس في العاصمة باريس ليحضر حقيبة فيها مبلغ مالي لشراء 4 بنادق كلاشينكوف مع المخازن والذخيرة؛ وهنا كان على الاستخبارات الفرنسية أن تقرر أن تستمر في العملية لكشف الخلية كاملة، أو أن تعتقل الأفراد الذين سيقومون بعمليات التسليم والتسلّم.
ويتابع عميل المخابرات شهادته بالقول، إنّ "تسليم الأسلحة في باريس كان عملية خطيرة، ولذلك قررت الأجهزة المعنية أن يكون التسليم بالقرب من غابة مونتمورنسي في منطقة فال دواز، وهناك وضعت المخابرات الفرنسية أجهزة تعقب، لكن لأسابيع، لم يأتِ أحد لأخذ الأسلحة، وهي كانت عديمة الفائدة ولا تعمل".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016، اشتبه ضباط المخابرات الذين كانوا لا يزالون يراقبون المكان مختبئين في شاحنات صغيرة بشخص يقترب من المنطقة التي خُبئت الأسلحة فيها، لكن ما أثار حيرة رجال الأمن أنّ هذا الشخص غادر ولم يأخذ الأسلحة.
وفي تلك الأثناء، كان تحقيق آخر منفصل قيد التقدم في مدينة ستراسبورغ، قُبض بموجبه على بصيرية ومكران، ليتبين من فحص مقتنياتهما الإلكترونية لاحقاً أنهما من أعضاء الخلية التي حاولت الاستخبارات الفرنسية الإيقاع بها حيث وُجد عنوان الأسلحة المخبئة بحوزتهما، وبعدها بمدة أُلقي القبض على هشام الحنفي في مرسيليا، وُوجدت في هاتفه صور لمخبأ الأسلحة، إذ تبيّن أنه الشخص ذاته الذي كان يأتي يتجول قرب مخبأ الأسلحة في الغابة ويغادر.
وتختم الصحيفة بالقول، إنّ "خطة طعم الاستخبارات الفرنسية، وإن لم تؤدِّ إلى ابتلاع الخلية له في النهاية، إذ إنّ التحقيق المنفصل أدى إلى إلقاء القبض على الجهاديين الثلاثة، إلا أنها كان حلقة مهمة جنّبت فرنسا هجوماً كان يحضر ضد أماكن رمزية ومؤسسات أمنية في العاصمة باريس".