صقر أبو فخر

رثاء الصحافة اللبنانية.. خمسون عاماً من التألق وعشرون من اليباس (ج1)

57746EE0-471A-4226-A13A-6EB87B9B294C
صقر أبو فخر

كاتب عربي مقيم في بيروت

29 اغسطس 2022
+ الخط -

شهدت بيروت في تاريخها الحديث مرحلتين من الازدهار العمراني والثقافي. بدأت الأولى بعد المذابح الطائفية التي اندلعت في عام 1860 في جبل لبنان بين الدروز والموارنة، وفي بعض المناطق السورية بين أنصار الدولة العثمانية السُنّة والمسيحيين. أما المرحلة الثانية فجاءت بعد النكبة الفلسطينية في 1948، وكان عمر كل مرحلة قصيرًا جدًا. ففي عام 1835، قبيل المجازر الطائفية، كانت بيروت لا تزال مدينة صغيرة ذات أسوار متداعية، وبوابات متهالكة مهدّمة، وأسواق قذرة، ولم تكن تُعدّ من بين المدن المعتبرة على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ولولا ميناؤها الصغير، ضحل المياه، لما ذُكرت في المصادر التاريخية، فيما كانت صيدا ويافا والاسكندرون أهم منها بكثير. وفي أي حال، شرعت البدايات الأولى لازدهار بيروت في التحفز غداة احتلال إبراهيم باشا بلاد الشام في سنة 1831 فصاعدًا. ثم انطلقت عناصر الازدهار بقوة بعد مجازر عام 1860، حين هبط مسيحيو الشام إلى بيروت، ونزل إليها في الفترة نفسها موارنة جبل لبنان، وتجّار من دمشق وحلب وحمص. وفي تلك الأثناء، راحت الإرساليات التبشيرية الغربية تتنافس على رعاية هؤلاء النازحين في أماكن سكناهم الجديدة في بيروت والجوار، وعملت على افتتاح المدارس لهم. ومن أبرز المؤسسات التعليمية التي ظهرت آنذاك الكلية الإنجيلية السورية (1866) وجامعة القدّيس يوسف (1875). ويروي المؤرخ نبيه أمين فارس أن أحد سكان بيروت شاهد القس كرنيلوس فاندايك، مؤسّس كلية الطب التابعة للكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأميركية في ما بعد)، وهو يركب بغلته قاصدًا السفر، فسأله: إلى أين أنت ذاهب يا حضرة المبشّر؟ فأجابه فاندايك: أنا ذاهب إلى صيدا لافتتاح أربع مدارس. فتعجب المواطن وقال له: صيدا قرية صغيرة، فهل تحتاج أربع مدارس مرّة واحدة؟ فرد فاندايك: الحقيقة إنني ذاهب إليها لافتتاح مدرستين فقط: الأولى للبنين والثانية للبنات. لكن اليسوعيين (الجزويت) سيقتفون أثري ويؤسّسون مدرستين لمنافستنا. وهكذا تكون صيدا قد نالت أربع مدارس.

قد يعجبك أيضاً