25 اغسطس 2024
"جو شو"... وخفّة الدم العفوية
شاهدتُ، في الآونة الأخيرة، سلسلةً من حلقات البرنامج الكوميدي "جو شو" الذي يُعرض أسبوعياً على تلفزيون العربي، وهو من إنتاج شركة ميتافورا، وإخراج شادي خادم الجامع. واكتشفتُ، في أثناء ذلك، أن هذا البرنامج ذو شعبية واسعة في عالم "يوتيوب"، بدليل أن مشاهداته تُقَدَّرُ بمئات الألوف، وأحياناً تتجاوز مليوني مشاهدة.
إنه برنامج كوميدي، سياسي، فكه، يتحدّث مقدمُه الشاب يوسف حسين باللهجة المصرية التي تمتاز، أصلاً، بالرشاقة، وخفة الظل. والبرنامج، في الأساس، موجه إلى المشاهد المصري، وفي الحلقات الأخيرة أضيفت إليه فقراتٌ تتعلق بالشأن السوري، وقد كنتُ ضيفاً على الحلقة 23 التي عرضت يوم الخميس 24 نوفمبر/ تشرين الثاني.
لم يَعْتَدْ المواطنون العرب عموماً على مشاهدة البرامج ذات الطبيعة البصرية المتحرّكة. وفي بدايات افتتاح التلفزيونات في البلاد العربية، كانت بعضُ الأشياء المضحكة تحصل، منها أن إحدى الدول باشرت الإرسال، ولم يكن أحدٌ يمتلك جهاز تلفزيون فيها غير رئيس البلاد، فكان المذيع يبدأ فترة البث بقوله: مساء الخير سيدي الرئيس. وقد قرأتُ، مرة، أن المذيع الوحيد الذي كان يداوم في إحدى المحطات العربية المُحْدَثَة كان يقفل مقر التلفزيون بعد انتهاء البث اليومي، ويأخذ معه المفتاح، ويذهب إلى البيت.
أما نحن، إخوانَكم السوريين، فلأننا دولة مواجهةٍ مع العدو الصهيوني، وعندنا قائد تاريخيّ مُلْهَم، فإن وجه تلفزيوننا لا يضحك للرغيف التنوريّ الساخن، فالمذيع يدخلُ الأستوديو ووجهه مكفهر، وكأنه متسلم لتوه بلاغاً من البلدية تُنذره بإخلاء منزله خلال أسبوع! وحينما يجلس على الكرسي المخصّص له في الأستوديو، سرعان ما يتذكّر المثل الشعبي "الحجر في مكانه قنطار"، فلا يلتفت، ولا يتحرّك، ولا يتزحزح، ولا يرفّ، ولا يبتسم، والكاميرا توضع في مقابله، وكأنها تصوّره من أجل إحداث "فيش وتشبيه" له في سجلات الأمن الجنائي.
الحقيقة أن الإعلاميين اللبنانيين، باعتبار أنهم يمتلكون فائضاً من الحرية، بالمقارنة مع إعلاميي الدكتاتوريات، كانوا سبّاقين إلى اختراع البرامج الاستعراضية (show). وأعتقد أن هذه البرامج تشكل امتداداً لما أنجزه الأخوان الرحباني وفيلمون وهبي، من لوحاتٍ فكاهية مصورة، ذات طبيعة اجتماعية، مثل "يا أبو مرعي"، و"سنفرلو عالسنفريان" وفقرة المصالحة في اسكتش "سهرة حب"، ولوحة "أنت قبضاي" لمحمد مرعي، ثم فقرة قراءة المكتوب التي يُسْأَلُ فيها عن الحقيقة، فيكون الجواب (يا لا لا لي أمان)!
قبل أكثر من عشر سنوات، قدّم المذيع اللبناني، ميشيل قزي، برنامجاً استعراضياً بعنوان (MISHO SHOW)، أتبعه ببرنامج "طال السهر" 2010، وقدّم الفنان عادل كرم وصحبُه سلسلةً من البرامج التي تنتمي إلى هذا السياق. وهكذا حتى دخلت المحطات التلفزيونية اللبنانية في سباق محموم على إنتاج (شو) ينافس (الشوَّات) الأخرى، ويستقطب المتابعين، ويحقق المشاهدات.
وأما الـ (SHOW) السياسي، فهناك، في حدود متابعاتي برنامجان ناجحان، الأول (DNA) الذي يقدّمه اللبناني نديم قطيش، والثاني برنامج البرنامج الذي كان يقدّمه الكوميديان المصري الشهير باسم يوسف، وتوقف قبل سنتين بسبب جرأته العالية. وللعلم، فإن (جو شو) أقرب إلى هذين البرنامجين، إذ يقوم على عرض لقطات (تاتشات) صغيرة من برامج وأخبار عُرضت على محطات التلفزة، ويعلق عليها بطريقة مرحة.
العوامل الرئيسية التي يجب أن تتوفر لإنجاح برنامج كهذا هي، أولاً، أن يمتلك مقدم البرنامج حضوراً متميزاً، فيصنع (كاراكتراً) يرسخ في لاشعور المتلقي، وأن يقدم المخرجُ حركيةً مشهدية (ميزانسين) سريعة، وأن يكون المخرج والمقدّم متسلحين بفريق إعداد ومتابعة دؤوب، قادر على الإمساك بأكثر اللقطات التلفزيونية سذاجةً وبلاهةً وتناقضاً، فيكون التعليق عليها من صاحب الـ (شو) أكثر إضحاكاً. وهناك جمهور الأستوديو الذي يمكن أن يوظف وجوده وصوت ضحكاته بشكل ناجح، ومتناغم مع الحركية المشهدية، فيضفي على البرنامج فكاهةً على فكاهة.
إنه برنامج كوميدي، سياسي، فكه، يتحدّث مقدمُه الشاب يوسف حسين باللهجة المصرية التي تمتاز، أصلاً، بالرشاقة، وخفة الظل. والبرنامج، في الأساس، موجه إلى المشاهد المصري، وفي الحلقات الأخيرة أضيفت إليه فقراتٌ تتعلق بالشأن السوري، وقد كنتُ ضيفاً على الحلقة 23 التي عرضت يوم الخميس 24 نوفمبر/ تشرين الثاني.
لم يَعْتَدْ المواطنون العرب عموماً على مشاهدة البرامج ذات الطبيعة البصرية المتحرّكة. وفي بدايات افتتاح التلفزيونات في البلاد العربية، كانت بعضُ الأشياء المضحكة تحصل، منها أن إحدى الدول باشرت الإرسال، ولم يكن أحدٌ يمتلك جهاز تلفزيون فيها غير رئيس البلاد، فكان المذيع يبدأ فترة البث بقوله: مساء الخير سيدي الرئيس. وقد قرأتُ، مرة، أن المذيع الوحيد الذي كان يداوم في إحدى المحطات العربية المُحْدَثَة كان يقفل مقر التلفزيون بعد انتهاء البث اليومي، ويأخذ معه المفتاح، ويذهب إلى البيت.
أما نحن، إخوانَكم السوريين، فلأننا دولة مواجهةٍ مع العدو الصهيوني، وعندنا قائد تاريخيّ مُلْهَم، فإن وجه تلفزيوننا لا يضحك للرغيف التنوريّ الساخن، فالمذيع يدخلُ الأستوديو ووجهه مكفهر، وكأنه متسلم لتوه بلاغاً من البلدية تُنذره بإخلاء منزله خلال أسبوع! وحينما يجلس على الكرسي المخصّص له في الأستوديو، سرعان ما يتذكّر المثل الشعبي "الحجر في مكانه قنطار"، فلا يلتفت، ولا يتحرّك، ولا يتزحزح، ولا يرفّ، ولا يبتسم، والكاميرا توضع في مقابله، وكأنها تصوّره من أجل إحداث "فيش وتشبيه" له في سجلات الأمن الجنائي.
الحقيقة أن الإعلاميين اللبنانيين، باعتبار أنهم يمتلكون فائضاً من الحرية، بالمقارنة مع إعلاميي الدكتاتوريات، كانوا سبّاقين إلى اختراع البرامج الاستعراضية (show). وأعتقد أن هذه البرامج تشكل امتداداً لما أنجزه الأخوان الرحباني وفيلمون وهبي، من لوحاتٍ فكاهية مصورة، ذات طبيعة اجتماعية، مثل "يا أبو مرعي"، و"سنفرلو عالسنفريان" وفقرة المصالحة في اسكتش "سهرة حب"، ولوحة "أنت قبضاي" لمحمد مرعي، ثم فقرة قراءة المكتوب التي يُسْأَلُ فيها عن الحقيقة، فيكون الجواب (يا لا لا لي أمان)!
قبل أكثر من عشر سنوات، قدّم المذيع اللبناني، ميشيل قزي، برنامجاً استعراضياً بعنوان (MISHO SHOW)، أتبعه ببرنامج "طال السهر" 2010، وقدّم الفنان عادل كرم وصحبُه سلسلةً من البرامج التي تنتمي إلى هذا السياق. وهكذا حتى دخلت المحطات التلفزيونية اللبنانية في سباق محموم على إنتاج (شو) ينافس (الشوَّات) الأخرى، ويستقطب المتابعين، ويحقق المشاهدات.
وأما الـ (SHOW) السياسي، فهناك، في حدود متابعاتي برنامجان ناجحان، الأول (DNA) الذي يقدّمه اللبناني نديم قطيش، والثاني برنامج البرنامج الذي كان يقدّمه الكوميديان المصري الشهير باسم يوسف، وتوقف قبل سنتين بسبب جرأته العالية. وللعلم، فإن (جو شو) أقرب إلى هذين البرنامجين، إذ يقوم على عرض لقطات (تاتشات) صغيرة من برامج وأخبار عُرضت على محطات التلفزة، ويعلق عليها بطريقة مرحة.
العوامل الرئيسية التي يجب أن تتوفر لإنجاح برنامج كهذا هي، أولاً، أن يمتلك مقدم البرنامج حضوراً متميزاً، فيصنع (كاراكتراً) يرسخ في لاشعور المتلقي، وأن يقدم المخرجُ حركيةً مشهدية (ميزانسين) سريعة، وأن يكون المخرج والمقدّم متسلحين بفريق إعداد ومتابعة دؤوب، قادر على الإمساك بأكثر اللقطات التلفزيونية سذاجةً وبلاهةً وتناقضاً، فيكون التعليق عليها من صاحب الـ (شو) أكثر إضحاكاً. وهناك جمهور الأستوديو الذي يمكن أن يوظف وجوده وصوت ضحكاته بشكل ناجح، ومتناغم مع الحركية المشهدية، فيضفي على البرنامج فكاهةً على فكاهة.