المنطقة المصرية العازلة في رفح .. تساؤلات باقية

16 نوفمبر 2014

وحدات من الجيش المصري أثناء تهجير سكان من رفح(أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

يثير حادث الاعتداء على الجنود المصريين في كمين في سيناء، والذي وقع ضحيته أكثر من 30 ضابطا وجندياً، مجموعة من التساؤلات، تماماً، كما أثار حدث رفح في أغسطس/آب 2012 تساؤلات مماثلة، بعد مقتل 17 جندياً في أثناء الإفطار في رمضان. أول التساؤلات بشأن الجهة المنفذة، هل انطلقت من سيناء أم من غزة؟ فإذا كانت جماعات لا تعرف هويتها، بدقة، مثل أنصار بيت المقدس، أو أجناد مصر، قد أعلنت مسؤوليتها عن هذه الهجمات وغيرها، فإن السلطات المصرية لم تعلنها جماعات إرهابية، على غرار ما فعلت مع جماعة الإخوان المسلمين التي ما فتئت تندد بالأعمال الإرهابية، وتؤكد نهجها السلمي، في رفضها ممارسات سلطات الانقلاب. وبالتالي، السلطات مطالبة بإظهار نتائج التحقيقات في الحادثين، لا سيما وأن الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن لشيوخ القبائل في الحادث الأول، ولوسائل الإعلام في الحادث الثاني، أن هناك أجهزة مخابرات قوية تقف وراءهما. وبالتالي، ينبغي عدم الاقتصار على التعامل مع هذه الكيانات المسلحة، وإنما التعامل، أيضاً، مع الجهة "المجهولة والغامضة" التي تقف وراءها.

ويرتبط بالسؤال السابق سؤال آخر عن أسباب فرض منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، والتي تبلغ 14 كيلومتراً، وليس على الحدود مع الكيان الصهيوني، والتي تبلغ 200 كيلومتر، على الرغم من أنها حدود مع عدو تاريخي. هل تأكدت سلطات الانقلاب أن الحادث نفذه إرهابيون قادمون من قطاع غزة، وبالتالي، لا بد، ليس فقط، من هدم الأنفاق التي أعلنت القوات المسلحة المصرية، مراراً وتكراراً، أنها قضت عليها، وإنما إقامة المنطقة العازلة التي تعني أن الجيش فشل في هدم الأنفاق، وبالتالي، لا بد من اتخاذ هذا الإجراء الاحترازي، ولا سيما في ظل ما يتردد من أنه سيتم إنشاء قناة مائية بها بعرض خمسة كيلو مترات لمنع التسلل.

وهذا يجرنا إلى تساؤل آخر، يرتبط بهدف الجهات منفذة هذه العمليات، سواء أنصار بيت المقدس أو أجناد مصر، فهذه الجماعات تؤكد أن هدفها الأساسي هو الجيش الصهيوني، كما يتضح من اسم أنصار بيت المقدس، وبالتالي كان الأدعى إقامة هذه المنطقة العازلة مع إسرائيل، وحتى هذا الأمر غير متوقع، نظرا لأن المنطقة "ج" القريبة من الحدود المصرية منطقة عازلة بالأساس، وتخضع لهيمنة قوات حفظ السلام الدولية، بل من الغريب أن إسرائيل لم تطلب إقامة هذه المنطقة مع حدودها، أو تطلب تعديل اتفاقية السلام لعام 1979 بشأن ما يتعلق بزيادة عدد قوات حفظ السلام، لتأمين حدودها.

تعاون غائب مع حماس

هناك تساؤل آخر يتعلق بمعبر رفح وأسباب غلقه، على الرغم من أن الذي يمر به يخضع لتفتيش دقيق، فلماذا يتم غلقه؟ ولماذا لم تتعاون السلطات المصرية مع حركة حماس في هذا الشأن، والتي أكدت، مراراً وتكراراً، أن الحدود من جانبها آمنة، وهو ما أقرته قيادة الجيش المصري التي شهدت من قبل أن الحدود مع قطاع غزة مضبوطة من الجانب الفلسطيني. وأبدت حماس استعدادها للتنسيق في عمليات التحقيق، للوصول إلى الجناة الحقيقيين. لكن، يبدو أن هذا الأمر لن يحدث، لأنها متهمة بالأساس بالقيام بهذه العمليات!

وهنا يبرز تساؤل عن توقيت إقامة المنطقة العازلة، والمفاوضات غير المباشرة التي كانت سترعاها القاهرة لمناقشة قضية ميناء ومطار غزة وانفتاحها على العالم. ما علاقة المنطقة العازلة بوقف هذه المفاوضات من جانب القاهرة التي سعت، مراراً وتكراراً، إلى استضافتها، لتأكيد سلطات الانقلاب أنها ما زالت مهتمة بالقضية الفلسطينية، وهو ما تؤكد الممارسات عكسه على طول الخط.


قبول إسرائيل

يثور تساؤل آخر عن أسباب قبول إسرائيل، بهذه السهولة، دخول قوات من الجيش المصري إلى المنطقة "ج"، على الرغم من أن قوات الجيش، بموجب الملحق الأمني لاتفاقية السلام، محظور عليها ذلك، لأن هذه المنطقة الحدودية "رفح" لا يوجد فيها سوى قوات شرطة مدنية فقط، فضلاً عن قوات حفظ السلام. الإجابة كشف عنها موقع "واللا" الإسرائيلي، والذي أفاد بأن تل أبيب وافقت، ضمن خطة التهجير، على نشر قوات مصرية من فرقتي 777 و999 في مدينتي رفح والعريش، بالإضافة إلى قوات من المظلات وقوات أخرى، وربما هذا يدفعنا إلى الإشارة إلى ما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي ذكرت أن خطة إقامة منطقة عازلة بين مصر وقطاع غزة، ليست جديدة، فهي مقترح إسرائيلي، قُدم إلى حسني مبارك عام 2004، بهدف عزل رفح المصرية عن رفح الفلسطينية، ومنع حفر الأنفاق المؤدية إلى غزة، مبررة عملية تهجير الآلاف من أهالي سيناء، وإخلاء الشريط الحدودي مع غزة من سكانه، وحفر قناة مائية، بالحاجة لإخلاء الساحة من المدنيين، للتفرغ لمقاتلة الإرهابيين.

وإذا كانت هذه هي الرواية الصهيونية، ألم يكن من الأجدر، كما سبق القول، إقامة هذه المنطقة على الحدود مع إسرائيل؟


الموقف الأميركي

تطرح فكرة المنطقة العازلة تساؤلاً آخر بشأن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وسلطات الانقلاب، وهي العلاقة التي كان يحاول إعلام الانقلاب إظهار معارضة واشنطن لانقلاب 30 يونيو، لكن الممارسات تبرهن عكس ذلك، فكما أن انقلاب 30 يونيو تم بعلم وموافقة أميركيين، كذلك يتكرر الأمر بالنسبة للمنطقة العازلة. وهذا ما أكدته، بوضوح، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين ساكي، التي قالت "إن بلدها يؤيد خطة الجيش المصري في سيناء. نحن نؤمن بحق مصر في اتخاذ خطوات للحفاظ على أمنها، ونتفهم الخطر الذي يواجهونه من سيناء، ولهذا السبب، قدمنا طائرات الأباتشي، وهم يعملون وفقًا لخطة، ونحن مستمرون في دعم جهودهم، لاتخاذ خطوات للدفاع عن حدودهم".

إذن، صفقة الأباتشي، والمنطقة العازلة كانت وفق خطة تعلم بها واشنطن مسبقاً، بل ربما كانت شريكة في وضعها، وإذا كانت ساكي تفتئت على السيسي، فلماذا لم يخرج ليكذّب تصريحها؟


دستور الانقلاب

وقد يقول قائل إن هذه الجماعات المسلحة باتت تستهدف الجيش المصري، لاتهامها له بالتواطؤ مع إسرائيل بخصوص القضية الفلسطينية؟ والسؤال هنا إن هذا الأمر لا يستدعي إقامة المنطقة العازلة، أو تهجير أهالي سيناء، لأن فكرة الإخلاء هذه معناها عدم قدرة قوات الجيش على التمييز بين المجرم والبريء في سيناء. وبالتالي، الحل هو خروج المدنيين، وهنا تبرز مجموعة من الإشكاليات هي: ماذا لو رحل هؤلاء "الإرهابيون" مع المدنيين إلى الداخل، لا شك أن الأمر سيكون صعباً، بل إن السلطات تنقل موقع العمليات الإرهابية من الأطراف غير المكتظة بالسكان، إلى المناطق المكتظة بالسكان. وبالتالي، ستكون المشكلة أكثر تعقيداً، ناهيك عن المشكلة الأكبر المتعلقة بأهالي سيناء ذواتهم، وشعور الاغتراب والتهجير من ديارهم، علاوة على مشكلة الاندماج الوطني لهؤلاء مع أهالي الحضر، وقد يعمق هذا شعورهم بالعزلة وعدم التكيف، ما يجعلهم يحلمون ليس بالحصول على حقوق المواطنة. ولكن، وهذا هو الأخطر، ربما السعي للانفصال عن الوطن، وربما اعترف السيسي نفسه، حينما كان وزيرا للدفاع، وتأكيده في حديثه المسرب الشهير، في حينه، أن التعامل الأمني العنيف مع أهالي سيناء قد تترتب عليه رغبتهم في الانفصال، على غرار ما حدث في جنوب السودان، وهو يفعل ما قد سبق، وحذر منه. وهناك تساؤل أخر حول مدى دستورية هذا الإجراء الخاص بالتهجير القسري، لاسيما وأنه يتعارض صراحة مع نص المادة 63 من دستور الانقلاب، والتي تجرّم التهجير القسري الذي لا تسقط جريمته بالتقادم.

ويرتبط بقضية دستور الانقلاب تساؤل آخر، هو أن الحادث الأخير كان يستدعي اتخاذ قرارات حاسمة ضد وزير الدفاع ورئيس أركانه، بل ورئيس المخابرات الحربية، بتهمة التقصير في القيام بمهامهم، على غرار ما فعل الرئيس المعزول، محمد مرسي، في الحادث الأول عندما أطاح وزير الدفاع، المشير حسين طنطاوي، ورئيس أركانه سامي عنان. لكن، تبرز في الحادث الثاني إشكالية النص الدستوري الخاص بعدم قدرة الرئيس على عزل وزير الدفاع ثماني سنوات، وهو النص الغريب الذي أثار جدلاً كبيراً في حينها، وها هي الوقائع العملية تشير إلى ضرورة مراجعته وإدخال تعديلات عليه. لكن، ماذا عن رئيس الأركان أو المخابرات الحربية. لماذا لم يتم اتخاذ إجراءات بشأنهما، وما المانع في ذلك؟

إذن، هي مجموعة تساؤلات قد تحمل في ثناياها مجموعة إجابات تشير إلى أن فكرة المنطقة العازلة ليست جديدة، وإنما كانت المشكلة في توقيت إقامتها، وفي ظل فزاعة الإرهاب، ووجود سلطات ترغب في فعل أي شيء، لبقائها من أجل استمرار الدعم الخارجي. كانت خطوة التنفيذ التي أتوقع أن تساهم في تعقيد المشكلة، بدلاً من المساهمة في حلها.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.