عن أي أسد يتحدّثون؟

03 اغسطس 2019
+ الخط -
ليس بين الذين أعرفهم من رجال القانون مَن يقرّ بشرعية حاكمٍ ثارت أغلبية شعبه الساحقة عليه. ولا يعترف القانونان، الدولي والوطني، بشرعية حاكم فقد دعم شعبه الطوعي: مصدر شرعيته الوحيد وما يتمتع به من سيادة. لكن بوتين الذي تعلل بالقانون الدولي ليمنع العالم من اتباع نهج حاسم حيال المجازر التي ارتكبها الأسد ضد شعبٍ هو مصدر شرعيته، لا يعترف بالشعب السوري، ناهيك عن حقه في منح الشرعية والسيادة لحاكمه، ويؤمن أن الأسد سيضع الدولة السورية تحت تصرّفه، بقدر ما ينبذه شعب سورية، ويجد نفسه عاجزا عن كسر شوكته، وسيمنحه عندئذ الفرصة التي لطالما انتظرها لاحتلال سورية، درّة المشرق البرية والبحرية التي قد ينقذ الغزاة من روسيا وإيران نظامها، بيد أنه سيدخل، على الرغم من ذلك في طور نوعي من التبعية، لم يسبق لحاكم سوري أن وصل إليه، ستنتجه ضخامة التدخل الروسي في شؤون من أنقذته ونظامه، بما أن منحه القوة ضد شعبه سيضعفه إلى درجة التهافت حيال منقذيه الذين سيقضمون صلاحياته، حتى ليمكن القول اليوم: إنه صار حاكما افتراضيا لنظامٍ لم يعد موجودا إلا بقدر ما يهبه الروس الحياة.
صار الأسد رئيسا وهميا لسورية، وليقل لنا من لا يتفق مع هذا التقدير أين هو اليوم من الاقتصاد السوري، والسيادة الوطنية، وقيادة الجيش والحرب، والعلاقات العربية والدولية، والشعب في المناطق التي يحتلها، والقرار الوطني.. إلخ؟ هل يستطيع الأسد مثلا استعادة مرفأ طرطوس ومناجم خنيفيس من الروس والإيرانيين، وهل يمكنه أخذ قرارات سياسية من دون موافقتهم؟ وهل يسيطر على جيش يتصارع الروس والإيرانيون على كل مجند فيه، صار جيوش غزاة أجانب سلاحه وتمويله وإطعامه منهم، ووضع في أيديهم مصيره ومصير وطنٍ لم يكن يوما وطنه، وشعب لم ينتسب إطلاقا اليه؟ أين صار القرار الوطني لمن يدّعي كذبا أنه استقدم الاحتلال للدفاع عن السيادة الوطنية، كأنه وُجد يوما محتلٌّ يدافع عن سيادة عبده؟ وماذا بقي له من جيش الفيلق الخامس التابع لموسكو، والرابع لطهران، وكان هذا يغتال أتباع ذاك أو يعتقلهم أو يسرّحهم أو يشتريهم، حتى صار بإمكان السوري العادي أن يتنبأ بموعد ومكان قتل هذا أو ذاك من زلم الطرفين، بينما يتحاشى الطرفان الدخول إلى المناطق التابعة لكل منهما؟ أخيرا، هل يكون الأسد رئيساً على العلويين، أم تقاسمهم الغزاة بدورهم، ويجدون اليوم أنفسهم في مواجهة تهديدٍ لا قبل لهم به، ترتب على استدعاء محتلين لحمايتهم، لكنهم استخدموهم في معارك دمّرت ما كان باقيا من علاقاتٍ لهم مع شعبهم، وليس هناك ما يضمن أنهم لن يفرّطوا بهم؟
لم يعد في سورية نظام ليمكن إنقاذه. ولم يعد للأسد وجود كرئيس ليجري تسويقه داخليا وعربيا ودوليا. وليس لروسيا ما يكفي من قدرةٍ ونفوذٍ دوليين لإعادة إنتاجه، بعد أن قوّضت بيديها صلاحيته، ولن يكون باستطاعتها تحمل مسؤولية أخلاقية عن فرضه على شعبٍ يرفضه بإصرار، ليس فقط لأنه ليس اليوم رئيسا، وإنما أيضا لارتفاع ثمن تجديد سلطة فقدها، وإخضاع مجتمع قدم مليون شهيد ليتخلص منه، لن يقبل به تحت أي ظرف، وإعادة مؤيدين له إلى الحياة، قضى على شيبهم وشبابهم في حربه المجنونة ضدهم أيضا، بذريعة الدفاع عنهم، وباعهم للغزاة في سوق نخاسةٍ. رئيس تحوّل هو نفسه فيه إلى عبد سيكون فيه، كما قال أبو الطيب المتنبي: بالفلسين مردود!
لن تستطيع قوة روسيا أو إيران ومليشياتهما إعادة السوريين إلى ما قبل الرابع عشر من مارس/آذار 2011، لأن النظام الأسدي الذي كان قائما قبله، انتحر في حربه على شعب سورية، وفقد قدرته على الحياة، حتى بدعم محتلين أرادوا إنقاذه فأسهموا في قتله!
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.