مكافحة الإرهاب

09 فبراير 2019
+ الخط -
بعد الثورة في سورية بنيف وعامين، وظهور تنظيمات الإرهاب الداعشي والقاعدي، أقنعت واشنطن نفسها أن بديل النظام الأسدي هو الإرهاب، وبقاء الأسد في السلطة ضروري، كي لا تسقط سورية في أيدي إرهابيين، سيفتكون بمواطني الغرب وأميركا. 
قبل هذا الاقتناع، كان إرهاب دولة الأسد العميقة يفتك بالسوريين، ويقتلهم بمختلف أنواع السلاح، وكان المتظاهرون السلميون يسقطون بالعشرات يوميا برصاص جيشه ومخابراته ومرتزقة ايران. أما الناجون منهم فكانوا يفضلون الموت بالرصاص، السريع والرحيم بالمقارنة مع الموت البطيء تحت التعذيب، بعد اعتقالهم.
لم تتجاهل واشنطن إرهاب الأسد، بل أطنبت في إدانته، بيد أنها تجاهلته عمليا، على الرغم من تحذير المعارضة من أن حل الأسدية الحربي، الرافض الإصلاح والحلول الوسط، سيعزّز فرصة المتشدّدين الدينيين في الاستيلاء على الشارع، وتدمير ثورة الحرية وحاملها المجتمعي، الواسع والسلمي. وكانت واشنطن تشكّك في قدرة المعارضة على إدارة السلطة. وبما أنها جمدت رفضها الأسد، وأحجمت عن مساعدة السوريين على التخلص منه، فقد صعد إرهابه، وأمعن في قتل من يطالبون بالحرية. عندئذ، تبنّى البيت الأبيض موقف الروس حياله باعتباره رئيس نظامٍ يحارب الإرهاب، ولا بد من دعمه والإبقاء على رئيسه: لحماية الغرب.
تخلت واشنطن في مرحلةٍ مبكرةٍ عن إزاحة الأسد وتغيير نظامه، وارتاحت للموقف الروسي، لأن البيت الأبيض كان يخوض، قبل عام ونيف من الثورة السورية، مفاوضات بشأن برنامج طهران النووي، قبل خلالها ابتزاز الملالي في مسائل عديدة، منها المسألة السورية التي أخرجها من دائرة اهتمامه، بل وتراجع بضغوط إيرانية عن تعهدٍ كان قد قطعه الرئيس أوباما على نفسه في تصريحٍ معلن، التزم فيه بتسديد ضربةٍ عسكريةٍ إلى الأسدية، إذا ما استخدمت السلاح الكيميائي ضد المدنيين. وعندما فعلت ذلك، وقتلت قرابة ألف وخمسمائة مدني في الغوطتين الشرقية والغربية، تراجع عن تهديده، لأن إيران هدّدته بوقف التفاوض حول برنامجها النووي، وقبل حلا قيل إن نتنياهو قدمه لبوتين، أن تنزعه الأمم المتحدة من الأسد، في مقابل بقائه في السلطة، واستمرار إيران في التفاوض. فيما بعد، وما أن وقع الاتفاق، حتى قال أوباما لمستشاريه: لا أريد أن أسمع كلمة واحدة بعد اليوم عن الملف السوري.
لستر عورة هذا الموقف المشين، ركّزت واشنطن على نقطتين: تضخيم إرهاب التنظيمات والفصائل وطمس إرهاب النظام الذي كان يرتكب مجازر يومية، بلغت، حسب إحصاءات الأمم المتحدة الرسمية، نيفا وأربعمائة مجزرة. والتفاهم مع الروس على تقسيم عمل لأميركا فيه حق التخطيط والإشراف، ولروسيا الحق في تنفيذ ما يتفق عليه، من دون إزعاج.
والآن: هل ارتكبت التنظيمات جرائم إرهابية؟ نعم، فعلت ذلك وبأساليب شنيعة. هل كان إرهابها هو كل الإرهاب الذي تعرّض السوريون له؟ كلا لم يكن، فقد فاق إرهاب الأسد وموسكو والإيرانيين ومرتزقتهم أي حدود وإرهاب، وأخضع الشعب المنادي بالحرية لأفتك أنواع الإرهاب، قبل ظهور داعش والقاعدة. وعندما ظهر التنظيمان، شاركاه في إبادة السوريين، كل في مناطقه، ورفضا مثله ثورة الحرية والقول بوحدة الشعب السوري، وانخرطا في قتالٍ طائفيّ الهوية شنّه النظام، مذهبي الطابع تبنّاه الجهاديون، فتك بمئات آلاف السوريين من جهة، وقوّض ثورة الحرية، ومزّق حاضنتها المجتمعية، لصالح الأسدية، من جهة مقابلة.
هل خدم السكوت عن إرهاب الأسدية الحرب ضد الإرهاب، أم شجعها على ممارسته، وتوسيع دائرة ضحاياه من العزّل والآمنين؟ وهل إنقاذ نظام إرهابي لم يتوقف عن قتل بنات وأبناء شعبه نصف قرن، ينتمي حقا إلى محاربة الإرهاب؟ وهل سيختفي الإرهاب بتجريم ضحاياه وتبرئة الإرهابي الذي قتل ملايين السوريات والسوريين السلميين، وعذّبهم وذوّبهم وجرحهم وشرّدهم؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.