تونس: حقوق الشهداء

16 يناير 2015
+ الخط -

بمناسبة إحياء الذكرى الرابعة لهروب الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، انتظم موكب رسميّ في قصر الجمهورية في ضاحية قرطاج شمال العاصمة التونسية. لم يشذّ هذا الموكب عن غيره من المواكب التي تقام في مثل هذه المناسبات في الدول كافة، إلا في جانبين فقط. أولهما الجانب الإعلامي، حيث نقل على الهواء مباشرة، وهو أمر غير معهود في تونس، لسبب بسيط هو أن عيد الثورة إبان حكم الحبيب بورقيبة، تمّ محوه خلال حكم خلفه بن علي. الجانب الثاني، وهو الأهم، يتمثل في الضيوف الذين واكبوا الحفل: رؤساء أحزاب، ومنظمات وسفراء، وأعضاء الحكومتين السابقة والحالية، وأيضاً عائلات شهداء وجرحى ثورة 17  ديسمبر/كانون أول 2010 الذين جلسوا، في آخر القاعة، حاملين صور الشهداء والجرحى، تماماً كما كانوا يفعلون إبان "المحاكمات" التي استمرت ثلاث سنوات، وحكم فيها على المتهمين الموقوفين بالمدة نفسها، ليغادر الجميع قاعة المحكمة من الباب نفسه.
خلال هذا الموكب، ألقى الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، خطاباً ذكّر فيه بالمرحلة الصعبة التي تعيشها البلاد، كما أشاد بتضحيات الشعب التونسي، وشدد على ضرورة الوحدة الوطنية. ولم يغب "الإرهاب"، ملح الخطابات هذه الأيام في شمال المتوسط وجنوبه، عن كلمة الرئيس السبسي، حيث تعهد بالكشف عن قتلة كل من لطفي نقض وشكري بلعيد ومحمد البراهمي.
ومباشرة إثر الخطاب، تولى الرئيس تكريم الرباعي الذي رعى الحوار الوطني في أثناء الأزمة السياسية التي عاشتها تونس صيف 2013 وهم: حسين العباسي، أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر وأعرق منظمة شغيلة في تونس)، ومحمد محفوظ، عميد المحامين التونسيين، ووداد بوشماوي، رئيسة منظمة الأعراف (رجال أعمال) وعبد الستار بن موسى رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ثم أسند أوسمة إلى أرامل الشهداء الثلاث، نقض وبلعيد و البراهمي، الأمر الذي أثار حفيظة عائلات شهداء وجرحى الثورة، الحاضرين الذين احتجوا على هذا التمييز، احتجاجاً أجبر الرئيس على العودة إلى المسرح، ومخاطبتهم بلهجة تونسية: "بره ربي يعينكم" (اذهبوا كان الله في عونكم).
لئن كان الشهداء سواسية في القبر، فإنهم لم يكونوا كذلك في القصر. شهداء كان لهم نصيب الأسد من التغطية الإعلامية، وآخرون لم يجنوا من هذه الثورة سوى أحجار رخامية، نقشت عليها أسماؤهم. شهداء يتم توسيمهم وآخرون نصيبهم من الثورة بطاقات علاج مجاني، يتم تجديدها في كل مرة، وأخرى للتنقل بواسطة حافلات يصعب على الأصحاء امتطاؤها، فما بالك بغيرهم.
في البلدان التي تحترم تاريخ ثوراتها، ولا تحرفه، يكرم الشهداء، ويعيش المحاربون القدامي في أرغد عيش. أما في تونس الثورة، فإن أسر الشهداء يستقبلهم رئيس الدولة، ليجلسهم في الصفوف الخلفية ورئيس الحكومة، ليمنّ عليهم بأربعة مفاتيح شقق، كالفائزين بضربة حظ في مسابقات البرامج التلفزيونية.

avata
avata
يوسف بوقرة (تونس)
يوسف بوقرة (تونس)