ما قاله راغب السرجاني

08 سبتمبر 2014
+ الخط -

كنت أسأل نفسي، أين الدكتور راغب السرجاني ممّا تمرّ به مصر ومن بطولات ثوارها، ومن بطش ظالميها، ومن التباس الرؤية لدى بعض ملتزميها؟ وهو صاحب جهود طيبة ومواقف راقية. هل يسع أحداً من المنتسبين للعلم أن يسكت، ولا يصدح بالحق في مثل هذه المواقف؟ وإذا لم يكن هذا وقت الصدح بالحق ومواجهة الباطل، فمتى إذن؟ ولسوابق فضله، التمستُ له الأعذار، ولم أكلّف نفسي عناء التتبُّع، فهذا ليس من أخلاق المسلمين، والأصل في المسلمين براءة الذمة. حتى كانت الصدمة التي آلمتني وأزعجتني، فقد أتفهّم أن يسكت أحد المنتسبين للعلم عن البيان لحسابات شخصية، أو حتى ربما لرؤية دعوية من وجهة نظره، أما أن يدافع عن الباطل، ويسفّه جهاد المجاهدين، وثبات الراسخين، وتضحيات الباذلين، ويزعم أن هذا هو الفقه، وهذا هو الشرع، فهذا ما لا صبر عليه، ولا سكوت عنه!

لذا، أبعث هذا الرد لأخي الدكتور راغب، ولكل مَن قرأ المقال، بياناً للحق وحسبة لله تعالى، ولن تحملني محبتي للرجل على كتمان الحق، أو تأخيره، وجوابي يتمثّل في بيان الأخطاء العلمية التي وقع فيها الدكتور السرجاني.

الأول: إنه فرّق بين الظلم الذي يمارسه المسلم والظلم الذي يمارسه الكافر بغير سند شرعي.
وتالله لا أدري من أين أتى بهذا التقسيم، ولا يوجد في دين الله نص يمنع من الصدح بالحق، ومواجهة الباطل، أكان الظالم مسلماً أم كافراً. ففي حديث أخرجه مسلم، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي، قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.

فلم يقل النبي، صلى الله عليه وسلّم للرجل: ابحث أولاً إن كان الظالم مسلماً أم كافراً، ولكن، قال: لا تعطه، قاتله، أنت شهيد، هو في النار. بل ربما يُفهم من الحديث أن الرجل الظالم في هذا الحديث من المسلمين، لأن النار وجبت له بجريمة البغي، لا بجريمة الاعتقاد.
 
الثاني: حصر الجهاد في القتال فقط، وهذا الفهم أوقع الأمة في مهالك لا يعلمها إلا الله، والدكتور يقول: هذا الشحن يدفع الشباب لإعلان الجهاد، أو التكفير!

أقول: وما المشكلة، أخي، أن يُعلن الشباب الجهاد، الم تُعلّمنا السنّة أن الصدح بالحق أمام الطغاة من أعظم صور الجهاد؟ وقد جاء في حديثٍ أخرجه الترمذي، والنسائي وابن ماجه: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". ألم يرفع الشرع الحنيف مكانة مَن يجاهد الحاكم الظالم حتى يقتله الحاكم إلى مرتبة سيّد الشهداء، حمزة، وليس مجرد شهيد!

قال صلى الله عليه وسلّم في حديثٍ أخرجه الحاكم، وصححه: "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَنَهَاهُ وَأَمَرَهُ، فَقَتَلَهُ". ألم تذكر، أخي، أن الإسلام أوجب الدفاع عن الأعراض؟ وفي الحديث: مَن قُتل دون عرضه فهو شهيد؟ وهل إذا اعتدى المسلم على عرضك، وإن كان حاكماً تقول له: تفضّل فهذا حقك، فقد أمرني الإسلام أن أسمع لك وأطيع، أترضاه لأهلك يا دكتور!

وأعجب من قول الدكتور: النبي، صلى الله عليه وسلّم، لم يعلن الجهاد إلا ضد الكفار! فمَن الذي كان محارباً للإسلام والمسلمين وقتها غير الكفار؟ ومَن كان يسفك دماء المسلمين وينتهك الأعراض غير الكفار! فكيف تستدلّ بعدم فعله، صلى الله عليه وسلّم، مع معرفتك بعدم وجود ما يقتضي ذلك وأنت رجل التاريخ والسيرة؟

وأزيدك فأقول: ألم يقاتل الصدّيق، رضي الله عنه، مانعي الزكاة جحوداً، قتال كفر وارتداد مع اعترافهم ببقية الأركان؟ أما قضية التكفير، فمَن الذي كسر بابها، وأشعل نارها، أليس مَن استحلّوا الدماء، وقالوا: "اقتلوهم دي ناس نتنة"؟ هم مَن فتحوا باب التكفير، فأين أنت منهم؟

الذين استحلّوا الأعراض، وقالوا: لماذا خرجت البنات إلى الجامعة أو المسيرة؟ وكأنهن بالخروج أصبحن مستباحات الأعراض، أليس هؤلاء هم مَن فتح باب التكفير؟ فأين أنت منهم؟

الذين أفتوا بحرق المساجد، وقتل العلماء، وانتهاك الأعراض، وانتهاب الأموال، وتمكين الفَجَرة، ومحاربة الصالحين، أليسوا مَن فتح باب التكفير؟ فأين أنت منهم؟ والذين صمتوا وربما باركوا موالاة اليهود وحصار المسلمين وتشويه المجاهدين، والدفاع عن الصهاينة المعتدين، أليسوا هم مَن فتحوا باب التكفير؟

الثالث: الادّعاء بأن قائد الانقلاب وليٌّ لأمر المسلمين تجب طاعته، ويستدلّ بحديث حذيفة، رضي الله عنه: وإن جَلَد ظهرك وأخذ مالك.. وتلك يا دكتور قاصمة!

وحديث حذيفة رواه الشيخان، من طريق أبي إدريس الخولاني، وليس فيه زيادة، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وإنما قال فيه: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. فالمقصود بالطاعة في الحديث، كما قال ابن حزم: إذا تولّى أخذ المال وجَلْد الظهر بالحق، وجب علينا الصبر والطاعة، أما إذا كان ذلك بالباطل، فمعاذ الله أن يأمر رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، بالصبر على ذلك. وكيف يأمر بذلك، وهو مَن قال، صلى الله عليه وسلّم، في الحديث الذي رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن: كَلّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بالْمعْرُوفِ، وَلَتَنْهوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، ولَتقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ". كيف وقد قال، صلى الله عليه وسلّم، في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده: "إذا رأيتم أمتي تهابُ الظالَم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تُوُدِّعَ منها".

ألا تعلم، يا دكتور، أن هؤلاء ما هم إلا مجموعة من البُغاة، اختطفوا وليّ أمر المسلمين، فوجب على المسلمين استخلاصه ونصره، كما قال العلماء؟ ألا تعلم، يا دكتور، أن القضية ليست حاكماً تغلّب على حاكم بالقوة، ثم انطلق يقيم العدل بين الناس، ويقيم شرع الله تعالى ويحفظ هوية الأمة، وإنما القضية أن مجموعة من البُغاة تسلّطوا على البلاد بالإفساد، وعلى هوية الأمة بالمحو والتبديل، وعلى علمائها بالتقتيل، وعلى أعراضها بالفجور، وعلى شبابها بالاعتقال. ومَن فعل ذلك تجب مقاومته، حتى وإن كان حاكماً شرعياً. فما بالك وهو ليس كذلك؟

هل تنكر، يا رجل، أن هؤلاء في شرع الله خوارج، خرجوا بالسلاح على الإمام، وتسلطوا على الأمة يقتلون أبناءها ويستبيحون نساءها؟

ألا تعلم، يا دكتور، أن هؤلاء الذين تطالب بطاعتهم، تجب مقاومتهم والأخذ على أيديهم، وإن لبسوا أزياء المسلمين؟ فهم يُوالون أعداء الله، وينصرونهم على المجاهدين، وينشرون الفساد في الأرض، ويقتلون الذين يأمرون بالقسط والعدل بين الناس، ويحاربون كل فضيلة، وينتصرون لكل رذيلة، ويتآمرون على البلاد والعباد مع الأنظمة الإقليمية الفاجرة، والتكتلات الدولية الكافرة. إذا لم يكن هؤلاء هم الخوارج الذين تجب مقاومتهم، فمَن إذاً يا دكتور؟

ألم تقرأ بيان الأزهر، في ربيع الأول عام 1380هـ، بتوقيع شيخ الأزهر العلامة محمود شلتوت، وفيه: "فلئن حاول إنسان أن يمدّ يده لفئة باغية يضعها الاستعمار لتكون جسراً له، يعبر عليه إلى غاياته، ويلج منه إلى أهدافه، لو حاول إنسان ذلك، لكان عملُه هو الخروج على الدين بعينه".

 أخيراً أقول: 

المواجهة لا تعني ولا تستلزم التكفير، فالمسلم حينما يدافع عن نفسه لا يحتاج إلى تكفير المعتدي، فدفعك الصائل لا يستلزم كفره، وقتال الفئة الباغية لا يستلزم كفرها. قال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".

أخي: إذا لم تستطع أن تكون مناصراً للحق، فلا تكن عوناً للباطل. 

avata
avata
جمال عبد الستار محمد (مصر)
جمال عبد الستار محمد (مصر)