إعدام الإنسانية

02 مارس 2015
+ الخط -

قبل المأساة الإنسانية الكبرى التي وقعت فى مصر في الثلاثين من يونيو/حزيران، عندما وقع الانقلاب العسكري، كانت آلة الدعاية السوداء الجبارة التي يديرها عدد ممن طفوا على السطح فى غفلة من الزمن، بإشراف عدد ممن اعتقدوا أنهم أنصاف آلهة، وبتمويل داخلي وخارجي ينتمي، فى معظمه، إلى تجارة الحرب، واقتصاد المافيا، تهيئ المجتمع المصري لعهد جديد، لن يكون الضمير والشعور الإنساني جزءا منه.

إذ قبل نكبة الديمقراطية والإنسانية فى 30 يونيو، تحالفت وسائل الدعاية مع تيارات سياسية وفكرية، كانت أكثر إرهابا وترويعا بحق الآمنين، مما يروج له، أو ينقل عن تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بداعش.

وبالعودة بالذاكرة شهورا ليست بعيدة، منذ الإعلان الدستوري، الثوري، الذي أعلنه الرئيس محمد مرسي، لتحصين ثورة يتربص بها الداخل، مدعي الثورية، قبل الخارج الراغب في قمع الشعب المصري ومصادرة حريته، كان التحريض الإرهابي ضد التيار السياسي المنتمي له رئيس الجمهورية، وتشجيع البلطجية وشبيحة النظام، بقتل أنصاره وحرق مؤسسات حزبه، ومنازل مؤيديه، متصدراً المشهد، والصحف والمواقع الإلكترونية تعج بأحداث كثيرة مروعة فى هذا الصدد.

منذ الإعلان الدستوري، والقوى السياسية المنسوبة زوراً إلى الليبرالية، ومنظروها يرتكبون فى حق المصريين جرائم ضد الإنسانية، ويصمتون عن انتهاكات بالجملة، يستحيل أن يقرها إنسان أو يقبل بها عاقل. وبتكرار هذه الأفعال والجرائم، بدءاً من التحريض الوحشي ضد جماعة الإخوان المسلمين المنتمي إليها الرئيس، مرورا بأبشع الأفعال ضدها وضد مقرها العام، كان آخرها استشهاد مواطنين من المنتمين للجماعة في هجوم دموي قاده نجوم فضائيات وحركات ثورية وغيرهم، وانتشرت لهم تسجيلات مصورة لأفعال همجية، بحق مؤيدي الرئيس، لا يمكن تصور حدوثها فى القرون الوسطى.

في هذه الواقعة المشهورة، التي عرفت، في وسائل الدعاية، بأحداث "مكتب الإرشاد" في المقطم، تداول المصريون فيديو وحشياً لعملية سحل مواطن مصري، وضربه بالحجارة بلا رحمة، وسط مجموعة أخرى ممن نزعت الإنسانية من صدورهم، وهو لا حول له ولا قوة، وكان فى خلفية المشهد أصوات تأييد وتصفيق ممن قاموا لاحقاً بالثلاثين من يونيو.

هذا المواطن البريء المسحول، كان أحد المحكوم عليهم بالإعدام فى القضية التي لم تتحرك إلا بعد انقلاب دموي، جاء للقضاء على ما تبقى من إنسانية فى مجتمع غارق في الخرافة والشعوذة، تحت تأثير وسائل دعاية إرهابية.

القاضي الذي حكم على المواطن، شاهد فى المحكمة الفيديو الوحشي لعملية السحل والضرب بالحجارة، وسأل المواطن: إنت لسه عايش بعد ده كله؟ هذا القاضي أصدر حكماً بالإعدام ضد هذا المواطن مع ثلاثة آخرين، وأعطى أحكاماً بالمؤبد لجملة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين.

وبالعطف على القضية التى أخذت حيزاً ليس قليلاً من وسائل دعاية النظام، الأسبوع الماضي، وهي قضية ذبح كلب بصورة وحشية، لم ينل هذا الحدث المروع بحق إنسان وصدور حكم ضده أي اهتمام، مثله فى ذلك المحامي الذي صنع به منتمون زوراً إلى جنس البشر، ما لم يفعله المنتمون لداعش بأعداء لهم يقاتلونهم. ومثله، أيضاً، محمود رمضان الذي حكم عليه بالإعدام فى قضية إلقاء عدد من البلطجية والقتلة المتربصين بالثوار الرافضين للانقلاب العسكري فى الإسكندرية من فوق بناية، لكن القضية تحولت، فجأة، ضد من حاول وقف إجرام البلطجية وإرهابهم في إعلام غارق فى عمليات القتل والتطهير المكارثي ضد شعبه.

فلا منظمات حقوقية تنتفض، ولا كتائب ومليشيات من الكتاب تواجه أفعال السلطة الوحشية، فلا الضحايا فى نظرهم ينتمون إلى البشر، ولا أفعال السلطة تستحق الانتقاد، إذ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، و"مسر" 30 يونيو تحارب الإرهاب حالياً. ذلك المنتج الوهمي الذي استجلبه إرهابيون فاشلون، في محاولة للهروب من مستنقع انهيار وضعوا مصر فيه.

D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
أحمد القاعود (مصر)
أحمد القاعود (مصر)