كل هذه البلطجة الأميركية

14 سبتمبر 2018
+ الخط -
يتبادل صقور الإدارة الأميركية أدوار البلطجة والزعرنة، وهم ينفثون سمومهم في كل اتجاه. يُطلق "الكاوبوي الأميركي" النار على كامل المنظومة الدولية، يصيب الاتفاق العالمي حول المناخ، والاتفاق الدولي مع إيران، ومنظمة اليونسكو، واتفاقيات التجارة الحرّة مع الصين والمكسيك وكندا وأوروبا. وأخيراً ها هو القصف العشوائي لكتائب دونالد ترامب يصيب قضاة المحكمة الجنائية الدولية، بعد تهديد مستشار الأمن القومي، جون بولتون، بفرض عقوباتٍ عليهم، وتجميد أرصدتهم، في حال اتخذوا إجراءات ضد الأميركيين، أو الإسرائيليين، أو أيٍّ من حلفاء الولايات المتحدة.
الوجبة الأدسم من مطبخ الكراهية الترامبي كانت من نصيب الفلسطينيين. سيد البيت الأبيض، المُترنح على عرشٍ من قصبٍ ينخره السوس، يفشّ غله بالفلسطينيين، عبر سلسلةٍ من القرارات المتعاقبة. بدأ الهجوم الأميركي على الفلسطينيين وقيادتهم منذ نوفمبر/ تشرين الثاني2017، عندما قرّرت واشنطن عدم التمديد لمكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، خلافا لما درجت عليه الإدارات الأميركية السابقة منذ افتتاح المكتب في 1994. وفي الشهر التالي، أعلن الرئيس الأميركي قراره بالاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. ثم جاء قرار 15 يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث أعلنت واشنطن خفض المساعدات المالية التي تقدّمها إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بحوالي ثلاثمائة مليون دولار أميركي. وفي نهاية شهر مارس/ آذار 2018، صدر القرار الرابع بمصادقة الكونغرس على قانون تجميد المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، بزعم صرف تلك الأموال لذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين الفلسطينيين.
في أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الإدارة الأميركية وقف أكثر من مائتي مليون دولار من المساعدات، كانت تقدمها للسلطة الفلسطينية لإنجاز مشاريع البنية التحتية في الضفة الغربية. وفي 3 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت الإدارة الأميركية وقف جميع مساعداتها المالية لـ "أونروا"، كما أوقفت واشنطن مساعدات بقيمة 25 مليون دولار لمستشفياتٍ فلسطينية في مدينة القدس الشرقية. وأخيراً، وليس آخراً، جاء قرار وزارة الخارجية الأميركية إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
أركان إدارة دونالد ترامب، سيما الخماسي، مستشار الأمن القومي جون بولتون، وسفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي، وصهر الرئيس جيرالد كوشنير، والمبعوث جيسون غرينبلات، والسفير في إسرائيل ديفيد فريدمان، لا يخفون عنصريتهم الطافحة، وكراهيتهم الفائقة إزاء الفلسطينيين. وفي المقابل، يتباهون متسابقين في دعم إسرائيل وحمايتها بكل الأسلحة، بما فيها كعب حذاء نيكي هيلي العالي، المُشهر للدفاع عن تل أبيب في المحافل الدولية من الأمم المتحدة إلى اليونسكو، ومن محكمة الجنايات الدولية، إلى مجلس حقوق الإنسان الدولي، وصولا إلى منظمة الإنتربول الدولي.
يبدو أن فشل الإدارة الأميركية في فرض "صفقة القرن" دفع فريق ترامب إلى تقديم العصا على الجزرة، والإعلان بصلافةٍ أن العقوبات على الفلسطينيين ستستمر ما لم توافق القيادة الفلسطينية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والانخراط في صفقة تسوية القضية الفلسطينية. يزيح هذا الابتزاز الرخيص آخر أوراق التوت عن عورات إدارة يمينية انعزالية، لا يليق بها دور الوسيط، أو حتى "الغرسون".
موقف الإدارة الأميركية، المتزامن مع الذكرى 25 لتوقيع اتفاق أوسلو، وإن أغلق الأبواب أمام أي تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، إلا أنه يفتح أمام الفلسطيني أبواباً للمراجعة، والتحرّر من كل الاتفاقيات مع إسرائيل، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني، ووقف العمل باتفاقية باريس الاقتصادية، فالإدارة الأميركية، بمواقفها العدائية المُتنكرة للحقوق الوطنية الفلسطينية، تمنح الفلسطينيين فرصةً استثنائية للذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنابر العالمية لمحاكمة الاحتلال الإسرائيلي، وفضح نظام الفصل العنصري المُتوّج بقانون القومية اليهودي.
مهما كانت عصا البلطجي الأميركي غليظةً وطويلة، فهي لن تقصم الظهر الفلسطيني، بل تقوّيه، فـ"الاستسلام ليس خياراً"، كما يعلمنا عنوان كتاب مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون؛ والحياة ليست دائماً مفاوضات، خلافاً لما كتبه صائب عريقات.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.