2022 ... انكشافٌ عربيٌّ أكثر

02 يناير 2023
+ الخط -

شحّت الأخبار العربية، ذات الأهمية، في اليوم الأخير للعام الذي غادرنا (2022)، السبت الماضي، غير أنّ خبراً نفذ ذلك النهار إلى بعض وسائط الإعلام، من دون اكتراثٍ ظاهرٍ به، يمكن حسبانُه ذا قيمةٍ كبرى، في دلالاتِه وما يؤشّر إليه، بل لا تزيّدَ في اعتباره يضيء على المدى الفادح الذي بلغه الانكشاف العربي المريع في العام المنصرف، وقد تدحرج الحالُ العربيُّ إلى قيعانٍ أبعد وأبعد، على غير صعيدٍ وشأن. .. موجز الخبر أن رئيس الإمارات، محمد بن زايد، هنأ نتنياهو بتولّيه رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في مكالمةٍ هاتفيةٍ، ودعا فيها المذكور (وقرينته!) إلى زيارة الإمارات، وعبّر فيها، عن "تطلّعه إلى تعزيز العلاقات الإماراتية الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً في المجالات التنموية، ودفع مسار الشراكة بين البلدين إلى الأمام". وإلى سويداء حادّة ربما يُحدِثها خبرٌ كهذا في نفوسنا، نحن المواطنين العرب، فإنه أيضاً يبعثُ على أرطالٍ من الحيرة، فليس من المعهود في العلاقات بين الدول العربية ببعضها، وبينها وبين أخرى أجنبيةٍ صديقة، أن رئيسا عربيا يُبادر إلى تهنئة رئيس حكومة دولةٍ أخرى، بمكالمةٍ هاتفيةٍ، فور نيل الأخير الثقة البرلمانية، وقد لوحظ أن وكالة أنباء الإمارات طيّرت خبرَها الرسمي ساعاتٍ قليلةً بعد إحراز حكومة نتنياهو ثقة الكنيست. 
لم يجد نتنياهو في نفسه، في تقديمه برنامج حكومته أمام البرلمان، حاجةً إلى مراعاة أي اعتبارٍ يخصّ العرب، ولم يستشعر داعياً لتحايلٍ لفظيٍّ يُخفي فيه المنزع الوحشي الشديد التطرّف لهذه الحكومة التي تضمّ غلاةً فاشيين معلنين، بعضُهم منضوٍ في حركةٍ تصنّفها الولايات المتحدة إرهابية، ومتّهمون رسميا في إسرائيل نفسها بارتكاب جرائم جنائيةٍ وغير جنائية، ويتولّى أحد هؤلاء وزارة الأمن القومي الإسرائيلي، وقد استقبلته سفارة الإمارات في تل أبيب في احتفال بمناسبةٍ وطنيةٍ الشهر الماضي (ديسمبر/ كانون الأول). وإذ أصبح هذا وأمثالٌ له يشهرون برنامج طرد الفلسطينيين وتهجيرهم وقتل من أمكن قتله منهم، وضمّ الضفة الغربية، وتنشيطا لا يتوقّف للاستيطان فيها وفي الجولان، فقد كان من طبيعيّ الأمور أن يكون لونٌ كهذا للحكومة المذكورة مبعث قلقٍ معلنٍ للأردن، مثلا، غير أن رئيسَها يستحقّ من أبوظبي تهنئةً على تشكيلها وعلى نيلها ثقة البرلمان، وقبل ذلك يستحقّ مكالمةً هاتفيةً، عند فوز تكتّله بالانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من رئيس الإمارات، ومن رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان.
من نقصان العقل أن يتوقف أحدٌ عند ما قد يعدّها صفةً بروتوكوليةً لهذه المكالمات الهاتفية، فلا يُنزلِها في النعوت التي تليقُ بها، من قبيل أنها من مؤشّراتٍ غير قليلةٍ إلى مدى القاع السحيق الذي يقيم فيه الراهن العربي، فلم يكن ليطرأ في أشدّ كوابيس أعتى المتشائمين، غداة رحلة أنور السادات إلى القدس المحتلة قبل 45 عاماً، أنّ زمناً سيأتي، يصل فيه العريُ العربيّ الرسميّ أمام دولة الاحتلال إلى أن يهنئ رئيسٌ عربيٌ نتنياهو على تشكيله حكومة إجرامٍ معلن. ولكن أضواءً مشعّةً في الجسد العربي تُشيع في النفوس الارتياح والاطمئنان، إذ لم ينخدش العداء الذي تقيم عليه الشعوب العربية تجاه دولة الاحتلال، وكذا رفضها كل علاقات التطبيع العربية الرسمية معها، على ما تدلّ استطلاعات المؤشّر العربي، والتي يُنجزها سنويا المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وعلى ما عوين في أكثر من واقعةٍ ومناسبةٍ في غير بلدٍ عربي، وقد شوهدت تعبيراتٌ منه أبداها الجمهور العربي في مونديال قطر 2022. وكان من محاسن ما اختُتم به العام المنقضي أنّ مجلس الشورى العُماني أجرى تعديلاً قانونياً، حظر فيه كلّ أشكال التطبيع والاتصال مع إسرائيل.
الفلسطيني وحيدٌ في صراعه الوجودي مع إسرائيل. والسوري متروكٌ لجائحة الاستبداد والعسف التي لا يُغادرها نظام غاز السارين الحاكم في دمشق. وأشقاؤهما العرب، في اليمن والعراق وتونس وليبيا وغيرها، منذورون إلى بؤس الحاكمين وأهل القرار. أما الغلاء والبطالة والفقر وقلة الفرص وتراجع العدالة الاجتماعية ونقصان الحقوق المعيشية ومغالبة الفساد واحتكار نخبٍ مهيمنةٍ الثروة والسلطة، فإنها مظاهر عوينت شديدةَ الوطأة في غير بلدٍ عربيٍّ في العام الذي ودّعنا، واختتمه رئيس بلدٍ عربيٍّ بتهنئة نتنياهو على حكومته الفاشية ... هاتفياً.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.