12 نوفمبر 2024
حكومة الفخفاخ .. من عسر التشكيل إلى تحدّيات الحكم
كشف رئيس الحكومة التونسية المكلف، إلياس الفخفاخ، يوم 19 شباط/ فبراير 2020، عن أسماء أعضاء فريقه الحكومي، بعد شهر من اللقاءات والمشاورات التي أجراها مع مختلف مكونات المشهد السياسي والبرلماني في تونس. ويأتي الإعلان عن هذا الفريق، بعد أطول أزمة حكومية شهدتها البلاد، وامتدت منذ إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية أواخر عام 2019. وكان الحبيب الجملي، المكلف الأول، قد فشل في نيل ثقة البرلمان على حكومته بعد شهرين من المشاورات والتجاذبات، ليكلف الرئيس قيس سعيد، بعد ذلك، الفخفاخ بالمهمة. وعلى الرغم من أن الطريق تبدو سالكة، هذه المرة، لنيل ثقة النواب، فإن تحدّيات كبرى تنتظر الفخفاخ وفريقه.
المخاض العسير
حال تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد فشل الجملي وفريقه في نيل ثقة البرلمان، حدّد الفخفاخ الخطوط العامة للمشاورات واللقاءات التي ينوي إجراءها مع الأحزاب والكتل البرلمانية والمنظمات والشخصيات السياسية لتشكيل فريقه الحكومي، متعهدًا بالعمل على بناء أوسع تحالف سياسي ممكن "بعيدًا عن أي إقصاء أو محاصصةٍ حزبيةٍ مع الوفاء للتوجه الأغلبي"، قبل أن يستدرك ويستثني حزبي قلب تونس (ترشح رئيسه، نبيل القروي، في مواجهة سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية) والدستوري الحر (المحسوب على النظام السابق)، مؤكدًا أن الائتلاف الحكومي سيقتصر على الأطراف التي دعمت الرئيس سعيد في الدور الثاني.
مثّل قرار الفخفاخ استثناء حزب قلب تونس من المشاورات أول محطات الخلاف والتجاذب بينه وبين حركة النهضة، الحائزة على الكتلة البرلمانية الأكبر، والتي طالبته باعتماد "أوسع قاعدة حزبية وبرلمانية في حكومة وحدة وطنية لا تقصي إلا من أقصى نفسه". وبرّرت الحركة طلبها برفضها المبدئي لإقصاء أي طرف، وخصوصًا أن كتلة حزب قلب تونس تمثّل الكتلة الثانية في البرلمان، وكذلك بحاجة المشهد السياسي والبرلماني القادم إلى أوسع توافق ممكن لضمان تمرير القوانين الأساسية وتفعيل المؤسسات السيادية؛ وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، التي تتطلب موافقة ثلثي النواب؛ وهو نصابٌ يصعب تحقيقه في حال بقاء حزب قلب تونس في المعارضة. وقد أكدت الحركة أن على الحكومة البحث عن شرعيتها لدى البرلمان الذي سيصوّت على منحها الثقة، وليس لدى الرئيس. وعبّرت الحركة عن استعدادها لجميع الخيارات، بما فيها الذهاب إلى انتخاباتٍ جديدة، في حال إصرار الفخفاخ على موقفه. وقبل انتهاء الآجال الدستورية بأيام قليلة، وفي مسعىً إلى جسر هوة الخلاف بينه وبين حركة النهضة، اجتمع الفخفاخ بوفد من حزب قلب تونس، غير أن الاجتماع لم يسفر عن توسيع الائتلاف الحكومي بضم ممثلين عن الحزب.
لا يبدو أن حسابات تشكيل الائتلاف الحكومي كانت الدافع الوحيد وراء حرص حركة النهضة على ضم حزب قلب تونس إليه، بل تشابكت معها حساباتٌ أخرى، بينها الحفاظ على التوازنات القائمة داخل مجلس النواب، وهي التوازنات التي ضمنت لرئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، رئاسة البرلمان، بعد تصويت كتلة "قلب تونس" لصالحه، إضافة إلى توظيف مطلب الانفتاح على "قلب تونس" ورقة ضغط لتحقيق أكبر حضور ممكن في الفريق الحكومي، ولاستخدامه "فيتو" للاعتراض على تسمية شخصياتٍ في مواقع ترى الحركة أن تعيينها فيها غير مطمئن لها. وهو ما تحقق للنهضة برفع عدد وزرائها في الفريق الحكومي، وبتراجع الفخفاخ عن تسمية وزراء آخرين، أو نقلهم إلى مواقع أخرى.
الفريق الحكومي: حسابات الائتلاف والاختلاف
يتكون الفريق الحكومي الذي أعلن عنه الفخفاخ من 30 وزيرًا وكاتبي دولة اثنين؛ نصفهم من المستقلين ونصفهم من ممثلي الأحزاب المشاركة. وتوزّعت الحقائب الوزارية المسندة إلى الأحزاب والكتل البرلمانية بين حركة النهضة (7 حقائب)، والتيار الديمقراطي (3 حقائب)، وحركتي الشعب وتحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني (حقيبتان لكل منها). وضمت قائمة الوزراء المتحزّبين مجموعة من قيادات الصف الأول، بينها عبد اللطيف المكي ولطفي زيتون من حركة النهضة، ومحمد عبّو ومحمد الحامدي من التيار الديمقراطي، وفتحي بلحاج من حركة الشعب، وسليم العزابي من حركة تحيا تونس. ويبدو من خلال عدد الحقائب الموزّعة على الأحزاب أن الفخفاخ سعى إلى تحقيق توازن نسبي بين حجم الكتل البرلمانية وحضورها في الفريق الحكومي، مع تقليص نصيب حركة النهضة بوزير واحد قياسًا على بقية الكتل. ففي حين حازت الحركة 7 حقائب بكتلة برلمانية تعد 54 نائبًا، حصل التيار الديمقراطي على نصف حقائبها بـ 22 نائبًا، وحصلت حركة تحيا تونس على حقيبتيْن بـ 14 نائبًا. وبتشكيل الائتلاف الحكومي الخماسي من حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة تحيا تونس وحركة الشعب وكتلة الإصلاح الوطني، تصبح كتل قلب تونس (38 نائبًا) وائتلاف الكرامة (19 نائبًا) والحزب الدستوري الحر (17 نائبًا)، كتلًا محسوبة على المعارضة.
أما أعضاء الفريق الحكومي غير المحسوبين على أحزاب أو كتل برلمانية، فقد حصلوا على 15 حقيبة وزارية وكاتبي دولة. وحرص الفخفاخ على ما وصفه بـ "تحييد" كل الوزارات السيادية (الداخلية، والخارجية، والدفاع) وإسنادها إلى شخصياتٍ "مستقلة"؛ نزولًا عند رغبة كل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي. كما اضطر إلى التراجع عن تسمية لبنى الجريبي في وزارة تكنولوجيا الاتصال، وتعيينها وزيرة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالمشاريع الكبرى، بعد اعتراض حركة النهضة على وصفها بالمستقلة، باعتبارها قيادية في حزب التكتل الديمقراطي الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الفخفاخ. وكانت أحزاب الشعب والتيار الديمقراطي وتحيا تونس، قد اعترضت، بدورها، على منح حركة النهضة حقيبة تكنولوجيا الاتصال وطالبت بـ "تحييدها". ومثّلت "استقلالية" بعض الشخصيات من عدمها إحدى النقاط المثيرة للخلاف والتجاذب بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف، وبينها وبين رئيس الحكومة المكلف، حيث اعتُبر عدد من الشخصيات المكلفة مقرّبًا من التكتل الديمقراطي (حزب الفخفاخ) الذي فشل في نيل أي مقعد في الانتخابات البرلمانية.
أولويات الحكومة الجديدة
تمثل التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد، كما أكّد الفخفاخ، والتحدّيات الإقليمية التي يفرضها الوضع في الجوار الليبي أبرز أولويات الحكومة الجديدة؛ وهي الرؤية التي تشاركه فيها أغلبية مكونات الائتلاف. ويأتي على رأس الأولويات الاقتصادية والاجتماعية "تحسين القدرة الشرائية ومقاومة الاحتكار والتهريب"، و"إنعاش الاقتصاد بإجراءات عاجلة"، و"تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد"، و"تعبئة الموارد الضرورية للدولة لسنة 2020". أما الأولويات متوسطة المدى، فتتلخص في "صياغة مخطط للاستثمارات الاستراتيجية للمستقبل"، وذلك بإطلاق "مشاريع كبرى"؛ بينها برنامج هيكلي لإصلاح الدولة واستكمال بناء اللامركزية، وإصلاح المنظومات التربوية والصحية والزراعية، وتحقيق نقلة في مجالات الرقمنة والطاقة. وقد تعهد الفخفاخ بالعمل على استكمال مسار العدالة الانتقالية، واستكمال مؤسسات الدولة؛ بما فيها المحكمة الدستورية، وانتخاب المجالس الجهوية وتعزيز سلطة الأقاليم، ودعم استقلالية القضاء، ومقاومة الإرهاب.
لا يختلف البرنامج الذي طرحه الفخفاخ لعمل حكومته، في حال نيلها ثقة البرلمان، كثيرًا، عن البرامج التي طرحتها الحكومات السابقة، إلا في بعض التفاصيل. وعلى الرغم من أن البلاد قطعت شوطًا معتبرًا في الانتقال السياسي والمؤسّساتي، منذ الثورة، فإن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لم تشهد خفض نسب البطالة، وتقليص عجز الميزان التجاري ووقف تراجع قيمة الدينار، مع أن الحكومات المتعاقبة أكّدت أولوية معالجتها. وبناء عليه، تظل هذه الأولويات المعلنة، خصوصا في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، رهينة تحويلها إلى إجراءات عمليةٍ قابلةٍ للقياس والتقييم.
تحدّيات منتظرة
بعد حسم حركة النهضة، صاحبة الكتلة البرلمانية الأكبر، خياراتها لدعم حكومة الفخفاخ، بات من شبه المؤكد أن هذه الحكومة ستجتاز اختبار منح الثقة في البرلمان، غير أن نيل الثقة لن يكون نهاية المصاعب التي اعترضت الفخفاخ منذ تكليفه، فإدارة ائتلاف حكومي فسيفسائي، مكون من مستقلين ومن ممثلي خمسة أحزاب وكتل برلمانية متنافرة، والحفاظ على انسجامه، لن تكون أمرًا يسيرًا، علمًا أن نجاح الفخفاخ في جسر الهوة بين أحزاب مختلفة جذريًا؛ على غرار حركة الشعب والتيار الديمقراطي، التي كانت، إلى ما قبل أسابيع، ترفض رفضًا مطلقًا أي شراكة مع حركة النهضة، يُعدّ إنجازًا كبيرًا، يفتح الباب أمام إمكانية خروج التجربة الديمقراطية التونسية الغضّة من دوائر الفرز الأيديولوجي الإقصائي إلى مشهد سياسي مفتوح، تنشأ فيه تحالفات الحكم والمعارضة، وفق اعتباراتٍ سياسيةٍ وبراغماتية.
أما على مستوى الوعود التي قدّمها الفخفاخ في برنامجه الحكومي، فسيكون تعامله مع الملف الاقتصادي والاجتماعي الاختبار الأهم لمدى قدرة فريقه على تحقيق إنجازاتٍ تخفف من وطأة الأزمة المعيشية متعدّدة الأبعاد؛ وهو اختبارٌ لن يكون يسيرًا. ويفرض الفشل الذي وسم سياسات الحكومات السابقة في الملف الاقتصادي والاجتماعي على الفخفاخ وفريقه العمل على مشروعٍ يأخذ في الاعتبار حل الأزمة البنيوية المزمنة التي يعانيها الاقتصاد وتعديل المنوال التنموي برمته؛ بما في ذلك الإقدام على إجراءاتٍ غير شعبية؛ كتعديل دعم السلع التموينية ومراجعة برامج التشغيل بالوظائف الحكومية ومكافحة الاقتصاد الموازي الذي يستحوذ على أكثر من نصف قيمة الاقتصاد التونسي. وهي إجراءاتٌ قد تدفع إلى توترات اجتماعية، ما لم ترافقها خطط تنموية واستراتيجيات اتصالية مدروسة. وفي السياق ذاته، تتصاعد التحدّيات التي تنتظر الفخفاخ وفريقه في ظل وضع إقليمي ضاغط، بسبب الأحداث التي يشهدها الجوار الليبي وتداعياتها الأمنية والاقتصادية المباشرة على تونس، إضافة إلى الملفات التي تنتظر الحسم مع الشركاء الأوروبيين، وعلى رأسها اتفاق التبادل التجاري الحر في المجال الزراعي، المعروف بـ "الأليكا"؛ وهو الاتفاق الذي ظلّ يمثّل موضوع خلافٍ كبيرٍ بين الأطراف المهنية والسياسية، بما فيها الأطراف المشاركة في الائتلاف الحكومي.
خاتمة
مع نجاح رئيس الحكومة المكلف، إلياس الفخفاخ، في تشكيل ائتلاف موسع، نسبيًا، بعد خمسة أشهر من الانتخابات العامة التي أنتجت مشهدًا برلمانيًا فسيفسائيًا، يسدل الستار على فصل من فصول الانتقال السياسي في تونس. وعلى الرغم من أن كل المؤشرات تتجه إلى نيل فريق الفخفاخ ثقة البرلمان، فإن تركيبة الائتلاف الحكومي الفضفاضة والمتنافرة، وعمق التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية التي تنتظره يتطلبا صياغة مشروع وطني تنموي شامل، وتحييد الحسابات السياسية والحزبية الضيقة، والعمل بانسجام بين مختلف القوى التي تشكل الحكومة، حتى تتمكّن تونس من اجتياز المرحلة الصعبة التي تواجهها.
حال تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد فشل الجملي وفريقه في نيل ثقة البرلمان، حدّد الفخفاخ الخطوط العامة للمشاورات واللقاءات التي ينوي إجراءها مع الأحزاب والكتل البرلمانية والمنظمات والشخصيات السياسية لتشكيل فريقه الحكومي، متعهدًا بالعمل على بناء أوسع تحالف سياسي ممكن "بعيدًا عن أي إقصاء أو محاصصةٍ حزبيةٍ مع الوفاء للتوجه الأغلبي"، قبل أن يستدرك ويستثني حزبي قلب تونس (ترشح رئيسه، نبيل القروي، في مواجهة سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية) والدستوري الحر (المحسوب على النظام السابق)، مؤكدًا أن الائتلاف الحكومي سيقتصر على الأطراف التي دعمت الرئيس سعيد في الدور الثاني.
مثّل قرار الفخفاخ استثناء حزب قلب تونس من المشاورات أول محطات الخلاف والتجاذب بينه وبين حركة النهضة، الحائزة على الكتلة البرلمانية الأكبر، والتي طالبته باعتماد "أوسع قاعدة حزبية وبرلمانية في حكومة وحدة وطنية لا تقصي إلا من أقصى نفسه". وبرّرت الحركة طلبها برفضها المبدئي لإقصاء أي طرف، وخصوصًا أن كتلة حزب قلب تونس تمثّل الكتلة الثانية في البرلمان، وكذلك بحاجة المشهد السياسي والبرلماني القادم إلى أوسع توافق ممكن لضمان تمرير القوانين الأساسية وتفعيل المؤسسات السيادية؛ وفي مقدمتها المحكمة الدستورية، التي تتطلب موافقة ثلثي النواب؛ وهو نصابٌ يصعب تحقيقه في حال بقاء حزب قلب تونس في المعارضة. وقد أكدت الحركة أن على الحكومة البحث عن شرعيتها لدى البرلمان الذي سيصوّت على منحها الثقة، وليس لدى الرئيس. وعبّرت الحركة عن استعدادها لجميع الخيارات، بما فيها الذهاب إلى انتخاباتٍ جديدة، في حال إصرار الفخفاخ على موقفه. وقبل انتهاء الآجال الدستورية بأيام قليلة، وفي مسعىً إلى جسر هوة الخلاف بينه وبين حركة النهضة، اجتمع الفخفاخ بوفد من حزب قلب تونس، غير أن الاجتماع لم يسفر عن توسيع الائتلاف الحكومي بضم ممثلين عن الحزب.
لا يبدو أن حسابات تشكيل الائتلاف الحكومي كانت الدافع الوحيد وراء حرص حركة النهضة على ضم حزب قلب تونس إليه، بل تشابكت معها حساباتٌ أخرى، بينها الحفاظ على التوازنات القائمة داخل مجلس النواب، وهي التوازنات التي ضمنت لرئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، رئاسة البرلمان، بعد تصويت كتلة "قلب تونس" لصالحه، إضافة إلى توظيف مطلب الانفتاح على "قلب تونس" ورقة ضغط لتحقيق أكبر حضور ممكن في الفريق الحكومي، ولاستخدامه "فيتو" للاعتراض على تسمية شخصياتٍ في مواقع ترى الحركة أن تعيينها فيها غير مطمئن لها. وهو ما تحقق للنهضة برفع عدد وزرائها في الفريق الحكومي، وبتراجع الفخفاخ عن تسمية وزراء آخرين، أو نقلهم إلى مواقع أخرى.
الفريق الحكومي: حسابات الائتلاف والاختلاف
يتكون الفريق الحكومي الذي أعلن عنه الفخفاخ من 30 وزيرًا وكاتبي دولة اثنين؛ نصفهم من المستقلين ونصفهم من ممثلي الأحزاب المشاركة. وتوزّعت الحقائب الوزارية المسندة إلى الأحزاب والكتل البرلمانية بين حركة النهضة (7 حقائب)، والتيار الديمقراطي (3 حقائب)، وحركتي الشعب وتحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني (حقيبتان لكل منها). وضمت قائمة الوزراء المتحزّبين مجموعة من قيادات الصف الأول، بينها عبد اللطيف المكي ولطفي زيتون من حركة النهضة، ومحمد عبّو ومحمد الحامدي من التيار الديمقراطي، وفتحي بلحاج من حركة الشعب، وسليم العزابي من حركة تحيا تونس. ويبدو من خلال عدد الحقائب الموزّعة على الأحزاب أن الفخفاخ سعى إلى تحقيق توازن نسبي بين حجم الكتل البرلمانية وحضورها في الفريق الحكومي، مع تقليص نصيب حركة النهضة بوزير واحد قياسًا على بقية الكتل. ففي حين حازت الحركة 7 حقائب بكتلة برلمانية تعد 54 نائبًا، حصل التيار الديمقراطي على نصف حقائبها بـ 22 نائبًا، وحصلت حركة تحيا تونس على حقيبتيْن بـ 14 نائبًا. وبتشكيل الائتلاف الحكومي الخماسي من حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة تحيا تونس وحركة الشعب وكتلة الإصلاح الوطني، تصبح كتل قلب تونس (38 نائبًا) وائتلاف الكرامة (19 نائبًا) والحزب الدستوري الحر (17 نائبًا)، كتلًا محسوبة على المعارضة.
أما أعضاء الفريق الحكومي غير المحسوبين على أحزاب أو كتل برلمانية، فقد حصلوا على 15 حقيبة وزارية وكاتبي دولة. وحرص الفخفاخ على ما وصفه بـ "تحييد" كل الوزارات السيادية (الداخلية، والخارجية، والدفاع) وإسنادها إلى شخصياتٍ "مستقلة"؛ نزولًا عند رغبة كل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي. كما اضطر إلى التراجع عن تسمية لبنى الجريبي في وزارة تكنولوجيا الاتصال، وتعيينها وزيرة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالمشاريع الكبرى، بعد اعتراض حركة النهضة على وصفها بالمستقلة، باعتبارها قيادية في حزب التكتل الديمقراطي الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الفخفاخ. وكانت أحزاب الشعب والتيار الديمقراطي وتحيا تونس، قد اعترضت، بدورها، على منح حركة النهضة حقيبة تكنولوجيا الاتصال وطالبت بـ "تحييدها". ومثّلت "استقلالية" بعض الشخصيات من عدمها إحدى النقاط المثيرة للخلاف والتجاذب بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف، وبينها وبين رئيس الحكومة المكلف، حيث اعتُبر عدد من الشخصيات المكلفة مقرّبًا من التكتل الديمقراطي (حزب الفخفاخ) الذي فشل في نيل أي مقعد في الانتخابات البرلمانية.
أولويات الحكومة الجديدة
تمثل التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها البلاد، كما أكّد الفخفاخ، والتحدّيات الإقليمية التي يفرضها الوضع في الجوار الليبي أبرز أولويات الحكومة الجديدة؛ وهي الرؤية التي تشاركه فيها أغلبية مكونات الائتلاف. ويأتي على رأس الأولويات الاقتصادية والاجتماعية "تحسين القدرة الشرائية ومقاومة الاحتكار والتهريب"، و"إنعاش الاقتصاد بإجراءات عاجلة"، و"تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد"، و"تعبئة الموارد الضرورية للدولة لسنة 2020". أما الأولويات متوسطة المدى، فتتلخص في "صياغة مخطط للاستثمارات الاستراتيجية للمستقبل"، وذلك بإطلاق "مشاريع كبرى"؛ بينها برنامج هيكلي لإصلاح الدولة واستكمال بناء اللامركزية، وإصلاح المنظومات التربوية والصحية والزراعية، وتحقيق نقلة في مجالات الرقمنة والطاقة. وقد تعهد الفخفاخ بالعمل على استكمال مسار العدالة الانتقالية، واستكمال مؤسسات الدولة؛ بما فيها المحكمة الدستورية، وانتخاب المجالس الجهوية وتعزيز سلطة الأقاليم، ودعم استقلالية القضاء، ومقاومة الإرهاب.
لا يختلف البرنامج الذي طرحه الفخفاخ لعمل حكومته، في حال نيلها ثقة البرلمان، كثيرًا، عن البرامج التي طرحتها الحكومات السابقة، إلا في بعض التفاصيل. وعلى الرغم من أن البلاد قطعت شوطًا معتبرًا في الانتقال السياسي والمؤسّساتي، منذ الثورة، فإن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لم تشهد خفض نسب البطالة، وتقليص عجز الميزان التجاري ووقف تراجع قيمة الدينار، مع أن الحكومات المتعاقبة أكّدت أولوية معالجتها. وبناء عليه، تظل هذه الأولويات المعلنة، خصوصا في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، رهينة تحويلها إلى إجراءات عمليةٍ قابلةٍ للقياس والتقييم.
تحدّيات منتظرة
بعد حسم حركة النهضة، صاحبة الكتلة البرلمانية الأكبر، خياراتها لدعم حكومة الفخفاخ، بات من شبه المؤكد أن هذه الحكومة ستجتاز اختبار منح الثقة في البرلمان، غير أن نيل الثقة لن يكون نهاية المصاعب التي اعترضت الفخفاخ منذ تكليفه، فإدارة ائتلاف حكومي فسيفسائي، مكون من مستقلين ومن ممثلي خمسة أحزاب وكتل برلمانية متنافرة، والحفاظ على انسجامه، لن تكون أمرًا يسيرًا، علمًا أن نجاح الفخفاخ في جسر الهوة بين أحزاب مختلفة جذريًا؛ على غرار حركة الشعب والتيار الديمقراطي، التي كانت، إلى ما قبل أسابيع، ترفض رفضًا مطلقًا أي شراكة مع حركة النهضة، يُعدّ إنجازًا كبيرًا، يفتح الباب أمام إمكانية خروج التجربة الديمقراطية التونسية الغضّة من دوائر الفرز الأيديولوجي الإقصائي إلى مشهد سياسي مفتوح، تنشأ فيه تحالفات الحكم والمعارضة، وفق اعتباراتٍ سياسيةٍ وبراغماتية.
أما على مستوى الوعود التي قدّمها الفخفاخ في برنامجه الحكومي، فسيكون تعامله مع الملف الاقتصادي والاجتماعي الاختبار الأهم لمدى قدرة فريقه على تحقيق إنجازاتٍ تخفف من وطأة الأزمة المعيشية متعدّدة الأبعاد؛ وهو اختبارٌ لن يكون يسيرًا. ويفرض الفشل الذي وسم سياسات الحكومات السابقة في الملف الاقتصادي والاجتماعي على الفخفاخ وفريقه العمل على مشروعٍ يأخذ في الاعتبار حل الأزمة البنيوية المزمنة التي يعانيها الاقتصاد وتعديل المنوال التنموي برمته؛ بما في ذلك الإقدام على إجراءاتٍ غير شعبية؛ كتعديل دعم السلع التموينية ومراجعة برامج التشغيل بالوظائف الحكومية ومكافحة الاقتصاد الموازي الذي يستحوذ على أكثر من نصف قيمة الاقتصاد التونسي. وهي إجراءاتٌ قد تدفع إلى توترات اجتماعية، ما لم ترافقها خطط تنموية واستراتيجيات اتصالية مدروسة. وفي السياق ذاته، تتصاعد التحدّيات التي تنتظر الفخفاخ وفريقه في ظل وضع إقليمي ضاغط، بسبب الأحداث التي يشهدها الجوار الليبي وتداعياتها الأمنية والاقتصادية المباشرة على تونس، إضافة إلى الملفات التي تنتظر الحسم مع الشركاء الأوروبيين، وعلى رأسها اتفاق التبادل التجاري الحر في المجال الزراعي، المعروف بـ "الأليكا"؛ وهو الاتفاق الذي ظلّ يمثّل موضوع خلافٍ كبيرٍ بين الأطراف المهنية والسياسية، بما فيها الأطراف المشاركة في الائتلاف الحكومي.
خاتمة
مع نجاح رئيس الحكومة المكلف، إلياس الفخفاخ، في تشكيل ائتلاف موسع، نسبيًا، بعد خمسة أشهر من الانتخابات العامة التي أنتجت مشهدًا برلمانيًا فسيفسائيًا، يسدل الستار على فصل من فصول الانتقال السياسي في تونس. وعلى الرغم من أن كل المؤشرات تتجه إلى نيل فريق الفخفاخ ثقة البرلمان، فإن تركيبة الائتلاف الحكومي الفضفاضة والمتنافرة، وعمق التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية التي تنتظره يتطلبا صياغة مشروع وطني تنموي شامل، وتحييد الحسابات السياسية والحزبية الضيقة، والعمل بانسجام بين مختلف القوى التي تشكل الحكومة، حتى تتمكّن تونس من اجتياز المرحلة الصعبة التي تواجهها.