16 نوفمبر 2024
إيران ـ أميركا: واقعية وانفعال
غالباً ما يُشكّل التوازن بين مختلف العناصر في أي ملف، مفتاحاً لاستقرارٍ ما، قد يكون مرغوباً أو لا. ويُمكن تصنيف التوازن كإحدى ركائز الواقعية في عالمٍ أقرب إلى الانفعالات منه إلى التفكير البارد أو العقلانية. وفي الوقت نفسه، لا يُمكن منع أحد من اختيار أي نوعٍ من التفكير، سواء الانفعالي أو العقلاني، بناء على مسبّبات وعناصر كثيرة، خصوصاً أن المسألة غير مرتبطة بما هو صحيح أو خاطئ. في النهاية، من الصعب بالنسبة إلى كثر الخروج من الموروثات، حتى لو أرادوا ذلك، فالمسار طويل، ويحتاج إلى العناية بالتفاصيل.
في السياق، كانت طرق التعامل والتفاعل مع موضوع التوتر الأميركي ـ الإيراني أقرب إلى الجنون المتناسخ لحظوياً. عدا عن كونه "ترند" في عالم التواصل الاجتماعي. الصيحات الدينية التي برزت خلال هذه المرحلة تحمل دلالاتٍ عدّة. هناك قناعة لدى كثر، مبنية على ما اعتبروها تراكماتٍ شهدوها في حياتهم، بأن مرحلة ما جديدة بدأت بالبروز في أفق الشرق الأوسط. طبعاً، حتمية التغيير الدائم في مثل هذه المنطقة أمر "طبيعي" قياساً على جغرافيتها السياسية، وعلى مجموعاتها الديمغرافية وتاريخها العنيف، غير أن الأهم هو ربط هذا التغيير بما جاء في الأديان. هنا تكمن المشكلة، لأن الدين هو العنصر الأساسي في بناء السلوك السياسي لبلدان المنطقة، خصوصاً بعد ولادة الكيان الإسرائيلي عام 1948، الذي ساهم أيضاً عبر "يهودية الدولة"، في تكريس قوة الدين السياسية. مع ذلك، من استعان بالدين، استعان به على الورق في معظم الأحيان، كما حصل ويحصل في لبنان مثلاً، بينما نحا به آخرون صوب التطرّف. عملياً، الأنظمة العسكرية، أو الحاكمة باسم الأمن، هي من انتصرت، لا الدولة المدنية. لكنه موضوع آخر.
أظهر التصعيد الإيراني ـ الأميركي أن بعضهم لا يمكنهم تجاوز نمطية محددة، سواء باعتبار إيران "حامية لمشروع مقاومة الولايات المتحدة" أو بتصنيف الأميركيين "حُماة العالم الحرّ". هنا كانت الخطيئة الكبرى. تمّ السماح لمثل هذه النمطية بالتطوّر ببطء بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، ثم بسرعة بعد الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق عام 2003. ومع أن الاتفاق النووي الموقّع في يوليو/ تموز 2015، كان أشبه بترسيخ واقعيةٍ سياسيةٍ حتميةٍ في بعض جوانبها، إلا أنه كان ناقصاً، لأنه عملياً لم يؤسّس لمناخ تسووي حقيقي بين إيران والولايات المتحدة، بل تمّ تأجيل الخلاف عقداً كاملاً. في هذا البند، كان واضحاً أن طرفاً ما سيخرق الاتفاق. ودائماً في مثل هذه الحالات، يكون المتشدّد هو من يُقدم على هذه الخطوة، فكيف إذا كان الاتفاق تمّ أساساً بين معتدلين نسبياً: الديمقراطي باراك أوباما في أميركا، والإصلاحي حسن روحاني في إيران؟ في الحالة الأميركية، أدّى الرئيس دونالد ترامب دور المتشدّد حين انسحب من الاتفاق النووي، في مايو/ أيار 2018، ثم فرض عقوبات متلاحقة على إيران، وهو ما سمح للمتشدّدين في إيران بكسب النقاط والتقدّم، وصولاً حتى إعلان طهران المرحلة الخامسة والنهائية من تقليص تعهداتها النووية. بذلك تكون قد كسرت كل القيود التي فرضت على برنامجها النووي، أي في مجالات كمية تخصيب اليورانيوم ومستوى التخصيب وإنتاج اليورانيوم المخصّب والتطوير والبحث النووي.
الجنون السائد منذ مايو/ أيار 2018 لا يعني حكماً صداماً عسكرياً بين الجانبين. وما حصل أخيراً بين الطرفين، كان بمثابة تعديل الخطوط الحمر بينهما، تمهيداً لمرحلة تفاوضية مستقبلية، لا أحد يعرف موعدها، ولا كيفية انتهائها ولمصلحة من، لكنها بالطبع مطلوبة أكثر من أي وقتٍ مضى. هذا لا يعني أن "هرمجدون" ما على الأبواب من جهة، ولا أن زمن الحروب ولّى من جهة أخرى، بل يعني أن إسباغ العامل الديني على التوتر الأميركي ـ الإيراني تحديداً، يعيد مشهداً "تقليدياً" في المنطقة سينتهي بخيبةٍ جديدة.
أظهر التصعيد الإيراني ـ الأميركي أن بعضهم لا يمكنهم تجاوز نمطية محددة، سواء باعتبار إيران "حامية لمشروع مقاومة الولايات المتحدة" أو بتصنيف الأميركيين "حُماة العالم الحرّ". هنا كانت الخطيئة الكبرى. تمّ السماح لمثل هذه النمطية بالتطوّر ببطء بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، ثم بسرعة بعد الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق عام 2003. ومع أن الاتفاق النووي الموقّع في يوليو/ تموز 2015، كان أشبه بترسيخ واقعيةٍ سياسيةٍ حتميةٍ في بعض جوانبها، إلا أنه كان ناقصاً، لأنه عملياً لم يؤسّس لمناخ تسووي حقيقي بين إيران والولايات المتحدة، بل تمّ تأجيل الخلاف عقداً كاملاً. في هذا البند، كان واضحاً أن طرفاً ما سيخرق الاتفاق. ودائماً في مثل هذه الحالات، يكون المتشدّد هو من يُقدم على هذه الخطوة، فكيف إذا كان الاتفاق تمّ أساساً بين معتدلين نسبياً: الديمقراطي باراك أوباما في أميركا، والإصلاحي حسن روحاني في إيران؟ في الحالة الأميركية، أدّى الرئيس دونالد ترامب دور المتشدّد حين انسحب من الاتفاق النووي، في مايو/ أيار 2018، ثم فرض عقوبات متلاحقة على إيران، وهو ما سمح للمتشدّدين في إيران بكسب النقاط والتقدّم، وصولاً حتى إعلان طهران المرحلة الخامسة والنهائية من تقليص تعهداتها النووية. بذلك تكون قد كسرت كل القيود التي فرضت على برنامجها النووي، أي في مجالات كمية تخصيب اليورانيوم ومستوى التخصيب وإنتاج اليورانيوم المخصّب والتطوير والبحث النووي.
الجنون السائد منذ مايو/ أيار 2018 لا يعني حكماً صداماً عسكرياً بين الجانبين. وما حصل أخيراً بين الطرفين، كان بمثابة تعديل الخطوط الحمر بينهما، تمهيداً لمرحلة تفاوضية مستقبلية، لا أحد يعرف موعدها، ولا كيفية انتهائها ولمصلحة من، لكنها بالطبع مطلوبة أكثر من أي وقتٍ مضى. هذا لا يعني أن "هرمجدون" ما على الأبواب من جهة، ولا أن زمن الحروب ولّى من جهة أخرى، بل يعني أن إسباغ العامل الديني على التوتر الأميركي ـ الإيراني تحديداً، يعيد مشهداً "تقليدياً" في المنطقة سينتهي بخيبةٍ جديدة.