04 نوفمبر 2024
صوفيا لورين والزمن الخائن
صدمة كبرى، وحالة من الجزع والمرارة وعدم التصديق، أصابت الجماهير من المعجبين بالممثلة الشهيرة، أيقونة الإثارة والإغراء عقودا طويلة، صوفيا لورين التي بلغت، أخيرا، الخامسة والثمانين، حين انتشار صورة لها على مواقع التواصل الاجتماعي، التقطتها عين الكاميرا في أحد شوارع مدينة باري في إيطاليا، جالسة على مقعد متحرّك باستسلام وحزن، يجرّها شاب. تبين فيما بعد أن المشهد الصادم جزء من فيلم "الحياة قبلنا"، قامت به دعما لابنها منتج الفيلم، على الرغم من إحجامها عن الظهور العلني، وقرارها القديم، الابتعاد عن الأضواء. وقد تجلت آثار الزمن الجائرة غير الرحيمة بشكل واضح على ملامح واحدةٍ من أشهر النساء، ذوات الجمال الصارخ في الكون، وهي الحاصلة على جائزتي أوسكار ومهرجان كان عن أفضل ممثلة في فيلم "امرأتان" في مطلع الستينيات.
صوفيا الفلاحة الإيطالية ذات الجمال الفطري التي عشقها العالم ممثلة استثنائية، تخطت طفولة معدمة شاقة، وتمكّنت من تطوير أدواتها وتجاوز الجغرافيا المحلية، فأثبتت مكانتها الفنية نجمة عالمية في أوروبا والولايات المتحدة. ربة الحسن والجمال، المرأة صاحبة البشرة السمراء، والعينين الخضراوين، والقوام الممشوق، ذات الحضور الأخّاذ والجاذبية الطاغية، رمز الفتنة التي بلا حدود التي طاردتها الكاميرات طوال سنوات ألقها الصاخبة، أصبحت الآن مجرّد عجوز، تستحق الرثاء، بملامحها المتغضنة، وجسدها الضئيل المتهالك الذي يعاني من أوجاع تقدّم العمر الكثيرة، تتوارى في العتمة خجلة بشيخوختها، كما لو كانت هذه عارا، هي من تتحمّل مسؤوليته، ولا تظهر إلى العلن إلا مضطرة.
لا يملك المرء إزاء صورةٍ صادمةٍ كهذه، ومهما تصنّع قوة وثباتا وواقعية، إلا أن ينتابه الرعب والغضب من جبروت الزمن الذي لا يترك أحدا، وقد تحطّم رمز جمال حي صارخ أمام ناظريه. ليس في مقدور أي منا سوى التسليم بالخسارة، من دون إبداء أي مقاومةٍ بلهاء، مصيرها الفشل الذريع، حين يفتك بنا تحقيقا لشرط الوجود، في نهاية الأمر. يلتهمنا بساديةٍ على مهل، متلذّذا بعذاباتنا، متشفّيا بها، قبل أن تأتي الضربة القاضية، فتجهز علينا تماما، وتحيلنا إلى ذكرى مؤقتة، سوف يطويها الغياب، "وننسى كأننا لم نكن"، فلا يبقي منا شيئا، ما يؤكّد فكرة كل شيء باطل، بل باطل الأباطيل، كما ورد في سفر الجامعة من الكتاب المقدس. نص حزين حالك عميق، يطرح مأزق الوجود مصيرا حتميا، تتربص نهايته بنا، ويحيلنا إلى اللاجدوى، كمحصلة في كل مرة.
كرّر الفكرة ذاتها المعرّي وسارتر ومحمود درويش، ومبدعون وجوديون كثيرون، من أدركوا سر الحياة. كل شيء بلا معنى، وإلى زوال، المجد، الشهرة، المال، الحب، الشباب، الجمال. ينهار كل شيء ويتداعى في نهاية الأمر، ومهما حققت لنا كل تلك الإنجازات من فرح وتحقق وتمييز، ولحظات تفوق ونجاح، أثارت غيرة الأعداء وغبطة الأحبة، وحدّدت مواقعنا في الحياة، غير أنها محكومةٌ بالتلاشي والاندثار، في لحظة النهاية التي نقضي الحياة في محاولة تجاهلها، سيما في لحظات زهونا الساذجة الهشّة، غير المستندة إلا على الوهم. توقظنا لفرط هشاشتها صورة عابرة لنجمة مشهورة، غادرها الحب والصبا والجمال، لقاء مصادفةٍ مع صديق صبا، نكتشف من خلال ملامحه أننا هرمنا. لحظة يقظة باهظة قاسية، يسمونها مرحلة النضج والحكمة التي نداري بها الخوف والحزن والإحساس القاهر بالعجز وقلة الحيلة. الغيظ من أنفسنا الأمّارة بالبقاء، لشدة تعلقنا بالحياة، على الرغم من إجحافها، وهي التي تربطنا بها عقود إذعان ظالمة، نمتثل لشروطها قانطين، متشبثين بها، على الرغم من كل شيء، بكل الحمق الإنساني الممكن، ونحن ندرك تماما أن كل ما فيها محض وهم، كذبة كبرى، سرعان ما تبدّدها دورة الأيام.
لا يملك المرء إزاء صورةٍ صادمةٍ كهذه، ومهما تصنّع قوة وثباتا وواقعية، إلا أن ينتابه الرعب والغضب من جبروت الزمن الذي لا يترك أحدا، وقد تحطّم رمز جمال حي صارخ أمام ناظريه. ليس في مقدور أي منا سوى التسليم بالخسارة، من دون إبداء أي مقاومةٍ بلهاء، مصيرها الفشل الذريع، حين يفتك بنا تحقيقا لشرط الوجود، في نهاية الأمر. يلتهمنا بساديةٍ على مهل، متلذّذا بعذاباتنا، متشفّيا بها، قبل أن تأتي الضربة القاضية، فتجهز علينا تماما، وتحيلنا إلى ذكرى مؤقتة، سوف يطويها الغياب، "وننسى كأننا لم نكن"، فلا يبقي منا شيئا، ما يؤكّد فكرة كل شيء باطل، بل باطل الأباطيل، كما ورد في سفر الجامعة من الكتاب المقدس. نص حزين حالك عميق، يطرح مأزق الوجود مصيرا حتميا، تتربص نهايته بنا، ويحيلنا إلى اللاجدوى، كمحصلة في كل مرة.
كرّر الفكرة ذاتها المعرّي وسارتر ومحمود درويش، ومبدعون وجوديون كثيرون، من أدركوا سر الحياة. كل شيء بلا معنى، وإلى زوال، المجد، الشهرة، المال، الحب، الشباب، الجمال. ينهار كل شيء ويتداعى في نهاية الأمر، ومهما حققت لنا كل تلك الإنجازات من فرح وتحقق وتمييز، ولحظات تفوق ونجاح، أثارت غيرة الأعداء وغبطة الأحبة، وحدّدت مواقعنا في الحياة، غير أنها محكومةٌ بالتلاشي والاندثار، في لحظة النهاية التي نقضي الحياة في محاولة تجاهلها، سيما في لحظات زهونا الساذجة الهشّة، غير المستندة إلا على الوهم. توقظنا لفرط هشاشتها صورة عابرة لنجمة مشهورة، غادرها الحب والصبا والجمال، لقاء مصادفةٍ مع صديق صبا، نكتشف من خلال ملامحه أننا هرمنا. لحظة يقظة باهظة قاسية، يسمونها مرحلة النضج والحكمة التي نداري بها الخوف والحزن والإحساس القاهر بالعجز وقلة الحيلة. الغيظ من أنفسنا الأمّارة بالبقاء، لشدة تعلقنا بالحياة، على الرغم من إجحافها، وهي التي تربطنا بها عقود إذعان ظالمة، نمتثل لشروطها قانطين، متشبثين بها، على الرغم من كل شيء، بكل الحمق الإنساني الممكن، ونحن ندرك تماما أن كل ما فيها محض وهم، كذبة كبرى، سرعان ما تبدّدها دورة الأيام.