24 أكتوبر 2024
الانتخابات الرئاسية في الجزائر.. جدل التأجيل وفرص التغيير
بعد نحو شهر على إعلان ترشحه لولاية رئاسية خامسة، عدل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، عن قراره، وأعلن، يوم الإثنين 11 آذار/ مارس 2019، تأجيل الانتخابات الرئاسية، بعد احتجاجاتٍ واسعة عمت أرجاء البلاد. كما أعلن الرئيس عن تعديل حكومي، أقال بموجبه رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، وعين خلفًا له وزير الداخلية، نور الدين بدوي، كما عين وزير الخارجية الأسبق، رمطان لعمامرة، نائبًا له. وأعفى بوتفليقة رئيس الهيئة الوطنية العليا لمراقبة الانتخابات وأعضاءها من مهماتهم، ودعا إلى عقد ندوةٍ وطنيةٍ للحوار، يرجّح أن يديرها وزير الخارجية الأسبق، الأخضر الإبراهيمي؛ لإجراء تعديلاتٍ دستوريةٍ تجري بعدها انتخابات رئاسية. وقد أثارت المعارضة مسألة دستورية القرارات التي اتخذها الرئيس، بما في ذلك مسألة بقائه في السلطة، بعد انتهاء مدة ولايته في نيسان/ أبريل 2019، في حين شكك بعضهم في نيات النظام، وحذّر من محاولات الالتفاف على مطالب الجماهير.
التراجع عن قرار الترشح
مثّلت الاحتجاجات التي انطلقت يوم 22 شباط/ فبراير 2019، وبلغت ذروتها يوم 8 آذار/ مارس 2019، العامل الرئيس الذي دفع النظام إلى سحب تهديداته للمحتجين والتراجع عن قرار ترشيح بوتفليقة. فقد تحركت صباح الثامن من آذار/ مارس المدن الجزائرية الكبرى كوهران وعنابة وقسنطينة وسطيف، عقب صلاة الجمعة بالتزامن مع العاصمة التي انطلق فيها الحراك باكرًا.
بالتوازي مع الاحتجاجات، دعا ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى تنفيذ إضراب عام يوم الأحد 10 آذار/ مارس 2019، ولكنه لقي تجاوبًا جزئيًا. ونقلت وسائل الإعلام الرسمية أخبار الإضراب (رئاسيات: إضراب للتجار ومسيرات سلمية بالعاصمة والعديد من الولايات"، وكالة الأنباء الجزائرية، 10/3/2019، شوهد في 13/3/2019، في: https://bit.ly/2UuOuOd). واعترفت أنه غطى إضافة إلى أجزاء من العاصمة، الجزائر، محافظات كالبليدة والشلف وتيبازة والمدية وبومرداس والبويرة وبجاية وتيزي وزو. وقد مثّل "إضراب التجار" عامل ضغط إضافي على النظام، زاده قوةً تواصلُ احتجاجات الطلبة الذين لم يفتّ في عضدهم قرار الحكومة تعطيل الجامعات، وتقريب عطلة الربيع وتمديدها. وزيادةً في الضغط على النظام، أعلن نحو ألف قاضٍ رفضهم الإشراف على الانتخابات الرئاسية في البلاد، إذا شارك فيها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. وقد مثّل انضمام قضاة الجزائر إلى الاحتجاجات ضربةً كبيرة لشرعية العملية الانتخابية، ونكسةً للجهود التي تبذلها الحكومة لإجرائها. كما أعلن القضاة عزمهم تشكيل اتحادٍ جديدٍ يضمهم خارج إطار السلطة الرسمية. وتناقلت وسائل إعلامية استقالاتٍ بين نواب حزب جبهة التحرير الوطني، أحد أحزاب التحالف الرئاسي الحاكم، وأعضاء في لجنته المركزية، تضامنًا مع المحتجين، ودعمًا للتغيير.
ساهمت هذه الضغوط في دفع النظام إلى إعادة النظر في مقاربته كل المشهد السياسي في البلاد. وقد بدأت لهجته تتغير مع تصريحاتٍ منسوبةٍ إلى رئيس أركان الجيش، أحمد قايد صالح، الذي أخذ يتحدث عن وحدة الرؤية بين الشعب والجيش، وعن التوافق في وجهات النظر مع الجماهير المحتجة. وعبر وسيلة إعلامه الرسمية (مجلة الجيش)، أطلق الجيش شعار "تعزيز
وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة على صدور هذه المواقف المهادنة من قيادة الجيش، أصدرت الرئاسة بيانًا تحدث عن عودة الرئيس من رحلته العلاجية في سويسرا، وترؤسه اجتماعًا في القصر الرئاسي ضم أركان النظام. وعلى الأثر وجّه بوتفليقة رسالة إلى الشعب تضمنت القرارات التالية ("الرئيس بوتفليقة يوجه رسالة إلى الأمة يعلن فيها عن تأجيل الانتخابات الرئاسية"، وكالة الأنباء الجزائرية، 11/3/2019، شوهد في 13/3/2019، في: https://bit.ly/2u1qkPQ ):
• سحب ترشحه لولاية خامسة، وإقراره أنه لم يكن ينوي الترشّح، وأن المرحلة الجديدة ستكون لبناء جمهورية جديدة.
• تأجيل الانتخابات الرئاسية.
• إجراء تعديلات حكومية، تم بموجبها إقالة رئيس الحكومة، وتعيين بديل منه.
• إطلاق "ندوة وطنية جامعة" مستقلة، تكون بمنزلة هيئةٍ تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس كل أنواع الإصلاحات، وإعدادها واعتمادها، مع الالتزام أن تكون الندوة عادلةً من حيث تمثيلها المجتمع الجزائري، بمختلف فئاته ومشاربه، تتولّى تنظيم أعمالها، بحرّية تامة، هيئة مستقلة،
• عرض مشروع الدستور الذي تعدّه الندوة الوطنية على الاستفتاء الشعبي. وتتولّى الندوة تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية.
• تنظيم الانتخابات الرئاسية، عقب الندوة الوطنية الجامعة الـمستقلة، تحت الإشراف الحصري للجنة انتخابية وطنية مستقلة.
• تشكيل حكومة كفاءاتٍ وطنية، تتمتع بدعم مكونات الندوة الوطنية. وتتولى الحكومة المنبثقة من هذه الندوة الإشراف على مهمات الإدارة العمومية ومصالح الأمن، وتقديم العون للجنة الانتخابية الوطنية الـمستقلة. ويتولى الـمجلس الدستوري الاضطلاع بمهماته، وفق الدستور والقانون، فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية.
تمديد أم مرحلة انتقالية؟
أثارت رسالة بوتفليقة نقاشاتٍ سياسيةً وقانونيةً واسعةً حول السند الدستوري لبقائه في السلطة، بعد انتهاء ولايته في نيسان/ أبريل 2019، وكذا تساؤلاتٍ تتعلق بالخطة الزمنية للإصلاحات المرسومة، وموعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما شكك بعضهم في نيّات النظام، واعتبر الإجراءات التي اتخذها التفافًا على مطالب المحتجين، ومحاولة للتشبث بالسلطة عبر تمديد الولاية الرابعة، بدلًا من الحصول على ولاية خامسة.
ويرى المشككون أن بقاء الرئيس في السلطة، بعد انتهاء ولايته بحجة رعاية المرحلة الانتقالية،
وتثير الإجراءات التي اتخذها الرئيس إشكاليةً أخرى، تتمثّل في غياب الثقة بقدرة الحكومة والشخصيات التي تم تعيينها على الإشراف على المرحلة الانتقالية بنزاهةٍ واقتدار، فجميع
خاتمة
يُعدّ تراجع النظام عن مشروع الولاية الخامسة إنجازًا كبيرًا للحركة الاحتجاجية الجزائرية، كما أن الخطة التي وضعها الرئيس، والإجراءات التي أعلنها، بغض النظر عن الجدل القانوني والدستوري الذي يحيط بها، وموقف المعارضة منها، تمثّل نقطة انطلاقٍ نحو التغيير المنشود، يجب تعزيزها بإعلان مرحلةٍ انتقاليةٍ نحو الديمقراطية، ومن خلال إجراءات بناءٍ للثقة المفقودة بين الجماهير والنظام. والمهم في هذه المرحلة أن يُمثّل الحراك الشعبي في ندوة الحوار الوطني، وأن تشارك المعارضة الحزبية التي تفتقر أيضًا إلى الثقة الشعبية، وتحتاج إليها بطرح برنامج ديمقراطي واضح، تلتزمه جميعها، وأن تغتنم هذه الفرصة لتعزيز مكتسبات الشعب والمشاركة في رسم مستقبل البلاد، وأن تبدأ بالاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة. مع ذلك، يجب ألا يتوهم أحد أن قوى الدولة العميقة وشبكات المصالح المستفيدة من النظام ستستسلم بسهولة، بل ستبذل ما في وسعها للتشبث بالسلطة، وإعادة إنتاج النظام القديم، وهو ما يجب ألا يُسمح به. كما يجب ألا يغيب عن البال أن بعض القوى من المستفيدين سابقًا من النظام تعارض حاليًا، لأسبابٍ لا علاقة لها بمطالب الشعب، ويجب ألا يتاح لها المجال لركوب الموجة، لأجل تأسيس أوليغاركيا جديدة تكون جزءًا فاعلًا فيها.
إن تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي سوف يعتمد على قدرة النخب الجزائرية على إنجاز تسوياتٍ ومساوماتٍ، يتم فيها الاتفاق على قواعد عادلة للعبة الديمقراطية، ويحصل فيها الجميع على فرص متساوية للوصول إلى الناخب، وإقناعه بجدوى انتخابه، وأمام الجزائريين فرصةٌ حقيقيةٌ للقيام بذلك، خصوصا أنهم جرّبوا كل الطرق الأخرى، وكانت نتائجها كارثية.