08 نوفمبر 2024
إثيوبيا.. المشكلات الإثنية ومستقبل الدولة
على الرغم من استمرار التوتر الإثني، يتجه تحالف الجبهة الثورية في إثيوبيا (EPRDF) للتحول إلى حزب متعدّد القوميات، وهو ما يثير الجدل حول مستقبل العلاقة بين الجماعات الإثنية، وتبدو أهمية مناقشة مقترحات الانتقال للحزب مع اقتراب انتخابات 2020، من وجهة أنها تعيد النقاش بشأن القضايا الأساسية للعلاقات الإثنية، بشكلٍ يضع إثيوبيا على مفترق طرق، سواء في سياستها الداخلية أو الخارجية.
وفي هذا السياق، يسعى رئيس الحكومة، آبي أحمد، إلى كسب الانتخابات عبر استراتيجيات تتضمن رسم العلاقات الإثنية عبر تفكيك سيطرة جبهة التيغراي (TPLF) إلى الأحزاب القومية، بالإضافة إلى تعزيز الدور الإقليمي لإثيوبيا، غير أنه يواجه معضلة تحييد العوامل الإثنية، حيث لا يبتعد مشروعه عن الارتكاز على الأحزاب الإقليمية، وهو ما يثير النقاش حول القدرة التنافسية للحزب الجديد في مواجهة أحزاب المعارضة.
التيغراي ومقترح الحزب
وبينما بدت التوجهات نحو الإعلان عن الانتقال إلى الحزب الواحد، عقدت جبهة التيغراي اجتماعاً استمر سبعة أيام في ميكلي، عاصمة التيغراي، صدر عنه بيان في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، اعتبرت فيه تحويل التحالف إلى حزب واحد عملاً غير قانوني، كما دان مؤسسو التحالف من "التيغراي" تحرك رئيس الوزراء، واعتبروه بمثابة إضرام النار في العشب. وجاء في بيان الجبهة أن الحزب المقترح تختلف تركيبته عن تحالف الجبهة الثورية، وسوف يواجه صعوباتٍ في إدارة الدولة، بسبب افتقاره الأرضية الشعبية الكافية للفوز في الانتخابات، كما أنه، في ظل تناقضات الجبهة الثورية، يكون من غير المرجّح تحويل التحالف إلى حزب واحد.
وقد ساد اتجاه عام بين قادة "التيغراي" إلى رفض فكرة الانتقال إلى حزب واحد، ويرى أن
الجبهة لن تقبل الفكرة كما طرحت في أديس أبابا، حيث تشكل الخلافات داخل التحالف قيوداً على تكوين الحزب المقترح، بل تضع وحدة الدولة أمام تحدّيات خطيرة ومفترق طرق، كما اعتبر سبهت نجا، وهو من مؤسسي جبهة التيغراي، وتم عزله من المكتب السياسي في 2010، أن فكرة الحزب الواحد تقود إلى الحرب الأهلية.
ومن الناحية الدستورية، اعتبرت جبهة التيغراي أن فكرة التحول إلى حزبٍ واحد تخالف الدستور، حيث تعمل على تغيير هوية النظام السياسي، وهي إشارة ضمنية بتجاوز المادة 39 الخاصة بتقرير المصير للقوميات. وفي هذا السياق، وضعت الجبهة أربعة مخاوف من التحول إلى حزب سياسي، يأتي في مقدمتها انتهاك اللوائح الحزبية والقلق على وحدة الدولة، واستمرار عدم السماح بانضمام الأفراد سوى من خلال الجماعات الإثنية.
واعتبرت الجبهة الثورية، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أن تصريحات قادة "التيغراي" حول الحزب كانت خطأ، لسببين: الأول، أن جبهة التيغراي انتهكت الانضباط والإجراءات التنظيمية لإصدار البيانات، قبل الانتهاء من الدراسة حول تشكيل الحزب متعدّد القوميات، والثاني، افتراض تغيير فوري للنظام الفيدرالي، وسلب حقوق الأمم والقوميات والشعوب بمجرد تشكيل الحزب الجديد.
وتبدو مخاوف "التيغراي" في أن الحزب المقترح يضم أحزاب الجبهة الثورية والأحزاب الموالية للتيغراي في أقاليم الصومال الإثيوبي، والعفر، وإقليم غامبيلا، وبني شنقول ـ غومز، وهنا، يمكن القول إن الهدف الرئيسي للتعديلات الحزبية تكمن في نقل تبعية الأحزاب الإقليمية من جبهة التيغراي للتحالف الجديد وتقليص نفوذ التيغراي.
تطور فكرة الحزب
ظهرت فكرة الحزب الإثيوبي في أدبيات الحركات السياسية في ثمانينيات القرن الماضي، عندما ثارت نقاشات حول معالجة المسألة القومية، وبعد إنشاء الجبهة الثورية، عرضت للنقاش في المؤتمرات السنوية، لكنها لم تجد الطريق للتطبيق. وقد أثيرت فكرة تشكيل الحزب متعدد القوميات في العام 2004 خلال المؤتمر الخامس للجبهة الثورية، واستمرت هذه المناقشات خلال المؤتمرات اللاحقة، لكنها لم تنضج بسبب عدم الالتزام بإجراء الدراسة اللازمة لتشكيل الحزب.
وتترابط محاولات الانتقال لحزب متعدد القوميات مع تصاعد النقاش حول الفيدرالية الإثنية منذ عام 2012، وهي تميل، في معظمها، لإعادة النظر في النظام السياسي ومراجعة العلاقات الإثنية، وفي هذا السياق، تكشف توجهات تحويل تحالف الجبهة الثورية لحزب سياسي عن جرأة نوعية في المناقشات حول الفيدرالية.
وفي المؤتمر الحادي عشر للجبهة الثورية في 2019، صدر قرار تشكيل حزب واحد يقوم على قاعدة التمثيل النسبي في الحكومة الفيدرالية واحترام مصالح القوميات مع ضمان الإدارة الذاتية
للأقاليم على مستوي الدولة. لا يقدم هذا النمط المقترح فروقاً جوهرية عن الوضع الحالي، سواء من حيث قواعد التمثيل في المؤسسات الفيدرالية أو الصلاحيات الدستورية لحكومات الأقاليم، لكنه يختلف من حيث نقل تبعية الأحزاب في الأقاليم الصغيرة من لجبهة التيغراي وإدماجها في الحزب الجديد، بطريقة تعكس الرغبة في ترتيب علاقات وشبكات السلطة في إثيوبيا.
ولعل أهمية التوجه لإجراء تعديلات على التحالف الحزبي، تكمن في أنها تعيد النقاش حول قضايا العلاقة بين القوميات والشعوب، ليس فقط في حق تقرير المصير، ولكن ما يتعلق بتوزيع السلطة والثروة، بحيث لا تكون العمليات السياسية بمثابة انتقال من احتكار "التيغراي" إلى احتكار جماعة سكانية أخرى، كالأورومو والأمهرا.
التوتر الإثني
وقد اتجهت الجبهة الثورية إلى تخفيف حدة الاحتقان الإثني، وبدأت في التداول على منصب رئيس الوزراء من خارج جماعة التيغراي، حيث وصل إلى السلطة كل من هاليلي مريام ديسالين وآبي أحمد، وهما ينتميان لجامعتي "ولاياتا والأورومو"، بشكل يعطي فرصة لمراجعة النظام الفيدرالي، غير أن المضي في مشروع الحزب الواحد أثار توتر التيغراي وفتح الطريق لظهور تململ من الوحدة الفيدرالية.
تواجه إثيوبيا معضلة التوفيق بين ثلاثة مكونات: التناقضات الإثنية والديمقراطية والفقر، حيث ما زالت تمثل تحديات للاستقرار السياسي، وقد تفاقمت هذه المعضلة مع الاعتماد على مركزية السلطة والقاعدة الفلاحية وغياب الطبقة الوسطى، ما خلق علاقات هيمنة ساهمت في تفاوت توزيع الدخل القومي واحتكار السلطة.
لا يقدّم مقترح الحزب إجابة كافية عن هذه المعضلات، فالتغيرات الجيلية لدى الأحزاب وتراجعها الإيديولوجي جعلها أكثر إدراكاً للتداعيات السلبية للفيدرالية الإثنية، ويمكن تصوير الاحتجاجات التالية لانتخابات 2015 كتمرد على التيغراي وكتعبير عن الرغبة في إعادة تقييم النظام السياسي.
ويكشف تكرار اندلاع احتجاجات الأورومو في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن ضعف الأحزاب القومية في التعبير عن تطلع جماعتهم الإثنية، فالاحتجاجات الحالية تعد انعكاساً لتباطؤ تلبية مطالب الأورومو من الحكومة الفيدرالية وخصوصاً تسوية وضع أديس أبابا. كما أن تدهور العلاقة بين جبهة التيغراي والحزب الديمقراطي الأمهري (ADP) يعكس حالة التنافر التاريخي بين القوميتين، ويوضح السياسات السلطوية والاحتكارية التي اتبعتها جبهة تيغراي لعشرين عاما، وأحدثت فجوة عدم الثقة في النظام الفيدرالي. على الوجه المقابل، يمكن قراءة توجهات آبي أحمد محاولة لاستهداف نفوذ "التيغراي"، وكسب ولاء الجماعات الأخرى، وهي تحمل في طياتها بذور تجديد الصراع على أسس قومية.
فعلى الرغم من التساند بين الحكومة الفيدرالية وإقليم الأمهرا، لا يزال التوتر والعنف منتشرين في المدن الرئيسية، وهناك تقديراتٌ بأن جبهة تيغراي تتبنى استراتيجية لجعل إقليم الأمهرا منطقة حرب، ومن ثم، فإن عدم استقرار إقليمي الحبشة سوف يلقي بظلاله على مستقبل وحدة الدولة ويشكل عنصر ممانعة لنقل مركز السلطة خارج نطاق إثيوبيا التاريخية. وفي ظل اتساع الجدل حول التغيرات السياسية، يتجه رئيس الوزراء لتحقيق إنجاز في السياسة الخارجية، ولعل تحول مشروع سد النهضة لمسألة وطنية، يشكل بدء تشغيله نقطة حاسمة للخطاب المحلي وخصوصا في التقارب مع جماعة الأمهرا والحصول على تأييدهم في مواجهة "التيغراي".
الاحتكار السياسي للانتخابات
على مدى تجربة الفيدرالية الإثنية، تكشف نتائج الانتخابات عن الصعود نحو نظام الحزب الواحد وانهيار فكرة التعددية الحزبية، فعلى الرغم من تسجيل أكثر من 70 حزباً، ظلت الجبهة الثورية تحتكر التمثيل السياسي الوطني والإقليمي. وفي ما يخص إقليم تيغراي، توضح نتائج انتخابات
2015، أنه على الرغم من تنافس ستة أحزاب، وارتفاع نسبة التصويت إلى 98.3%، حصلت جبهة التيغراي على جميع المقاعد التشريعية والمحلية، وهي نتائج مماثلة للأحزاب الإقليمية الأخرى، حيث تستحوذ على المقاعد التشريعية والمحلية.
وقد اتسمت هذه الفترة باعتماد التحالف الحاكم على سلطة الدولة، جبهة التيغراي، في احتكار نتائج الانتخابات، وكانت النتائج محلاً للشكوى من تجاوز السلطة ضد المرشحين وقادة الأحزاب، وبالتالي، لا يتوقع أن تؤدي إعادة تسمية التحالف الحاكم لتحسن مناخ الانتخابات، فالترتيبات الحالية لم تتخلص من الروح الإثنية وتعمل، فقط، على تغيير أنماط السيطرة، وهنا، يمكن ترجيح استمرار التدخل في الانتخابات القيود اقتراب الانتخابات وتصاعد التوتر في العلاقات الإثنية.
وفيما يتزايد الخلاف حول سياسات مراجعة الهيمنة الإثنية، يتم الإعداد للانتخابات التشريعية في ظل تصاعد التنافسية داخل الأقاليم حول مدى التعبير عن المصالح القومية، ولعل استمرار الاضطرابات في إقليمي الأورومو والأمهرا يشكل تحدياً لقدرة التحالف أو الحزب المقترح على احتكار نتائج الانتخابات.
ومن المحتمل أن يساهم الإصرار على التحول إلى حزب واحد في انبعاث أحزاب المعارضة الوطنية والإقليمية، ما يعطي فرصةً لإعادة تشكيل التمثيل داخل المؤسسات المنتخبة، فخلال المشوار السياسي للفيدرالية الإثنية، تمكنت بعض أحزاب المعارضة من رفع قدراتها التنافسية والبنيوية، غير أن السياسات القمعية حالت دون استمرارها في المجال السياسي. ولذلك، يتوقف نجاح الانتقال عن السياسات الإثنية على توفر الفرص المتكافئة للجماعات العرقية للوصول إلى السلطة والتمثيل فيها، وهذا ما يرتبط بنزاهة الانتخابات، وإجراء تعديلاتٍ دستورية، تضمن تحسين المناخ السياسي وتوسيع صلاحيات مجلس الشيوخ.
إمكانية الانتقال عن الإثنية
وبغض النظر عن طبيعة الحزب المقترح وخلفيته السياسية، يحاول آبي أحمد نقل السلطة إلى مركز الدولة، أديس أبابا، وهو ما يعني انحسار نفوذ المركز السياسي لميكيلي، عاصمة التيغراي. إذاً، الفكرة تدور حول حشد الأحزاب الإثنية تحت مظلة حزبٍ واحد، وليس الانتقال إلى التعددية الحزبية، بما يعني تهميش جبهة التيغراي، وليس تغيير الطابع الإثني للفيدرالية.
ولذلك، لا تعكس سياسات أبي أحمد تخلياً عن الإثنية، فهي تقتصر على إجراء تغييرات عملية في تركيبة السلطة والسياسة الاقتصادية، حيث تفسح المجال أمام الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، لشغل مواقع "التيغراي" في مؤسسات الدولة، فمنذ وصوله إلى السلطة، بدأ بعدة إجراءات متوازية، شكلت تغييراتٍ في قيادات الجيش وأجهزة الاستخبارات، وهي ملفاتٌ ظلت جبهة التيغراي تعتبرها شأناً خاصاً بها. وهنا تبدو أهمية تناول الآثار المترتبة على نشر السلطة على الجماعات الإثنية والمجتمع المدني.
وبشكل عام، لا يقدّم مقترح الحزب متعدد القوميات معنىً مختلفاً عندما يتبنّى قاعدة التمثيل
النسبي، وهي قاعدة تشكيل المجالس الفيدرالية والإقليمية. وبالتالي، فإن قيام النظام الجديد على أساس التمثيل النسبي لا يعالج التفاوت في تمثيل القوميات الإثيوبية في المواقع التنفيذية، حيث تظل جماعات الأكثرية تهيمن على المناصب العليا، وبهذا المعنى، لا يساعد التحول إلى حزب واحد على تسوية معضلات التكامل القومي.
يكمن التحدّي في أن عدم نضج عملية التغيير سوف يجعل التحوّل خطرا على بقاء الدولة، وخصوصاً في ظل الانقسامات داخل تحالف الجبهة الثورية، وانحدار أبي أحمد من خارج الكتلة التاريخية للحبشة، ما يضيف عبئاً آخر على الاندماج القومي، حيث لا تزال القوميات الثلاث، التيغراي والأمهرا والأورومو، على وعي بالاختلاف السياسي والاجتماعي.
التيغراي ومقترح الحزب
وبينما بدت التوجهات نحو الإعلان عن الانتقال إلى الحزب الواحد، عقدت جبهة التيغراي اجتماعاً استمر سبعة أيام في ميكلي، عاصمة التيغراي، صدر عنه بيان في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، اعتبرت فيه تحويل التحالف إلى حزب واحد عملاً غير قانوني، كما دان مؤسسو التحالف من "التيغراي" تحرك رئيس الوزراء، واعتبروه بمثابة إضرام النار في العشب. وجاء في بيان الجبهة أن الحزب المقترح تختلف تركيبته عن تحالف الجبهة الثورية، وسوف يواجه صعوباتٍ في إدارة الدولة، بسبب افتقاره الأرضية الشعبية الكافية للفوز في الانتخابات، كما أنه، في ظل تناقضات الجبهة الثورية، يكون من غير المرجّح تحويل التحالف إلى حزب واحد.
وقد ساد اتجاه عام بين قادة "التيغراي" إلى رفض فكرة الانتقال إلى حزب واحد، ويرى أن
ومن الناحية الدستورية، اعتبرت جبهة التيغراي أن فكرة التحول إلى حزبٍ واحد تخالف الدستور، حيث تعمل على تغيير هوية النظام السياسي، وهي إشارة ضمنية بتجاوز المادة 39 الخاصة بتقرير المصير للقوميات. وفي هذا السياق، وضعت الجبهة أربعة مخاوف من التحول إلى حزب سياسي، يأتي في مقدمتها انتهاك اللوائح الحزبية والقلق على وحدة الدولة، واستمرار عدم السماح بانضمام الأفراد سوى من خلال الجماعات الإثنية.
واعتبرت الجبهة الثورية، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أن تصريحات قادة "التيغراي" حول الحزب كانت خطأ، لسببين: الأول، أن جبهة التيغراي انتهكت الانضباط والإجراءات التنظيمية لإصدار البيانات، قبل الانتهاء من الدراسة حول تشكيل الحزب متعدّد القوميات، والثاني، افتراض تغيير فوري للنظام الفيدرالي، وسلب حقوق الأمم والقوميات والشعوب بمجرد تشكيل الحزب الجديد.
وتبدو مخاوف "التيغراي" في أن الحزب المقترح يضم أحزاب الجبهة الثورية والأحزاب الموالية للتيغراي في أقاليم الصومال الإثيوبي، والعفر، وإقليم غامبيلا، وبني شنقول ـ غومز، وهنا، يمكن القول إن الهدف الرئيسي للتعديلات الحزبية تكمن في نقل تبعية الأحزاب الإقليمية من جبهة التيغراي للتحالف الجديد وتقليص نفوذ التيغراي.
تطور فكرة الحزب
ظهرت فكرة الحزب الإثيوبي في أدبيات الحركات السياسية في ثمانينيات القرن الماضي، عندما ثارت نقاشات حول معالجة المسألة القومية، وبعد إنشاء الجبهة الثورية، عرضت للنقاش في المؤتمرات السنوية، لكنها لم تجد الطريق للتطبيق. وقد أثيرت فكرة تشكيل الحزب متعدد القوميات في العام 2004 خلال المؤتمر الخامس للجبهة الثورية، واستمرت هذه المناقشات خلال المؤتمرات اللاحقة، لكنها لم تنضج بسبب عدم الالتزام بإجراء الدراسة اللازمة لتشكيل الحزب.
وتترابط محاولات الانتقال لحزب متعدد القوميات مع تصاعد النقاش حول الفيدرالية الإثنية منذ عام 2012، وهي تميل، في معظمها، لإعادة النظر في النظام السياسي ومراجعة العلاقات الإثنية، وفي هذا السياق، تكشف توجهات تحويل تحالف الجبهة الثورية لحزب سياسي عن جرأة نوعية في المناقشات حول الفيدرالية.
وفي المؤتمر الحادي عشر للجبهة الثورية في 2019، صدر قرار تشكيل حزب واحد يقوم على قاعدة التمثيل النسبي في الحكومة الفيدرالية واحترام مصالح القوميات مع ضمان الإدارة الذاتية
ولعل أهمية التوجه لإجراء تعديلات على التحالف الحزبي، تكمن في أنها تعيد النقاش حول قضايا العلاقة بين القوميات والشعوب، ليس فقط في حق تقرير المصير، ولكن ما يتعلق بتوزيع السلطة والثروة، بحيث لا تكون العمليات السياسية بمثابة انتقال من احتكار "التيغراي" إلى احتكار جماعة سكانية أخرى، كالأورومو والأمهرا.
التوتر الإثني
وقد اتجهت الجبهة الثورية إلى تخفيف حدة الاحتقان الإثني، وبدأت في التداول على منصب رئيس الوزراء من خارج جماعة التيغراي، حيث وصل إلى السلطة كل من هاليلي مريام ديسالين وآبي أحمد، وهما ينتميان لجامعتي "ولاياتا والأورومو"، بشكل يعطي فرصة لمراجعة النظام الفيدرالي، غير أن المضي في مشروع الحزب الواحد أثار توتر التيغراي وفتح الطريق لظهور تململ من الوحدة الفيدرالية.
تواجه إثيوبيا معضلة التوفيق بين ثلاثة مكونات: التناقضات الإثنية والديمقراطية والفقر، حيث ما زالت تمثل تحديات للاستقرار السياسي، وقد تفاقمت هذه المعضلة مع الاعتماد على مركزية السلطة والقاعدة الفلاحية وغياب الطبقة الوسطى، ما خلق علاقات هيمنة ساهمت في تفاوت توزيع الدخل القومي واحتكار السلطة.
لا يقدّم مقترح الحزب إجابة كافية عن هذه المعضلات، فالتغيرات الجيلية لدى الأحزاب وتراجعها الإيديولوجي جعلها أكثر إدراكاً للتداعيات السلبية للفيدرالية الإثنية، ويمكن تصوير الاحتجاجات التالية لانتخابات 2015 كتمرد على التيغراي وكتعبير عن الرغبة في إعادة تقييم النظام السياسي.
ويكشف تكرار اندلاع احتجاجات الأورومو في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن ضعف الأحزاب القومية في التعبير عن تطلع جماعتهم الإثنية، فالاحتجاجات الحالية تعد انعكاساً لتباطؤ تلبية مطالب الأورومو من الحكومة الفيدرالية وخصوصاً تسوية وضع أديس أبابا. كما أن تدهور العلاقة بين جبهة التيغراي والحزب الديمقراطي الأمهري (ADP) يعكس حالة التنافر التاريخي بين القوميتين، ويوضح السياسات السلطوية والاحتكارية التي اتبعتها جبهة تيغراي لعشرين عاما، وأحدثت فجوة عدم الثقة في النظام الفيدرالي. على الوجه المقابل، يمكن قراءة توجهات آبي أحمد محاولة لاستهداف نفوذ "التيغراي"، وكسب ولاء الجماعات الأخرى، وهي تحمل في طياتها بذور تجديد الصراع على أسس قومية.
فعلى الرغم من التساند بين الحكومة الفيدرالية وإقليم الأمهرا، لا يزال التوتر والعنف منتشرين في المدن الرئيسية، وهناك تقديراتٌ بأن جبهة تيغراي تتبنى استراتيجية لجعل إقليم الأمهرا منطقة حرب، ومن ثم، فإن عدم استقرار إقليمي الحبشة سوف يلقي بظلاله على مستقبل وحدة الدولة ويشكل عنصر ممانعة لنقل مركز السلطة خارج نطاق إثيوبيا التاريخية. وفي ظل اتساع الجدل حول التغيرات السياسية، يتجه رئيس الوزراء لتحقيق إنجاز في السياسة الخارجية، ولعل تحول مشروع سد النهضة لمسألة وطنية، يشكل بدء تشغيله نقطة حاسمة للخطاب المحلي وخصوصا في التقارب مع جماعة الأمهرا والحصول على تأييدهم في مواجهة "التيغراي".
الاحتكار السياسي للانتخابات
على مدى تجربة الفيدرالية الإثنية، تكشف نتائج الانتخابات عن الصعود نحو نظام الحزب الواحد وانهيار فكرة التعددية الحزبية، فعلى الرغم من تسجيل أكثر من 70 حزباً، ظلت الجبهة الثورية تحتكر التمثيل السياسي الوطني والإقليمي. وفي ما يخص إقليم تيغراي، توضح نتائج انتخابات
وقد اتسمت هذه الفترة باعتماد التحالف الحاكم على سلطة الدولة، جبهة التيغراي، في احتكار نتائج الانتخابات، وكانت النتائج محلاً للشكوى من تجاوز السلطة ضد المرشحين وقادة الأحزاب، وبالتالي، لا يتوقع أن تؤدي إعادة تسمية التحالف الحاكم لتحسن مناخ الانتخابات، فالترتيبات الحالية لم تتخلص من الروح الإثنية وتعمل، فقط، على تغيير أنماط السيطرة، وهنا، يمكن ترجيح استمرار التدخل في الانتخابات القيود اقتراب الانتخابات وتصاعد التوتر في العلاقات الإثنية.
وفيما يتزايد الخلاف حول سياسات مراجعة الهيمنة الإثنية، يتم الإعداد للانتخابات التشريعية في ظل تصاعد التنافسية داخل الأقاليم حول مدى التعبير عن المصالح القومية، ولعل استمرار الاضطرابات في إقليمي الأورومو والأمهرا يشكل تحدياً لقدرة التحالف أو الحزب المقترح على احتكار نتائج الانتخابات.
ومن المحتمل أن يساهم الإصرار على التحول إلى حزب واحد في انبعاث أحزاب المعارضة الوطنية والإقليمية، ما يعطي فرصةً لإعادة تشكيل التمثيل داخل المؤسسات المنتخبة، فخلال المشوار السياسي للفيدرالية الإثنية، تمكنت بعض أحزاب المعارضة من رفع قدراتها التنافسية والبنيوية، غير أن السياسات القمعية حالت دون استمرارها في المجال السياسي. ولذلك، يتوقف نجاح الانتقال عن السياسات الإثنية على توفر الفرص المتكافئة للجماعات العرقية للوصول إلى السلطة والتمثيل فيها، وهذا ما يرتبط بنزاهة الانتخابات، وإجراء تعديلاتٍ دستورية، تضمن تحسين المناخ السياسي وتوسيع صلاحيات مجلس الشيوخ.
إمكانية الانتقال عن الإثنية
وبغض النظر عن طبيعة الحزب المقترح وخلفيته السياسية، يحاول آبي أحمد نقل السلطة إلى مركز الدولة، أديس أبابا، وهو ما يعني انحسار نفوذ المركز السياسي لميكيلي، عاصمة التيغراي. إذاً، الفكرة تدور حول حشد الأحزاب الإثنية تحت مظلة حزبٍ واحد، وليس الانتقال إلى التعددية الحزبية، بما يعني تهميش جبهة التيغراي، وليس تغيير الطابع الإثني للفيدرالية.
ولذلك، لا تعكس سياسات أبي أحمد تخلياً عن الإثنية، فهي تقتصر على إجراء تغييرات عملية في تركيبة السلطة والسياسة الاقتصادية، حيث تفسح المجال أمام الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، لشغل مواقع "التيغراي" في مؤسسات الدولة، فمنذ وصوله إلى السلطة، بدأ بعدة إجراءات متوازية، شكلت تغييراتٍ في قيادات الجيش وأجهزة الاستخبارات، وهي ملفاتٌ ظلت جبهة التيغراي تعتبرها شأناً خاصاً بها. وهنا تبدو أهمية تناول الآثار المترتبة على نشر السلطة على الجماعات الإثنية والمجتمع المدني.
وبشكل عام، لا يقدّم مقترح الحزب متعدد القوميات معنىً مختلفاً عندما يتبنّى قاعدة التمثيل
يكمن التحدّي في أن عدم نضج عملية التغيير سوف يجعل التحوّل خطرا على بقاء الدولة، وخصوصاً في ظل الانقسامات داخل تحالف الجبهة الثورية، وانحدار أبي أحمد من خارج الكتلة التاريخية للحبشة، ما يضيف عبئاً آخر على الاندماج القومي، حيث لا تزال القوميات الثلاث، التيغراي والأمهرا والأورومو، على وعي بالاختلاف السياسي والاجتماعي.