في جدوى عزل ترامب

27 اغسطس 2018
+ الخط -
كثر الجدل بشأن مستقبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، واحتمالات عزله من الرئاسة.. بعد أن تعرّض لضربات متتالية من المحيطين به، جديدهم المحامي الخاص به. بينما تتكشّف تباعاً فضائحه الأخلاقية، ذات الطابع الجنسي خصوصاً. وإذ تعارض قطاعات في العالم العربي رئاسة ترامب، وتعتبر وصوله إلى البيت الأبيض كارثة إنسانية وسياسية، أخذت التحليلات تتوالى بشأن سيناريوهات عزله، والمسارات القانونية التي قد تسير فيها عملية إقصائه من البيت الأبيض.
وقبل الانسياق وراء تلك التحليلات واحتمالات تحقّقها، لا بد من التمييز بين السياق القانوني والسياسي لرئاسة ترامب، والسياق الاجتماعي والثقافي الذي أفرز تلك المرحلة الترامبية. في السياق الأول، ليس واضحا ما إذا كانت المسارات القانونية للاتهامات الموجهة إلى ترامب ستنجح في إزاحته من السلطة أم لا. بل إن القوانين الأميركية والسوابق المتعلقة بمحاكمة الرئيس الأميركي أو اتهامه، تجعل صعبا ترجيح محاكمة ترامب، أو حتى توجيه اتهام فيدرالي له، على الأقل في أثناء ولايته الرئاسية. بينما تذهب أغلب التوقعات إلى أنه سيتعرّض للمحاكمة، أو يتم توجيه اتهامات له بانتهاك القوانين الأميركية الخاصة بنزاهة الانتخابات الرئاسية، بعد خروجه من البيت الأبيض. وبين الاحتمالين، تتزايد احتمالات أن يستقيل ترامب، حال اقتراب سيف العدالة من رقبته الرئاسية، في سيناريو مشابه لما جرى مع الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون إثر فضيحة ووتر غيت. وسواء استقال ترامب، أو حوكم، أو استمر في الرئاسة، في كل الأحوال، يعتبر عربٌ كثيرون أن صعوده السياسي، ثم دخوله البيت الأبيض، كان "غلطة" من الشعب الأميركي الجاهل بالسياسة. كأن الرجل صار رئيساً في غفلة من الزمن.. وهذا غير صحيح بالمرّة، فلا الشعب الأميركي ندم على اختيار ترامب، بدليل فوز الجمهوريين الساحق بمقاعد الكونغرس. ولا ترامب استثناء أميركي، فالتطرّف والشعبوية والعنصرية كلها بضاعة أوروبية أساساً، لم يضف ترامب إليها سوى آلية الصفقات والمقايضة، أي بصمة التاجر.
ترامب هو النسخة الأميركية "طبعة رعاة البقر" من التطرّف اليميني المتلحف بالشعبوية. والذي يتصاعد وينتشر في أوروبا من سنوات. من يورغ هايدر في النمسا وماري لوبان في فرنسا، إلى الكسندر غولاند في ألمانيا وجيرت فيلدرز في هولندا. يشتركون جميعاً في التطرّف الفكري والعنصرية الدينية والشوفينية القومية، إلا أن الصعود اليميني الشعبوي في أوروبا كان أكثر وضوحاً وانكشافاً، لأن المجتمع الأميركي مختلط ومتنوع اجتماعياً، بينما التنوّع والتباين في أوروبا سياسي وفكري بالأساس.
وعلى الرغم من الاختلاف المجتمعي في النسق الثقافي والإرث التاريخي بين ضفتي الأطلنطي، هناك اتساق وتواز بين صعود اليمين الشعبوي هناك وهناك، فهو نتاج تغيّرات مجتمعية متراكمة هي التي شكلت شعبوية النسق الثقافي، وتطرّف الأطر الفكرية الموجهة للعقل الجمعي. وهي أيضاً التي كرّست انحسار الأخلاقي التسامحي في الوازع الديني لصالح التسلطي العنصري.
تلك البيئة التي أفرزت ترامب ونظراءه الأوروبيين كفيلة بإنتاج عشراتٍ آخرين من الشاكلة نفسها، بل ربما أكثر تطرّفاً وعنصرية. ولو صحّت الاتهامات بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية بما زاد من نسب التصويت لصالح ترامب، فإن استبعاد تلك النسبة، أياً كانت، يؤكد أن أمثال ترامب يعبّرون بصدق، وربما بدقة، عن توجهاتٍ مجتمعيةٍ، وليسوا طفرة مفتعلة، أو حالة استثنائية.
لذا، سواء تم عزل ترامب، أو استمر حتى انتخابات الرئاسة بعد عامين، الأرجح أن الرئيس المقبل سيكون شعبويا/ يمينيا مثل ترامب أو أشد.
وبعيدا عن تعقيدات التحليل المركب، والمتغيرات المتداخلة، فإن المجتمعيْن، الأوروبي والأميركي، يشتركان في النزوع إلى القوة، ويتسمان بالعنصرية العصبية القومية.
الفرق بين رجل الشارع الأميركي ونظيره الأوروبي أن الأخير لا يزال، على الرغم من تطرّفه المتصاعد، محافظاً يميل إلى التدرج والأسلوب المتحضر. أما رجل الشارع في أميركا، فقد عثر على راعي البقر الذي بداخله في ترامب، ووجد فيه الفتوّة الجديرة بزعامة دولةٍ عظمى، تقود عالما متمرّداً وفوضويا لا يستقيم حاله سوى بالقوة والبلطجة.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.