أزمة العلاقات السعودية - الكندية.. دوافعها وتداعياتها

15 اغسطس 2018
+ الخط -

شهدت العلاقات السعودية - الكندية أزمة دبلوماسية حادّة، على أثر انتقادات حقوقية وجّهتها الخارجية الكندية، وسفارة كندا في الرياض، يومي 2 و3 آب/ أغسطس 2018، بسبب حملة اعتقالات شملت ناشطين وناشطاتٍ في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان. وجاء الرّد السعودي في شكل إجراءاتٍ عقابيةٍ شملت اعتبار السفير الكندي في الرياض شخصًا غير مرغوب فيه، واستدعاء السفير السعودي في كندا للتشاور، إضافة إلى توقف رحلات الطيران المدني والتبادل الطلابي والعلاج واستيراد القمح. هدفت الإجراءات السعودية إلى الضغط على كندا، لتقديم اعتذار رسمي، الأمر الذي رفضه رئيس الوزراء، جاستين ترودو، كما هدفت إلى ردع دول غربية أخرى عن التعرّض لقضايا حقوق الإنسان في المملكة.

أسباب الأزمة
أعربت وزارة الخارجية الكندية، عبر تغريدة على حسابها في "تويتر"، في 2 آب/ أغسطس 2018، عن قلقها بشأن حالة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، جاء فيها: "تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الجديدة لناشطي المجتمع المدني وحقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، بمن فيهم سمر بدوي. ونحث السلطات السعودية على إطلاق سراحهم فورًا وجميع ناشطي حقوق الإنسان السلميين الآخرين". وقد سبقت ذلك تغريدة لوزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، عبّرت فيها عن تعاطفها مع عائلة بدوي (رائف وشقيقته سمر). وكانت السلطات السعودية شنت في اليوم السابق حملة اعتقالات ضدّ ناشطين مدنيين في مجال حقوق الإنسان وحرية المرأة، شملت سمر بدوي الحاصلة على "الجائزة الدولية للمرأة الشجاعة" عن الخارجية الأميركية في عام 2012، إضافة إلى نسيمة السادة، الناشطة الحقوقية في المنطقة الشرقية. وقد أعادت كندا نشر الموقف نفسه باللغة العربية على حساب سفارتها في الرياض، في 5 آب/ أغسطس 2018، ما أدّى إلى تفجر الأزمة. ولم تعلق كندا على اعتقال ناشطات وناشطين آخرين، ولا على اعتقال دعاة إسلاميين إصلاحيين منذ عام تقريبًا.
أصدرت الخارجية السعودية بيانًا اعتبرت فيه الموقف الكندي تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة، "ممّا يستدعي ردًّا مناسبًا"، تمثّل في استدعاء سفيرها في كندا، واعتبار سفير الأخيرة "شخصًا غير مرغوب فيه"، وإمهاله أربعا وعشرين ساعة لمغادرة البلاد. يضاف إلى ذلك تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية كافة بين البلدين، مع احتفاظ المملكة بحقّها في إجراءات أخرى تتّخذها مستقبلًا. وطالب وزير الخارجية، عادل الجبير، في مؤتمر صحافي، يوم الأربعاء 8 آب/ أغسطس 2018، كندا بالاعتذار عن "تدخلها في الشؤون الداخلية" لبلاده، معلنًا عن إنشاء غرفتَي عمليات في السفارة السعودية لدى كندا ووزارة الخارجية لتقدّما المساعدة للمواطنين السعوديين الذين شملتهم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية في المجالات المختلفة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي انتقدت فيها الحكومة الكندية وضع حقوق الإنسان في السعودية؛ فمن المعروف أن زوجة الناشط رائف بدوي، المعتقل منذ عام 2012، بتهمة الإساءة للدين 
الإسلامي والردّة، قد هربت إلى لبنان مباشرةً بعد الحكم، ومنه إلى كندا حيث تمكنت من الحصول على الجنسية الكندية في عام 2018. وقد التقت رئيس الوزراء الكندي الذي أعلن تضامنه مع رائف بدوي، في أكثر من مناسبة.
وأعطت كندا أيضًا حق اللجوء السياسي للمعارض السعودي الشاب عمر عبد العزيز، مقدّم برنامج "فتنة" في قناة يوتيوب، إضافة إلى أن كندا الوجهة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية لطالبي اللجوء من السعوديين بواقع 212 طلب لجوء تم قبول 87 منها؛ وهي أعلى نسبة قبول للاجئين السعوديين بين الدول التي تقدموا فيها بطلب لجوء.

الموقف الكندي من الخطاب التصعيدي السعودي
حافظت السلطات الكندية على قدرٍ من ضبط النفس والهدوء في التصريحات الإعلامية، ردًا على الحملة الإعلامية والإجراءات السعودية، لكنها رفضت تقديم اعتذار، على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها السعودية ضدها. وقد عبّر رئيس الوزراء الكندي صراحة عن عدم وجود نيةٍ للاعتذار لديه، معتبرًا أنّ الأمر لا يعدو أن يكون اختلافًا دبلوماسيًا في وجهات النظر. وجدّد دعوته السلطات السعودية إلى الإفراج عن المعتقلين، كما أكّد أنّ بلاده ستواصل التحدث بوضوح وحزم بشأن قضايا حقوق الإنسان في الداخل والخارج، وأينما ارتأت الحاجة إلى ذلك. وقد استعانت كندا بألمانيا والسويد في حل الأزمة، باعتبار أنهما مرّتا بأزماتٍ سابقةٍ مع السعودية، بسبب انتقاداتهما واقع حقوق الإنسان فيها؛ ففي عام 2015 تمّ استدعاء السفير السعودي في ستوكهولم، كما تمّ تقليص التعاملات التجارية مع شركات ألمانية في عام 2018 للأسباب نفسها. وقد حاولت الخارجية الكندية الاستفادة من خبرة البلدين، على ما يبدو، في حل هذا النوع من النزاعات الذي تراه كندا خلافًا على مواقف أخلاقية.

تداعيات الأزمة
يُتوقع أن يكون للإجراءات التي اتخذتها السعودية تداعياتٌ كبيرة، تشمل الطلاب والمبتعثين السعوديين، كما سيكون لها تأثيرات سلبية واضحة في بعض القطاعات الاقتصادية والخدمية الكندية؛ من ذلك:
• تجميد رحلات الطيران السعودي إلى مدينة تورنتو الكندية وذلك بدءًا من 13 آب/ أغسطس 2018، وهي الرحلات التي يستقلها المواطنون الكنديون المسلمون من أجل أداء فريضة 
الحج، والمرضى السعوديون الذين يتلقون العلاج في المستشفيات الكندية، إضافة إلى الطلاب والسياح السعوديين.
• تجميد التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين السعودية وكندا، علمًا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى ثلاثة مليارات دولار في عام 2017، بحسب إحصاءات الحكومة الكندية، كما توقفت السعودية عن شراء القمح والشعير الكنديَين.
• إيقاف التدريب والابتعاث والزمالة إلى كندا، وبحث سبل نقل المبتعثين إلى دول أخرى، عن طريق غرفة عمليات في سفارة السعودية في كندا ومقرّ وزارة الخارجية السعودية. ويبلغ عددهم 12 ألف سعودي بينهم سبعة آلاف طالب وطالبة، والبقية مرافقون أو أفراد أسر المبتعثين، وهو أمر سيؤثر في حياة هؤلاء مباشرة. ولن يكون التأثير محصورًا في الطلاب المبتعثين والمتدربين؛ إذ سيكون لخروج المتدربين والزملاء السعوديين من القطاع الصحي الكندي تأثير من الناحية اللوجستية والمادية، بحسب منظمات ومؤسسات طبية عديدة في كندا. ويضاف إلى ذلك الرسوم الدراسية التي ستخسرها الجامعات الكندية من جراء خروج الطلاب السعوديين.
وبحسب وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، لن تؤثر الأزمة الحالية في إمدادات النفط السعودية نحو كندا؛ فالسياسة النفطية الحالية للمملكة تهدف إلى عدم تعريض الإمدادات النفطية التي توفرها الرياض لدول العالم لأي أزمات سياسية؛ الأمر الذي يجعل الأزمة الحالية بعيدة من التأثير سلبيًا في علاقات شركة أرامكو السعودية بشركائها داخل كندا.

خاتمة
يبدو أن السعودية أرادت، من خلال الإجراءات التي اتخذتها ضد كندا، إرسال رسالة ردع 
واضحة لكل من يتجرأ على توجيه أي انتقاداتٍ لها بخصوص الانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان وملاحقة ناشطي المجتمع المدني. ويبدو أنها اختارت توجيه هذه الإجراءات ضد كندا تحديدًا، باعتبار أن كندا باتت تمثل هدفًا سهلًا ومكشوفًا نتيجة العلاقات السيئة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والتي تم التعبير عنها بوضوح في قمة الدول الصناعية السبع الأخيرة في كندا في حزيران/ يونيو 2018. كما يظهر أن السلطات السعودية تشجّعت أيضًا بالتصريحات التي صدرت عن الخارجية الأميركية، وبدا فيها كأن واشنطن تضع اللوم على كندا في الأزمة مع السعودية، عندما قالت إنها ما كانت لتندّد "بحملة الاعتقالات بالطريقة التي قامت بها كندا"، مع أن التقرير السنوي حول حقوق الإنسان في العالم الذي تصدره الخارجية الأميركية يتطرّق عادة إلى الخروقات في السعودية.
وفيما لا يبدو أن كندا مستعدّة لتقديم أي اعتذار، نزولًا عند المطلب السعودي، خصوصا أنها تعتبر أن ما قامت به موقف أخلاقي، وحقوقي إنساني عالمي، غير مرتبط بمفهوم السيادة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فإن الأزمة سوف تستمر على الأغلب في المدى المنظور، لكن المتضرّر الأكبر منها هو المواطنون والطلاب والأطباء السعوديون الذين يتدربون في المستشفيات والجامعات الكندية، كما أن القطاعين الصحي والتعليمي الكنديين سوف يتأثران أيضًا. لكن لا يمكن القول إن ملف حقوق الإنسان والمواطن في السعودية قد أغلق، بسبب الحملة السعودية التي كان تأثيرها معكوسًا؛ إذ تضاعف تسليط الضوء على الأوضاع في المملكة، لا سيما أن ولي العهد سبق أن عمل وخطّط ليجتذب الاهتمام العالمي، لا سيما الغربي، بالإصلاحات التحديثية التي قام بها، لكنه يحاول الآن أن يمنع الاهتمام العالمي بالتفاوت الكبير في إصلاحاته بين التحديث في الاستهلاك والترفيه من جهة وزيادة قمع الحقوق السياسية والمدنية من جهة أخرى؛ وبين السماح للمرأة بقيادة السيارة واعتقال النساء اللواتي تجرّأن على المطالبة بذلك قبل أن يسمح به.