إعلان بلفور السعودي

06 ابريل 2018
+ الخط -
قبل مائة عام، زيَّف وزير الخارجية البريطانية، آرثر بلفور، التاريخ والجغرافيا عندما قطع وعداً للحركة الصهيونية بتبني إقامة دولة لليهود في فلسطين، "وطنهم القومي". وبعد مائة عام، يُجدد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تزييف التاريخ والجغرافيا، معلناً من واشنطن عن "إيمانه" بحق اليهود بإقامة دولتهم على "جزء من أرض أجدادهم".
قبل مائة عام، تاجر بلفور البريطاني بترحيل اليهود إلى فلسطين، زاعماً التعاطف معهم و"مع أماني اليهود والصهيونية". ولكنه في الحقيقة، كان يخفي خلف هذا التعاطف أغراضا أخرى لحماية مصالح بريطانيا في مصر، وحراسة قناة السويس، مع تأمين خطوط مواصلاتها إلى الهند، وإقامة جسر يصل إلى حقول النفط العراقية. اليوم يعود محمد بن سلمان، لتثبيت "الحق اليهودي" في فلسطين، متعاطفاً معهم في العيش في أرض أجدادهم. وعلى خلاف بلفور، يبدو بن سلمان مُخلصا فيما قال، ما دام التحالف مع إسرائيل التي تجمعه معها "مصالح كثيرة"، سيحميه من خطر "مثلث الشر".
ليس خافياً أن كل ما قام به بن سلمان، خلال إقامته ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة الأميركية، كان هدفه شراء "أوراق اعتماده" ملكاً على عرش السعودية خمسين سنة مقبلة، على حد تعبير حليفه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد. لكن، يبدو أن مليارات الدولارات التي أنفقها بن سلمان على شراء الأسلحة، ومليارات الدولارات التي تعاقد بها مع شركات أميركية لتنفيذ مشاريع في السعودية، وملايين الدولارات التي أنفقها والوفد المرافق له في فنادق واشنطن ونيويورك وبوسطن ومطاعمها، وملايين الدولارات التي صرفتها سفارة الرياض في واشنطن على حفلات الترفيه والعلاقات العامة والهدايا السخية، لم تكن جميعها كافية لضمان مبايعة الرجل ملكاً على العرش السعودي.
لم تكن كل الأموال السعودية كافيةً لإقناع اللوبي الصهيوني في إدارة الرئيس دونالد ترامب بأهلية محمد بن سلمان، وجاهزيته لتولي العرش السعودي، فكان لا بد من ثمن أكبر، ولا شيء أغلى عند عتاة صهاينة البيت الأبيض من فلسطين "أرض اليهود" و"وطنهم القومي"، فما كان من محمد بن سلمان إلا أن باع فلسطين لشراء العرش. مع أن الرجل لم يخفِ "قلقه الديني" على المسجد الأقصى، وحقوق الفلسطينيين.
بعد مائة عام، تقاطع إعلان بلفور البريطاني مع إعلان "إم بي إس" السعودي، في دعمهما وطن اليهود في فلسطين، ولكن "إم بي إس"، العربي الشهم، كان أكثر كرماً ونبلاً، وتقدم خطوة "تاريخية"، مخترقاً كل "الخطوط الحمر" على رأي السياسي الأميركي، دينس روس، وهو يشهر دعمه حق "اليهود في أرض أجدادهم"، وهي "الحقيقة" التي فاتت بلفور البريطاني، وتنبه لها "إم بي إس" السعودي.
قد يكون من شأن السيادة السعودية الاعتراف بالكيان الإسرائيلي الغاصب، وربما يُبرر الحكم السعودي الاستعانة بالإسرائيلي للوقوف في وجه "هتلر" الإيراني، وقد يكون من حق محمد بن سلمان نكران محمد بن عبد الوهاب. وبالطبع، ليس من شأننا السؤال عن كل الثروات التي يبذرها بن سلمان لتمكين عرشه، مع الإشارة إلى أنها أموال الشعب، وليست من "مزرعة" آل سعود. ولكن من حقنا مطالبة ولي العهد السعودي بالتوقف عن بيع أوطان الغير لشراء عرشه.
بقي لنا تذكير "أبو رصاصة" بأن المواطن الشريف، في دائرة تسجيل العقارات في الرياض، الذي رفض نقل قطعة من أملاك الدولة لمحمد بن سلمان، فتم تهديده برصاصة في مغلف رسالة، لن يكون أشرف من أبناء الشعب الفلسطيني الذين لن يفرّطوا بأملاك أجدادهم، وإن نزل على رؤوسهم كل رصاص الكون. ليس من حق محمد بن سلمان، ولا آرثر بلفور من قبله، ولا أي شخصٍ من بعده، مهما كان أو سيكون، "منح ما لا يملك لمن لا يستحق". وإذا كان ولي العهد السعودي حنوناً فعلاً على اليهود، فعليه إعادتهم على متن أسطول طائراته الخاصة، أو يخته الفاخر، إلى خيبر، أليست "جزءاً من أرض أجدادهم"؟.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.