30 أكتوبر 2024
ترامب وإيران.. هل ثمّة مواجهة؟
في ضوء التناقض المقيم في سلوكه وتصريحاته، لا يفتأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يجعل مهمتنا في فهم السياسة الأميركية، وتوقع اتجاهاتها، في عهده مسألة عسيرة. وسواء عبر هذا الأمر عن درجة التيه التي يعانيها الرئيس في التعامل مع قضايا معقدة، أو كان هذا سلوكا واعيا ومقصودا، كما يحلو لترامب أن يروج، باعتبار أن قدرته على إرباك الآخرين، وجعل سلوكه غير قابل للتنبؤ، يمثلان نقطة قوته الأساسية في السياسة الخارجية، فقد بات لزامًا علينا أن نكون أكثر حذرا عندما نحاول قراءة سياساته، على الرغم من إغراء الانجراف وراء توقعات كبرى بشأنها.
لنقف مثلا على مجريات الأسبوع الماضي، حيث تسببت تصريحات ترامب، وسياساته المتناقضة، فيما خص العلاقة مع روسيا وإيران، بإرباك كبير. ففي موضوع روسيا، تجاوز ترامب اعتراضات مستشاريه، وقام بتهنئة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على إعادة انتخابه، على الرغم من أزمة محاولة اغتيال العميل الروسي في بريطانيا، سيرجي سكريبال، لكنه لم يلبث أن طرد 60 دبلوماسيا روسيا، ردا على محاولة الاغتيال بعد ذلك بيومين، في أكبر عملية طرد لدبلوماسيين في تاريخ العلاقة بين البلدين. وفي موضوع إيران، دفعت التعيينات الجديدة في إدارة ترامب كثيرين إلى توقع اندلاع مواجهة مع طهران، فجون بولتون الذي يعد من صقور المحافظين الجدد، ودعا مرارا إلى قصف إيران، غدا مستشارا لشؤون الأمن القومي، بدل الجنرال مكماستر، كما حل مايكل بومبيو، وهو متشدد آخر، مكان ريكس تيلرسون في وزارة الخارجية، ليكتمل نظريا "مثلث الموت" بالنسبة إلى إيران، باعتبار أن وزير الدفاع جيم ماتيس يعد أيضًا صُقوريًا بشأن إيران، وهو كان خرج من إدارة أوباما عام 2015 لأنه عارض الاتفاق النووي.
الخطوة المتوقعة التالية، منطقيًا، أن ينسحب ترامب، بمجرد انقضاء مهلة ال 120 يومًا التي أعطاها لحلفائه لتقديم عرض جديد للحد من برامج إيران الصاروخية، وجعل التزامها بالاتفاق النووي لا نهائي، من الاتفاق، في حال لم يحصل على ما يريد، ثم ماذا؟ تذهب أغلب التوقعات باتجاه تصعيد كبير، وحتى مواجهة عسكرية مع إيران، باعتبار أن إدارة ترامب غدت فعليا إدارة حرب، كما أن حلفاء واشنطن في المنطقة يدفعون بهذا الاتجاه.
مع ترامب، كل شيء ممكن. لكن إذا نظرنا إلى المؤشرات بعيدًا عن ضجيج التصريحات، تبدو احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة بين واشنطن وطهران ضعيفة، لا بل ازدادت ضعفًا في الآونة الأخيرة. وإذا كان ترامب جادّا بشأن نيته سحب القوات الأميركية من مناطق شمال سورية وشرقها، باعتبار أن "المهمة تمت" بالقضاء على "دولة" تنظيم الدولة الإسلامية، فهذا يعني أن البيت الأبيض غير معني لا بمواجهة إيران ولا حتى باحتوائها، وهذا يعني أيضاً أن "استراتيجية تيلرسون السورية" سقطت بسقوطه، وكانت تهدف إلى الاحتفاظ بوجود عسكري أميركي في مناطق شرق الفرات، حتى لا يتكرّر خطأ العراق، على ما قال تيلرسون، عندما قامت واشنطن بتحطيم عدو لإيران، ثم انسحبت تاركةً البلد لها.
من جهة أخرى، نعرف أن للحرب استعداداتها ومؤشراتها، من حشد وتعبئة وطلب ميزانيات إضافية... إلخ، وهذا كله غير قائم، حتى الآن على الأقل. إذ لم نلحظ تغييراً في مستوى الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ولا زيادة في عدد القطع البحرية الأميركية، لا في الخليج ولا شرق المتوسط، حتى الزيادة التي طلبها ترامب في الموازنة العسكرية 2018-2019 جاءت تحت عنوان مواجهة التحدي الاستراتيجي، المتمثل بالصين وروسيا، كما بدا لافتا قوله عندما أبدى رغبته الانسحاب من سورية، إن الولايات المتحدة، أنفقت سبعة تريليونات دولار على حروبها في الشرق الأوسط، وكان الأجدر إنفاقها على البنية التحتية في أميركا. وعلى الرغم من مبالغته في الأرقام، على عادته، إلا أن ترامب بدا فاقد الشهية لدخول حرب جديدة تكلفه، باعتباره تاجرا، تريليونات أخرى من دون مردود مادي واضح. هذا يعني أن ترامب إنما يبيع حلفاءه الخليجيين الوهم، ويمارس معهم خداعا استراتيجيا عندما يجعلهم يبنون حساباتهم على فكرة أن واشنطن ستقاتل لهم إيران، في حين أنها تخطط للعكس تمامًا، أي ضرب الجميع بالجميع والخروج بمكتسبات من جرّاء ذلك، كما فعل بأزمة الخليج.
لنقف مثلا على مجريات الأسبوع الماضي، حيث تسببت تصريحات ترامب، وسياساته المتناقضة، فيما خص العلاقة مع روسيا وإيران، بإرباك كبير. ففي موضوع روسيا، تجاوز ترامب اعتراضات مستشاريه، وقام بتهنئة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على إعادة انتخابه، على الرغم من أزمة محاولة اغتيال العميل الروسي في بريطانيا، سيرجي سكريبال، لكنه لم يلبث أن طرد 60 دبلوماسيا روسيا، ردا على محاولة الاغتيال بعد ذلك بيومين، في أكبر عملية طرد لدبلوماسيين في تاريخ العلاقة بين البلدين. وفي موضوع إيران، دفعت التعيينات الجديدة في إدارة ترامب كثيرين إلى توقع اندلاع مواجهة مع طهران، فجون بولتون الذي يعد من صقور المحافظين الجدد، ودعا مرارا إلى قصف إيران، غدا مستشارا لشؤون الأمن القومي، بدل الجنرال مكماستر، كما حل مايكل بومبيو، وهو متشدد آخر، مكان ريكس تيلرسون في وزارة الخارجية، ليكتمل نظريا "مثلث الموت" بالنسبة إلى إيران، باعتبار أن وزير الدفاع جيم ماتيس يعد أيضًا صُقوريًا بشأن إيران، وهو كان خرج من إدارة أوباما عام 2015 لأنه عارض الاتفاق النووي.
الخطوة المتوقعة التالية، منطقيًا، أن ينسحب ترامب، بمجرد انقضاء مهلة ال 120 يومًا التي أعطاها لحلفائه لتقديم عرض جديد للحد من برامج إيران الصاروخية، وجعل التزامها بالاتفاق النووي لا نهائي، من الاتفاق، في حال لم يحصل على ما يريد، ثم ماذا؟ تذهب أغلب التوقعات باتجاه تصعيد كبير، وحتى مواجهة عسكرية مع إيران، باعتبار أن إدارة ترامب غدت فعليا إدارة حرب، كما أن حلفاء واشنطن في المنطقة يدفعون بهذا الاتجاه.
مع ترامب، كل شيء ممكن. لكن إذا نظرنا إلى المؤشرات بعيدًا عن ضجيج التصريحات، تبدو احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة بين واشنطن وطهران ضعيفة، لا بل ازدادت ضعفًا في الآونة الأخيرة. وإذا كان ترامب جادّا بشأن نيته سحب القوات الأميركية من مناطق شمال سورية وشرقها، باعتبار أن "المهمة تمت" بالقضاء على "دولة" تنظيم الدولة الإسلامية، فهذا يعني أن البيت الأبيض غير معني لا بمواجهة إيران ولا حتى باحتوائها، وهذا يعني أيضاً أن "استراتيجية تيلرسون السورية" سقطت بسقوطه، وكانت تهدف إلى الاحتفاظ بوجود عسكري أميركي في مناطق شرق الفرات، حتى لا يتكرّر خطأ العراق، على ما قال تيلرسون، عندما قامت واشنطن بتحطيم عدو لإيران، ثم انسحبت تاركةً البلد لها.
من جهة أخرى، نعرف أن للحرب استعداداتها ومؤشراتها، من حشد وتعبئة وطلب ميزانيات إضافية... إلخ، وهذا كله غير قائم، حتى الآن على الأقل. إذ لم نلحظ تغييراً في مستوى الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ولا زيادة في عدد القطع البحرية الأميركية، لا في الخليج ولا شرق المتوسط، حتى الزيادة التي طلبها ترامب في الموازنة العسكرية 2018-2019 جاءت تحت عنوان مواجهة التحدي الاستراتيجي، المتمثل بالصين وروسيا، كما بدا لافتا قوله عندما أبدى رغبته الانسحاب من سورية، إن الولايات المتحدة، أنفقت سبعة تريليونات دولار على حروبها في الشرق الأوسط، وكان الأجدر إنفاقها على البنية التحتية في أميركا. وعلى الرغم من مبالغته في الأرقام، على عادته، إلا أن ترامب بدا فاقد الشهية لدخول حرب جديدة تكلفه، باعتباره تاجرا، تريليونات أخرى من دون مردود مادي واضح. هذا يعني أن ترامب إنما يبيع حلفاءه الخليجيين الوهم، ويمارس معهم خداعا استراتيجيا عندما يجعلهم يبنون حساباتهم على فكرة أن واشنطن ستقاتل لهم إيران، في حين أنها تخطط للعكس تمامًا، أي ضرب الجميع بالجميع والخروج بمكتسبات من جرّاء ذلك، كما فعل بأزمة الخليج.