خريطة سياسية عنوانها الفشل

18 مارس 2018
+ الخط -
تواجه الحكومة التونسية أصعب الاختبارات على الإطلاق، في ظل المشهد السياسي المعقد الذي باتت عليه البلاد بسبب الأزمات الكبيرة التي تنذر بسيناريوهات عديدة، في مقدمتها احتمال مغادرة رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في خطوة لا تبدو جديدة على الحزبين الممسكين بزمام الأمور (نداء تونس وحركة النهضة).
وقياسا للمسارات التي شهدتها تونس في محطات مشابهة قبل سنوات قريبة، فإن الحلول "الجذرية" لن تخرج عن دائرة تغيير "ربان السفينة"، في إشارة إلى رئاسة الحكومة وعدد من الوزراء، بدل البحث في مسببات الفشل وعوامل الوهن المستمر في البلاد على مدار السنوات التي تلت الثورة.
وهذا الإصرار على المضي في هذا السبيل لمواجهة الاحتقان الاجتماعي المتزايد والأزمة الاقتصادية التي بلغت مستويات قياسية لم تشهدها البلاد سابقا، إنما يحمل في طياته حقيقة مفادها بأن حزبي نداء تونس وحركة النهضة على استعداد لاجترار أطروحات فضفاضة لم تعط أكلها طوال المرحلة السابقة في سبيل الاستمرار على سدة الحكم.
وكما تمت التضحية بحكومة الحبيب الصيد وترشيح حكومة يوسف الشاهد في 27 من أغسطس/ آب 2016 حلا للتغطية على فشل الائتلاف الحاكم آنذاك في تلبية مطالب الشعب الاجتماعية والاقتصادية، فإن هذا الخيار "الفاشل" سيطرح مرة أخرى وصفة علاج عابرة وجوفاء للأزمة الخانقة التي تعصف بالبلاد.
ومن مفارقات عجيبة، أفرزتها الوضعية الراهنة في تونس، أن زعيمي الحزبين الأكثر نفوذا في البلاد، ونعني حافظ قائد السبسي وراشد الغنوشي، ظهرا في ثوب المتجرد من عجز الحكومة على الحد من استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية. بل قد يخيل للمتأمل غير العارف بالشأن السياسي التونسي أن كلا الحزبين لا يتحملان ألبتة مسؤولية الخيارات والتوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاشلة.
ولهذا فإن اجتماع قرطاج الذي التأم بدفع من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي واتحاد الشغل أساسا، قد أزاح وبلا رجعة حكومة الشاهد، وأن ما يجري خلال هذه الأيام، ما هو إلا لعب وراء الكواليس يمهد لتقاسم الحقائب الوزارية، باعتبارها الغنيمة المحورية من العملية برمتها بين قطبي السياسة في البلاد (النهضة ونداء تونس). وسيتم البدء مجددا العزف على الأوتار نفسها فقط برؤوس جديدة تتولى المهمة.
وبناء عليه، قد يبدو مضحكا الحديث عن أن الائتلاف الحاكم يتعامل برؤية جديدة، من شأنها إيجاد حلول للأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة وإيجاد بدائل كفيلة بانتشال البلاد من السقوط الكامل، لأن ما يحدث لا يعكس إلا إصرار الفاعلين السياسيين على مواصلة ذر الرماد في العيون، على الرغم من الوعي بأن هناك جمر تحت هذا الرماد على وشك الالتهاب، قد يأتي على كل ما تبقى من آمال.
ووسط كل هذه الاحباطات السياسية والأزمات الاقتصادية، مازال التونسيون يتوقون لبناء مسار ديمقراطي حقيقي يلبي طموحاتهم وانتظاراتهم، قبل أن ينقطع الخيط الأخير من الحلم. ولكن وفي ظل مشهد سياسي تؤثثه أحزاب محكومة بهاجس السلطة والكراسي على حساب متطلبات المرحلة، وفي ظل تعمد اتباع سياسية طي الرأس وسط الرماد وقت الأزمات، وفي ظل تحالف الأحزاب الكبرى مع الفساد، فإن الانفجار الكبير آت لا محالة.
avata
avata
فاطمة عمر (تونس)
فاطمة عمر (تونس)