25 اغسطس 2024
صراحة عصام زهر الدين
على وسائل التواصل الاجتماعي.. مَرَّ مرور الكرام خبرُ تسليم جثة الشاب السوري، جعفر الدهني، الذي قُتل تحت التعذيب في فرع الأمن السياسي في مدينة حماة إلى ذويه، مع آثار التعذيب الوحشي على جسده، مع أن الشاب عاد إلى حماة، مع مجموعة من أبناء بلده، بناء على دعوات متكرّرة من المسؤولين السوريين، وتطمينات طويلة عريضة تقول إن تسوية وضع العائد أمنياً ستكون أهون من شرب الماء..
سبب عدم الاكتراث، برأيي المتواضع، أن عملية تصفية الناس تحت التعذيب في سورية أصبحت كثيرة، وشائعة، إلى درجة أنها لم تعد تثير الاهتمام. أما الخبر الأهم، الموثق بالفيديو الذي انتشر بأسرع مما تنتشر النار في الهشيم، فهو تصريح الضابط القيادي في الجيش السوري، عصام زهر الدين، بعد دخول قوات النظام إلى مطار دير الزور، الذي يخاطب فيه الهاربين من جحيم الاستبداد، قائلاً: نصيحة من هالدقن لا حدا يرجع. وأوضح الأمرَ الأكثر خطورة، وهو: إذا الدولة السورية سامحتكم، نحن لن ننسى، ولن نسامحكم.
تعرّضَ عصام زهر الدين، بعد هذا التصريح الوسخ، إلى سيلٍ هادر من السباب والاحتجاج الذي يتلخص بأن سورية يجب أن تكون لأبنائها، سواء أرَضي أفرادُ عصابة الأسد بهذا الأمر أو لم يرضوا به، والإنسان السوري تآمر عليه نظام الأسد مع إيران، مع الروس، مع الأميركان، مع أوروبا المتحضرة، مع إسرائيل، مع بعض الدول الشقيقة، مع المليشيات الطائفية المتعصبة الشيعية والسنية، وأُخرج من بلده مرغماً، تاركاً وراءه تحويشة العمر، البيتَ والحقلَ والطبيعةَ والتاريخَ والذكريات، والوطنَ برمته، فمن ذا الذي يستطيع أن يمنعه من العودة إلى بيته معزّزاً مكرماً؟
من بين كل التعليقات المدونة على المنشورات الخاصة بهذا الموضوع، استوقفني تعليق بالغ البراعة، هو أن هذا الوسخ عصام زهر الدين هو الأكثر صدقاً وصراحة بين المجرمين الذين يَقتلون الشعب السوري على مدى السنوات السبع الماضية. وتعليق آخر يقول إن كلامه يأتي ضمن السياق الذي يشتغل عليه بشار الأسد منذ بداية الثورة، وهو إخراج المواطنين الذين يعارضون نظامه، أو من المحتمل أن يعارضوه، إلى غير رجعة، في مقابل استقدام أقوام أخرى من طبيعةٍ مذهبيةٍ مناسبة له، وإعطائهم الجنسية السورية، والحصول، بالتالي، على ما أسماه في خطاب الخيانة الوطنية: المجتمع المتجانس. وأما مَن يغامر بالعودة إلى وطنه، معتقداً أن الهدوء النسبي الحاصل الآن يكفل له ذلك، فهناك احتمال كبير أن يُسَلَّمَ جثمانُه إلى أهله، وعليه آثار التعذيب، مثلما حصل مع الشاب جعفر الدهني، أو أن يُقتل وتحرق جثته، مثلما حصل مع سجناء صيدنايا، أو أن ينكر النظام القاتل أنه عاد أصلاً، ويدعو الله أن يقتل قاتله، مثلما فعل مع عبد العزيز الخير وغيره.
في بداية الثورة السورية، وبالتزامن مع القمع الفظيع للمتظاهرين، أطلق النظام السوري مبادرة أسماها "تسوية الوضع". وعلى إثرها، فَتَحَتْ فروع الأمن الموجودة في مدينة إدلب أبوابها للشبان الذين شعروا بأن الحديدة حامية، وقرّروا أن ينسحبوا من الحراك ويقعدوا عاقلين ولكن ما حصل على أرض الواقع يشبه الكوميديا الواقعية، فصار المواطن يذهب إلى الأمن السياسي، ليسوّي وضعه، فينقعونه هناك طوال النهار، ثم يعطونه ورقة "تسوية وضع" تصلح مدة شهر مع عبارة "يُرَاجِع بعدها". وفي اليوم التالي، يتصل به عناصر فرع أمن الدولة، طالبين منه مراجعتهم لتسوية وضعه عندهم، ثم يتصل فرع الأمن العسكري، ثم قيادة الشرطة، ثم مخفر المدينة، ولا ينتهي الأسبوع إلا وفي حقيبة المواطن "جَرْزة" تسويات وضع شهرية. ومن أجمل ما حصل يومذاك أن مواطناً سراقبياً وقع بيد الأمن الجوي، وباشروا به "الخبيط"، فلما قال لهم، وهو يولول، إن معه تسوية وضع من العميد نوفل، قالوا له: هاي التسوية بدنا ندحشها فيك، وفي العميد نوفل، يا عرص.
سبب عدم الاكتراث، برأيي المتواضع، أن عملية تصفية الناس تحت التعذيب في سورية أصبحت كثيرة، وشائعة، إلى درجة أنها لم تعد تثير الاهتمام. أما الخبر الأهم، الموثق بالفيديو الذي انتشر بأسرع مما تنتشر النار في الهشيم، فهو تصريح الضابط القيادي في الجيش السوري، عصام زهر الدين، بعد دخول قوات النظام إلى مطار دير الزور، الذي يخاطب فيه الهاربين من جحيم الاستبداد، قائلاً: نصيحة من هالدقن لا حدا يرجع. وأوضح الأمرَ الأكثر خطورة، وهو: إذا الدولة السورية سامحتكم، نحن لن ننسى، ولن نسامحكم.
تعرّضَ عصام زهر الدين، بعد هذا التصريح الوسخ، إلى سيلٍ هادر من السباب والاحتجاج الذي يتلخص بأن سورية يجب أن تكون لأبنائها، سواء أرَضي أفرادُ عصابة الأسد بهذا الأمر أو لم يرضوا به، والإنسان السوري تآمر عليه نظام الأسد مع إيران، مع الروس، مع الأميركان، مع أوروبا المتحضرة، مع إسرائيل، مع بعض الدول الشقيقة، مع المليشيات الطائفية المتعصبة الشيعية والسنية، وأُخرج من بلده مرغماً، تاركاً وراءه تحويشة العمر، البيتَ والحقلَ والطبيعةَ والتاريخَ والذكريات، والوطنَ برمته، فمن ذا الذي يستطيع أن يمنعه من العودة إلى بيته معزّزاً مكرماً؟
من بين كل التعليقات المدونة على المنشورات الخاصة بهذا الموضوع، استوقفني تعليق بالغ البراعة، هو أن هذا الوسخ عصام زهر الدين هو الأكثر صدقاً وصراحة بين المجرمين الذين يَقتلون الشعب السوري على مدى السنوات السبع الماضية. وتعليق آخر يقول إن كلامه يأتي ضمن السياق الذي يشتغل عليه بشار الأسد منذ بداية الثورة، وهو إخراج المواطنين الذين يعارضون نظامه، أو من المحتمل أن يعارضوه، إلى غير رجعة، في مقابل استقدام أقوام أخرى من طبيعةٍ مذهبيةٍ مناسبة له، وإعطائهم الجنسية السورية، والحصول، بالتالي، على ما أسماه في خطاب الخيانة الوطنية: المجتمع المتجانس. وأما مَن يغامر بالعودة إلى وطنه، معتقداً أن الهدوء النسبي الحاصل الآن يكفل له ذلك، فهناك احتمال كبير أن يُسَلَّمَ جثمانُه إلى أهله، وعليه آثار التعذيب، مثلما حصل مع الشاب جعفر الدهني، أو أن يُقتل وتحرق جثته، مثلما حصل مع سجناء صيدنايا، أو أن ينكر النظام القاتل أنه عاد أصلاً، ويدعو الله أن يقتل قاتله، مثلما فعل مع عبد العزيز الخير وغيره.
في بداية الثورة السورية، وبالتزامن مع القمع الفظيع للمتظاهرين، أطلق النظام السوري مبادرة أسماها "تسوية الوضع". وعلى إثرها، فَتَحَتْ فروع الأمن الموجودة في مدينة إدلب أبوابها للشبان الذين شعروا بأن الحديدة حامية، وقرّروا أن ينسحبوا من الحراك ويقعدوا عاقلين ولكن ما حصل على أرض الواقع يشبه الكوميديا الواقعية، فصار المواطن يذهب إلى الأمن السياسي، ليسوّي وضعه، فينقعونه هناك طوال النهار، ثم يعطونه ورقة "تسوية وضع" تصلح مدة شهر مع عبارة "يُرَاجِع بعدها". وفي اليوم التالي، يتصل به عناصر فرع أمن الدولة، طالبين منه مراجعتهم لتسوية وضعه عندهم، ثم يتصل فرع الأمن العسكري، ثم قيادة الشرطة، ثم مخفر المدينة، ولا ينتهي الأسبوع إلا وفي حقيبة المواطن "جَرْزة" تسويات وضع شهرية. ومن أجمل ما حصل يومذاك أن مواطناً سراقبياً وقع بيد الأمن الجوي، وباشروا به "الخبيط"، فلما قال لهم، وهو يولول، إن معه تسوية وضع من العميد نوفل، قالوا له: هاي التسوية بدنا ندحشها فيك، وفي العميد نوفل، يا عرص.