"القتل الصامت" في مصر

28 يوليو 2017
+ الخط -
خلال أسبوع، أعلنت قوات الأمن المصرية أنها قامت بتصفية حوالى 60 شاباً في مناطق مختلفة من البلاد، كان آخرهم أربعة شبان في مدينة السادس من أكتوبر، بعد ادّعاء أنهم قُتلوا في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة. وذلك بعد يوم من تعذيب الشاب سامح ثروت ذي التسعة عشر ربيعاً وتصفيته، وكان قد تم اختطافه قبل أربعة أيام وتعذيبه وقتله ورمي جثته في صحراء محافظة الفيوم.
ملف التصفية الجسدية في مصر بعد انقلاب 3 يوليو 2013 من أكثر الملفات المسكوت عنها، خصوصاً بعد أن تزايدت وتيرته خلال الشهور الماضية التي وصل فيها القتل بدون محاكمة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة. والملفت في هذا الملف أن التصفية والقتل تتم تقريباً بالطريقة نفسها. وفي كل مرة، يتم تصدير السيناريو نفسه، وهو وقوع اشتباكات بين قوات الشرطة والشباب المطاردين، ما أدى إلى قتلهم بعد تبادل لإطلاق النار. وهي رواية تثير شكوكاً كثيرة، ليس فقط لعدم حبكتها الدرامية، ولكن أيضاً لأن كثيراً من حالات التصفية تتم بعد اختطاف هؤلاء الشباب واختفائهم قسرياً، قبل الإعلان عن قتلهم، إلى درجةٍ بات فيها أهالي هؤلاء الشباب يقومون بحملة على صفحات التواصل الاجتماعي، فور اختطاف أبنائهم، خوفاً من تصفيتهم، وتلفيق التهم لهم بعد قتلهم.
ليس أسلوب الخطف والتصفية الجسدية جديداً على وزارة الداخلية المصرية، فقد مارسه وزراء الداخلية في عهد حسني مبارك، في أثناء المواجهة مع الجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حين كانت تتم تصفية المشتبه بهم وقتلهم في بيوتهم، ثم الادعاء بوقوع اشتباكات معهم. وهو الأسلوب نفسه الذي اتبعه وزير الداخلية الأسبق المختفي حالياً، حبيب العادلي، ونجح من خلاله بتقليل نفوذ الجماعات الراديكالية أواخر عهد مبارك.
هناك شقان لمسألة الخطف والتصفية الجسدية للمعارضين، يتعلق أولهما بما يشبه "الثأر" الذي تقوم به قوات الشرطة، وخصوصاً جهاز الأمن الوطني، من المشتبه بهم، وخصوصاً من شباب جماعة الإخوان المسلمين، وذلك رداً على عمليات اغتيال ضباط وأفراد الشرطة التي تجري بين حين وآخر، ويتم نسبها لهم، كما حدث أخيراً في الهجوم على "كمين البدرشين" الذي راح ضحيته خمسة من أفراد الشرطة. وثانيهما، وهو الأخطر، يتعلق بالدعم السياسي لهذا الأسلوب، في التعاطي مع المشتبه بهم، وذلك لتفادي مسألة المحاكمات والتقاضي. وقد لمّح الجنرال عبد الفتاح السيسي لهذا الموضوع أكثر من مرة، خصوصاً عقب الهجمات الإرهابية الكبيرة، في سيناء وضد الأقباط. ففي كل مرةٍ، كان السيسي يخرج غاضباً ليعبر عن إحباطه من سير العدالة ومن الإجراءات القضائية الطويلة، وهو ما يُعد "ضوءاً أخضر" للداخلية، كي تقوم بدور العدالة الناجزة على طريقتها الخاصة.
التخلص من الخصوم السياسيين بكل الطرق، بما فيها القتل والتصفية والخطف والاختفاء القسري، تعد ملمحاً رئيسياً للأنظمة السلطوية الفاشية، وقد مارستها أنظمةٌ انقلابيةٌ عديدة في أميركا اللاتينية، كما كانت الحال في تشيلي مع الجنرال أوجستو بينوشيه، أو الأرجنتين مع الجنرال خورخيه فيدلا. وكانت هناك ما تُسمى "فرق الموت" التي كانت تقوم باختطاف المعارضين السياسيين وقتلهم داخل بلدانهم وخارجها. وكانت النتيجة قتل العشرات منهم واختفاءهم. ولكن، في النهاية، جرت محاكمات لكل من تورّطوا في هذه الأعمال القذرة، ولم تسقط قضاياهم بالتقادم، ودفعوا ثمن جرائمهم. لذا، من المهم أن تقوم منظمات حقوق الإنسان بعملية توثيق لجرائم الخطف والقتل التي تجري في مصر خارج إطار القانون والعدالة، وذلك انتظاراً ليومٍ قد يُحاسب فيه المجرمون على جرائمهم.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".