02 نوفمبر 2024
لبنان.. صورة مع "الزعيم"
أن يقول رئيس حركة أمل، رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري، هذا الأسبوع، إن "حيتان المال تتحرّك في بحر لبنان الهادئ. فتّش عن الذين يريدون الغُنم، ولا يقبلون حتى بالمساهمة في الغُرم"، من الطبيعي، في هذا السياق، أن تقف مشدوهاً وعاجزاً عن الكلام. ذلك لأن الرجل هو أحد أبرز أمراء الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)، ورئيس المجلس النيابي منذ عام 1992. هو نفسه القائل في صيف 2015: "لولا الطائفية في لبنان لسَحَبنا المحتجون من بيوتنا"، خلال الحراك الشعبي ضد النفايات في البلاد.
بدوره، يغرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، على موقع تويتر، هذا الأسبوع أيضاً: "يا لها من مهزلة أن تلحق غرامة لمرة واحدة بالمعتدين على الأملاك البحرية. يبدو أن النواب لم يلاحظوا التعدّيات المتعدّدة. إن إقرار السلسلة من دون إصلاح جدي وضبط الهدر هو هروب إلى الأمام. الشعبوية طغت، كون الانتخابات على الأبواب. مسكين لبنان". هنا، وأمام تلك التحف التويترية، لا بدّ لك أن تقف "احتراماً" لرجل كان ركناً أساسياً في الحرب اللبنانية، وجزءا أساسيا في سلام ما بعد تلك الحرب، حتى أنه وصف نفسه يوما: "أنا من حيتان المال العام".
حسناً، موقفان في أسبوع واحد لأميري حربٍ قديميْن، كفيلان في نسف الذاكرة وضرب البنية العقلية والمنطقية في التفكير السليم والمنهجية الصحيحة. الأقبح من الموقفين مواقف أنصارهما الذين يجعلونك تظنّ أنك وسط غابة غرائزية كبيرة، لا يُمكن للعقل، ولا للمحاسبة، ولا للإصلاح، ولا للمصارحة، إيجاد مكانٍ لهم فيها. التعابير نفسها تتكرّر في كل زمن وكل عقد: "ذاك حمى تلك الطائفة الشيعية" و"الآخر دافع عن الطائفة الدرزية". وهما في منطق "الدفاع عن حقوق طوائفهما" ثبّتا نفسيهما كأخطبوط فاسد متغلغل في النظام الدولتي اللبناني، مستفيدين مع أتباعهم من كل قرش متاح. تماماً كما زعماء الطوائف المسيحية والسنية الذين حملوا شعار "حقوق الطائفة" و"غبنها" ردحاً من الزمن، قبل أن ندرك، متأخرين، أن "الحقوق" هي لفريقٍ يعتبر نفسه ممثلاً للمسيحيين، و"الغبن" زال بمجرّد عودة شخصٍ سنّي محدّد إلى رئاسة الحكومة.
نعرفهم أمراء الحرب. لكن، ماذا عن قواعدهم هم وغيرهم ممّن يصنّفون أنفسهم "مستقلين" و"محايدين"؟ تكفي بعضهم صورة لهم مع "الزعيم"، حتى يُغدق عليه كل الصفات الحسنة. يشكو بعضهم، ببراءة الأطفال، وزيراً أمام "الزعيم"، متناسياً أن هذا "الزعيم" أتى بأكثر مما فعله الوزير، في الحرب والسلم.
أيّ لبنان نريد، حين نرى الخضوع والخنوع لأمراء الحرب وزعماء المافيات في البلاد، بأبهى تجلياته؟ أي وطنٍ نسعى إليه في وقتٍ نجد فيه أن المواطن المديون، وقبل أن ينام في الليل، و"خوفاً على طائفته"، يجد ما يكفي من الوقت لكتابة عبارةٍ على "فيسبوك" يبجّل فيها زعيمه، الذي بالتأكيد لا ينام الليل من أجل معالجة مشكلة السير، وتأمين الطبابة المجانية، والتعليم المجاني، والغذاء النظيف، وحماية البيئة الطبيعية، ورفع النفايات من الشوارع والبحر.
في الواقع، استولدنا عالماً من "الفانتازيا" الخاص بنا، نتماهى فيه مع أمراء حربنا إلى درجة أننا نصبح "هم"، من دون أن يصبحوا "نحن". نكتفي في هذا العالم بصورة مع زعيمٍ ننشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، مع عبارات "مليانة حبّ وحنين". مجرّد نشر تلك الصورة يكرّس خطيئتنا في دفاعنا في لاوعينا عن زعيم ـ أمير حرب، فكيف إذا نشر مثل تلك الصورة جيشٌ من الصحافيين الذين يلبّون دعوة زعيم ـ أمير حرب، ويخرجون "مبتهجين به"، وداعين له بطول العمر "لما فيه خير لبنان ونهضته". وفي وقتٍ يلتهون فيه بتوزيع الصورة، يمنة ويسرة، يتفقّد الزعيم ـ أمير الحرب، حساباته المالية، المنبثقة عن مشروعٍ بُني على ركائز الفساد. يهمّ؟ لا يهمّ، المهم الصورة.
بدوره، يغرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، على موقع تويتر، هذا الأسبوع أيضاً: "يا لها من مهزلة أن تلحق غرامة لمرة واحدة بالمعتدين على الأملاك البحرية. يبدو أن النواب لم يلاحظوا التعدّيات المتعدّدة. إن إقرار السلسلة من دون إصلاح جدي وضبط الهدر هو هروب إلى الأمام. الشعبوية طغت، كون الانتخابات على الأبواب. مسكين لبنان". هنا، وأمام تلك التحف التويترية، لا بدّ لك أن تقف "احتراماً" لرجل كان ركناً أساسياً في الحرب اللبنانية، وجزءا أساسيا في سلام ما بعد تلك الحرب، حتى أنه وصف نفسه يوما: "أنا من حيتان المال العام".
حسناً، موقفان في أسبوع واحد لأميري حربٍ قديميْن، كفيلان في نسف الذاكرة وضرب البنية العقلية والمنطقية في التفكير السليم والمنهجية الصحيحة. الأقبح من الموقفين مواقف أنصارهما الذين يجعلونك تظنّ أنك وسط غابة غرائزية كبيرة، لا يُمكن للعقل، ولا للمحاسبة، ولا للإصلاح، ولا للمصارحة، إيجاد مكانٍ لهم فيها. التعابير نفسها تتكرّر في كل زمن وكل عقد: "ذاك حمى تلك الطائفة الشيعية" و"الآخر دافع عن الطائفة الدرزية". وهما في منطق "الدفاع عن حقوق طوائفهما" ثبّتا نفسيهما كأخطبوط فاسد متغلغل في النظام الدولتي اللبناني، مستفيدين مع أتباعهم من كل قرش متاح. تماماً كما زعماء الطوائف المسيحية والسنية الذين حملوا شعار "حقوق الطائفة" و"غبنها" ردحاً من الزمن، قبل أن ندرك، متأخرين، أن "الحقوق" هي لفريقٍ يعتبر نفسه ممثلاً للمسيحيين، و"الغبن" زال بمجرّد عودة شخصٍ سنّي محدّد إلى رئاسة الحكومة.
نعرفهم أمراء الحرب. لكن، ماذا عن قواعدهم هم وغيرهم ممّن يصنّفون أنفسهم "مستقلين" و"محايدين"؟ تكفي بعضهم صورة لهم مع "الزعيم"، حتى يُغدق عليه كل الصفات الحسنة. يشكو بعضهم، ببراءة الأطفال، وزيراً أمام "الزعيم"، متناسياً أن هذا "الزعيم" أتى بأكثر مما فعله الوزير، في الحرب والسلم.
أيّ لبنان نريد، حين نرى الخضوع والخنوع لأمراء الحرب وزعماء المافيات في البلاد، بأبهى تجلياته؟ أي وطنٍ نسعى إليه في وقتٍ نجد فيه أن المواطن المديون، وقبل أن ينام في الليل، و"خوفاً على طائفته"، يجد ما يكفي من الوقت لكتابة عبارةٍ على "فيسبوك" يبجّل فيها زعيمه، الذي بالتأكيد لا ينام الليل من أجل معالجة مشكلة السير، وتأمين الطبابة المجانية، والتعليم المجاني، والغذاء النظيف، وحماية البيئة الطبيعية، ورفع النفايات من الشوارع والبحر.
في الواقع، استولدنا عالماً من "الفانتازيا" الخاص بنا، نتماهى فيه مع أمراء حربنا إلى درجة أننا نصبح "هم"، من دون أن يصبحوا "نحن". نكتفي في هذا العالم بصورة مع زعيمٍ ننشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، مع عبارات "مليانة حبّ وحنين". مجرّد نشر تلك الصورة يكرّس خطيئتنا في دفاعنا في لاوعينا عن زعيم ـ أمير حرب، فكيف إذا نشر مثل تلك الصورة جيشٌ من الصحافيين الذين يلبّون دعوة زعيم ـ أمير حرب، ويخرجون "مبتهجين به"، وداعين له بطول العمر "لما فيه خير لبنان ونهضته". وفي وقتٍ يلتهون فيه بتوزيع الصورة، يمنة ويسرة، يتفقّد الزعيم ـ أمير الحرب، حساباته المالية، المنبثقة عن مشروعٍ بُني على ركائز الفساد. يهمّ؟ لا يهمّ، المهم الصورة.