حراك الريف بعيون "العدل والإحسان"

24 يونيو 2017
+ الخط -
تعتبر السلطات المغربية جماعة العدل والإحسان، جماعة تشتغل خارج القانون، وعلى الرغم من رفع الإقامة الجبرية عن زعيمها الروحي، ومرشدها الراحل عبد السلام ياسين، مع بداية الألفية الثالثة، وإطلاق إشارات إيجابية تعطي الانطباع بأنّ الجماعة باتت قريبة من الانضمام إلى المشهد السياسي الرسمي، إلا أنها ظلّت تشدّد كلّ أساليب وأدوات المتابعة والمراقبة ضد أعضائها. لكن بالمقابل تفتح لها المجال وتسمح لها بإقامة برامجها وأنشطتها في الساحات العمومية واستعراض عضلاتها في المسيرات الوطنية، كما هو الحال في المسيرة التي نظمت أخيرا في العاصمة الرباط، تضامنا مع الحراك الذي شهدته منطقة الريف.
يرى متتبعون لشؤون الحركات الإسلامية وقضاياها أن الأسباب التي تقود السلطات المغربية إلى التصعيد ضد جماعة العدل والإحسان تعود إلى طبيعة مواقفها السياسية التي تنهج مبدأ المقاطعة للعملية السياسية برمتها وخيار الرفض للمشاركة السياسية، بحيث تحصر الجماعة الإشكالية في مسألة إعادة توزيع السلطات، وتحديد الصلاحيات من جديد، والتقيّد بمبادئ الإسلام، ذلك أنّ البرلمان، في نظرها، مؤسسة تفتقد إلى شروط الفعل، لأن هيكلتها والاختصاصات المخولة لها لا تسمح لها إلا بهامشٍ ضيق لا يمكنها من تطبيق ما تسطره من قوانين وتفعيله.
غير أن هذه الأفكار وهذه المواقف التي يتقاسمها الجميع لكن بصور مختلفة، سرعان ما تختفي وينمحي أثرها عندما تقرّر هذه الجماعة النزول إلى الميدان، وأذكر في هذا الصدد، على سبيل المثال، قضيتين اثنتين، الأولى تتعلق بحركة 20 فبراير، والثانية بالحراك الذي شهدته أخيراً منطقة الريف، وتحديداً مدينة الحسيمة.
ففيما يخص حركة 20 فبراير التي ارتبط نزولها إلى الشارع باندلاع ثورات الربيع العربي، تأسس سلوك هذه الجماعة في علاقتها بها على التوجس، بحيث تردّدت الجماعة كثيرا قبل أن تقرّر المشاركة، وفعلا انخرطت في هذا الحراك إلا أنّ انخراطها كان في البدء رمزياً، ولما فتح لها المجال، واستتب لها الأمر شرعت في اختراق الحركة، عبر ما تسمّى مجالس الدعم، وبالتالي سحب البساط من تحت أقدام منظميها والفاعلين الأساسيين فيها، حتى أغرقت مسيراتها ووقفاتها بأتباعها الذين لم يعودوا يخفون شعاراتهم في تأسيس دولة الخلافة التي تتناقض مع سقف مطالب حركة 20 فبراير، وهو ما يعني، وحسب متتبعين عديدين، أنّ الجماعة تلغي الجميع بمن فيهم شركاؤها في التنديد والاحتجاج، عن طريق اعتماد استراتيجية التوغل والتوسع كواجهة لتصريف مواقفها ومخططاتها الراديكالية.
وبعدما قرأت قيادة الجماعة أنّ الحركة لن تخدم أهدافها انسحبت بشكل فجائي ومن دون مقدمات، وبرّرت الجماعة انسحابها كما قال رئيس الدائرة السياسية في الجماعة، عبدالواحد المتوكل، بأنّها تعرضت لاستفزاز من تيارات أخرى مشاركة في الحراك.
وبخصوص حراك الريف، الأمر مختلف تماما، بحيث اختفت الجماعة هذه المرّة عن الوجود ولم يظهر لها أي أثر في وقفات المتظاهرين ومسيراتهم، وظلّت تراقب الوضع من بعيد إلى أن وضعت الحرب أوزارها وتوقف من توقف واعتقل ومن اعتقل، لتخرج ببلاغ استنكاري وتنديدي، تدين فيه على حد تعبيرها طريقة تعامل المخزن مع هذا الحراك الشعبي، وتعلن من خلاله للرأي العام تضامنها المطلق مع نشطاء الحراك، واصطفافها إلى جانب الشعب في المطالبة بحقوقه كاملة، واستنكارها أجواء العسكرة في الريف ودعوة الدولة إلى سحب العسكر من المنطقة، وإزالة الحواجز المهينة لأهل الريف من الطرقات، وإلغاء الظهير العسكري، ووقف كل أشكال الترهيب.
السؤال في هذا الإطار: ماذا كان سيكون موقف جماعة العدل والإحسان، لو أن الشارع لم يتعاطف مع نضالات سكان الريف، ولو أنّ بعض الرموز المخزنية نفسها لم تعترف بمشروعية المطالب التي رفعها رفاق ناصر الزفزافي، كيف كان سيكون تعاطيها مع هذه القضية لو أنها أخذت مسارا آخر غير الذي كانت تتوقعه؟
يقتضي المنطق الإنساني السليم، في مثل هذه المقامات، أن يكون الفعل في منطلقاته وأهدافه مؤسساً على استراتيجية الوضوح وليس على الالتباس والنظرة الغامضة والطوباوية التي تتبنى نهجاً غيبياً ميتافيزيقياً لا يفهمه خاصة الناس وبالأحرى العامة، كما يقتضي أن نسعى إلى إنشاء فضاء يسعى جميع ألوان طيفنا السياسي مهما اختلفت آرائنا وتصوراتنا وإيديولوجياتنا.
التباس وغموض مردّه بحسب مهتمين بقضايا وشؤون الحركات الإسلامية، إلى أن "العدل والإحسان" التي تشترك، من ناحية، في بعض أدبياتها التربوية مع الطرق الصوفية، حيث يشتمل منزعها الروحي على تصوّر تربوي قائم على الصحبة والجماعة والذكر، تصر من ناحية ثانية على أن تلبس هذه الأحوال الصوفية كلها بلباس سياسي مادي ونفعي.
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)